دعوى السفارة عن الإمام قديماً وحديثاً - وقصتها في البحرين

دعوى السفارة عن الإمام المنتظر(عج) قديماً وحديثاً - وموقف علماء وشيعة البحرين


والبحث فيها يقع في ست (6) نقاط:

أولاً: معنى السفارة أو النيابة عن المعصوم عليه السلام والفرق بينهما وكذا الوكالة.

ثانياً: أسماء السفراء المعتمدين وكذا الوكلاء.

ثالثاً: أسماء أدعياء السفارة أو النيابة عن الإمام عليه السلام قديماً وكيفية انتخاب النائب أو الوكيل والمواصفات.

رابعاً: حقيقة دعوى السفارة عن الإمام عليه السلام في البحرين حديثاً وتصدي العلماء الأعلام لأصحاب البدعة.

خامساً: الموقف الشرعي العملي تجاه أصحاب البدعة.

سادساً: المراوحة بين الحرب والمقاطعة، وبين الانفتاح والاستفادة.

وقبل بسط البحث عن النقاط الست ينبغي التنبيه إلى حقيقة عقائدية كلامية شيعية مسطّرة في كتب الأقدمين من علماء وفقهاء الفرقة المحقّة بانتهاء أمد السفارة أو النيابة الخاصة عن ولي الله المنتظر القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء - بموت السفير الرابع علي بن محمد السمري (رض) وابتداء الغيبة الكبرى عام 329 هجرية إلى أيامنا هذه.

 بالتوقيع الصادر من الناحية المقدسة وعدم الإيصاء إلى أحد من بعده، وهو توقيعٌ له أهميته التاريخية والعقائدية ويحل الكثير من الشبهات ولو كان وحده لكفى في ذره في عيون المنحرفين المبدعين.

* قال عجل الله فرجه الشريف:

((يا علي بن محمد السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاّ بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن أدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم)).

قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: ((لله أمرٌ هو بالغه)) وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه، رضي الله عنه وأرضاه.
م: غيبة الشيخ الطوسي رحمه الله هذا ما تسالم واتفق عليه الأعلام جيلاً بعد جيل عن جيل الغيبة الصغرى إلى عصرنا هذا.

وهي وثيقة هامّة بالتأكيد لها كبير الصلة حينما يصل الكلام بنا حول النقطة الرابعة - حقيقة دعوى السفارة عن الإمام عجل الله فرجه الشريف في البحرين حديثاً- وأنها أكبر مستند لدى العلماء في تعرية أصحاب البدعة أمام الجمهور، وكشف مدى زيف الدعوى وانحراف وضلال أصحابها وشمولهم للعن الصادر من إمامنا (عج) (فهو كذاب مفترٍ).

وقد يقول قائل: ما ربط موضوع ادّعاء الوكالة أو النيابة ببحث (معالم الانحراف دراسة تحليلية لظاهرة الانحراف)؟

فنجيبه: بأنه يندرج في باب البدعة التي تعد من أكبر المصاديق للانحراف، كيف لا وهي التي ناءت بكلكلها على قطاع كبير من الشباب والشابات من ضعاف العقول من أبناء الإمامية الأثني عشرية كما استولت على أرواح أصحاب عمائم كانت في يوم من الأيام مشعل هداية وإصلاح في المجتمع.

وهو دليل آخر يدلِّل على ضعف المقدّمات الإيمانية لدى أولئك المنحرفين كما تم بيانه في بداية البحث فراجع هناك. وما زالت تعمل ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً في استقطاب المزيد من العقول الهزيلة لوادي غواية بدعتهم الردية.

وبحسب النظر القاصر: أن للمحنة القاسية التي حلت بنا في فترة التسعينيات من القرن الماضي وخفوت جذوة المحاربة فكرياً وعملياً والشعور بحالة اليأس من الظهور، دخلاً في تنامي العدد الملحوظ للداخلين في حظيرة المبدعين. فكان لزاماً علينا أن نضمن بحثنا بهذا العنوان، وخصوصاً أنه يصب في خانة الانحراف العقائدي، ولتستمر شعلة المحاربة والتصدي للبدعة وأصحابها في الاشتعال لتنير درب واحدٍ متخبط في بداية الانحراف على الأقل، ونكون بذلك قد أدينا ما يجب علينا اتجاه عقيدتنا الأصيلة، ومن المناصرين بالقلم ببقية الله في أرضه - أرواحنا فداه- وهو أضعف الإيمان إن لم نحض بشرف نيل الوسام الشهادة بين يديه. 

 ثم نختم البحث بملحقٍ روائي عن البدعة، وحديث السمت عن مولانا السجاد صلوات الله وسلامه عليه فمن المولى جلّ شأنه نطلب التوفيق والرشاد وبالتوسل إليه بصاحب الأمر (عج) التسديد إلى يوم المعاد.

أولاً: معنى النيابة أو السفارة

هي الوساطة بين ولي الأمر عجل الله فرجه الشريف وبين الموالين من شيعته في فترة الاحتجاب عنهم وبسبب ملاحقة الظالم له من بني العباس، وتتلخص وظيفتها في نقل النائب أو السفير للأموال والاستفتاءات إليه ثم إليهم.

ولم يطلق لفظ النائب أو السفير إلاّ على أربعة من الأبدال هم:

الأول: الشيخ الموثوق عثمان بن سعيد العمري (رض).

الثاني: ابنه الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رض).

الثالث: الثقة الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي (رض).

الرابع: المعتمد الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (رض).

وهم النواب الخصوص الذين يلتقون مباشرة بالموعود أرواحنا فداه، وعاشوا في فترة الغيبة الصغرى.
والمسئولية الملقاة على عاتقهم تبرز في الحفاظ على الشيعة والدين عامة بحسب تكليف الإمام عجل الله فرجه الشريف لا تختص بمنطقة معينة، وأمرهم مشهور بين الإمامية، والبحث في وثاقتهم مما لا يبحثه رجالي أصلاً، أما ما عداهم من الوكلاء والأبواب فتم البحث فيه.

معنى الوكالة:

هي همزة الوصل بين الموالين من شيعة الإمام وبين السفراء المعتمدين من الحجة أرواحنا فداه. ويمكن أن يقال: بأنها الاتصال بالإمام عجل الله فرجه الشريف عن طريق السفير أو النائب والوكالة مسئوليتها محدودة ببلاد أو منطقة ما ولا يتسع دورها كما في السفارة أو النيابة الخاصة.

وهي مسئولية مكمّلة لتكليف النيابة أو السفارة ومعنية لها إذ من الصعب على السفير الواحد أن ينتقل من بلد إلى آخر ليلتقي بالموالين من شيعة الإمام في زمان واحد وأن في الأمر حكمة ومصلحة كبيرة هي: إخفاء السفراء أو النواب عن الملاحقة، إذ بالقضاء عليهم جملة يستصعب الأمر فكان لا بد من اتخاذ وكلاء آخرين ليسهلون من مهمات السفراء أو النواب.

ثانيا: أسماء السفراء والوكلاء المعتمدين

1- البلالي أبو طاهر محمد بن علي عبّر عنه صاحب الأمر أرواحنا فداه في توقيعه: بأنه الثقة المأمون بما يجب عليه (رجال الكشي قدس سره). لكن فيه كلام وتوقف ذمه الشيخ قدس سره في الغيبة، وتوقف فيه العلامة ، وتأول له البعض بما ورد في زرارة من ذم وذلك لحفظه، وقال آخرون بأنه تغير في آخر أيامه.

2- ابن مهزيار محمد بن إبراهيم (رض) ورد التوقيع الرفيع في توثيقه عن صاحب الزمان أرواحنا فداه: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله.(غيبة الطوسي قدس سره).

3- الأسدي الرازي محمد بن جعفر بن عون (رض) ورد في حقه من الولي عجل الله فرجه الشريف: الأسدي نعم العدل فإن تدم فلا تختار عليه.(رجال النجاشي قدس سره).

4- محمد بن شادان بن نعيم النعيمي النيسابوري (رض) عدّه بن طاووس قدس سره من وكلاء الناحية وممن وقف على معجزات صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف ورآه. (ربيع الشيعة لابن طاووس قدس سره).

5- القاسم بن العلا (رض) من أهل ادربيجان، وهو ثقة أرسل له مولانا القائم أرواحنا فداه سبعة ثياب لتكفينه وأخبره أن يموت بعد أربعين يوماً من وصولها، قال الإمام (عجل) في تعزيته ابنه في موته: قد جعلنا أباك إماماً لك وفعاله لك مثالاً.

 6- الوشاء حاجي بن يزيد، وذكره الشيخ الطوسي قدس سره في غيبته، لم ينحرف كما انحرف البعض من الوكلاء وأنه ثبت على الوكالة إلى آخر عمره.

7- الهمداني إبراهيم بن محمد وكيل الناحية حج أربعين حجة كما ينقل صاحب جامع الرواة ج1 ص33 عاصر الرضا، والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام، وثقة صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف من دون سؤال عنه.

وهناك عدة وكلاء للناحية المقدسة على صاحبها آلاف التحية اختلف الأعلام في وكالتهم عنه عجل الله فرجه الشريف تركنا ذكر أسمائهم خشية الإطالة فليراجع جامع الرواة للاردبيلي قدس سره والفهرست للشيخ الطوسي قدس سره وكذلك خلاصة الرجال للعلامة قدس سره، وإكمال الدين للصدوق قدس سره. وقد تعّمدنا ذكر جملة من الوكلاء والبحث في وثاقتهم ليتضح للقارئ العزيز ظهور وكلاء مزورين ومنحرفين عن خط الإمامة قديماً، وبروز فئة منحرفة جديدة في زماننا هذا وفي البحرين بالخصوص تدّعي الوكالة عن ولي الأمر عجل الله فرجه الشريف، والعجب لا ينقضي أن الادعاء طريقة الرؤيا من دجال يدعى بعبد الوهاب البصري، والذي تم تسجيله في آخر قائمة المنحرفين، وربما لن يسدل الستار بعد في ظهور وكيل كذاب مفترٍ أعاذناالله من رؤية ذلك اليوم المشئوم. ومما يهون الخطب تسجيل العلماء الماضيين نور الله ضرائحهم لأسماء المدّعين للوكالة، وإثبات الأسماء الصحيحة المستقيمة مع توثيقاتهم لتكون شبه قاعدة لمن أراد معرفة المنحرف المدّعي من المستقيم الثابتة له الوكالة.

ثالثاً: أدعياء السفارة أو الوكالة عن صاحب الأمر أرواحنا فداه قديماً

1- أبو محمد الشريعي - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

2- محمد بن نصير النميري - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

3- أبو بكر البغدادي - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

4- أحمد بن هلال الكرخي - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

5- البابقطاني - البحار للمجلسي (قدس سره).

6- اسحق الأحمر - البحار للمجلسي (قدس سره).

7- الشلمغاني العزاقري - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

8- أبو دلف الكاتب - الغيبة للشيخ الطوسي (قدس سره).

9- ابن بابا القمي - رجال الكشي (قدس سره).

10- الحلاّج الصوفي الحسين ابن منصور - الكنى والألقاب للقمي (قدس سره).

تنبيه: هناك وكلاء انحرفوا في أيام الإمامين الهادي والعسكري عليهم السلام وصدر اللعن والبراءة منهم كالنميري وابن بابا القمي الذين صدرت البراءة واللعن من الإمام العسكري في حقهما. ولمعرفة المزيد عن تاريخ المنحرفين المزورين وصدور البراءة واللعن في حقهم تراجع المصادر التي أشرنا إليها.

كيفية انتخاب النائب أو الوكيل والمواصفات

مما لا شك فيه أن عملية انتخاب النائب أو الوكيل من قبل الأئمة الثلاثة المتأخرين (الهادي - العسكري - القائم) عليهم السلام قد تمت بالفعل إما بالمعرفة الشخصية أو عن طريق التزكية. فمثال الأول النواب الخصوص الأربعة (رض)، ومثال الثاني تزكية النواب للوكلاء. فالمعلوم والمشهور هو جلالة قدر الأربعة والثناء والتوقيعات الصادرة بحقهم من قبيل:

العمري وابنه ثقتاي فما أديا إليك فعني يؤدّيان وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرّانه زاد الله في إحسانه إليه يعني ابن روح (رض) ويا علي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك.

وأما الوكلاء فيتم انتخابهم عن طريق النائب أو السفير وإخبار الحجة عجل الله فرجه الشريف عن اسمائهم، والغالب أنهم لا يرون شخصه الكريم إلاّ ثلة معدودة كما حدث لأبي طاهر البلالي في حياة العمري الأب حين أمره القائم (عج) بدفع الأموال إليه. ولم يحدثنا التاريخ عن انحراف ولو بسيط عن النواب الأربعة (رض)، ولكن حدّثنا عن انحراف شرذمة من الوكلاء عن الخط وادعاء الوكالة بل النيابة عن ولي الأمر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء طمعاً في المال والوجاهة الاجتماعية وكله يصب بالتأكيد في حب الدنيا والاستئكال بالدين.

والقدر المتيقن أن انتخاب النائب أو السفير من قبل القائم عجل الله فرجه الشريف إنما هو بأمر رباني. إذ في الوكلاء من هو أعلى شأناً في العلم والفقاهة، وأما انحراف بعض الوكلاء عن الخط، فهو دليل على أن خط الانحراف ليس له زمان معين ينتهي فيه بالرغم من وجود الإمامة المعصومة، وهو مفاد الآية الكريمة ((ليحي من حيّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة)) وأن فلسفة التمحيص تفرض ذلك ((والله لتبلبلن بلبلة، والله لتغربلن غربلة))، وأن الصراع بين خطي الصلاح والطلاح سيستمر حتى بعد الظهور المبارك لدولة الحق إنشاء الله تعالى، وأن هناك من سيعكر صفو تلك الدولة الفتية بجملة انحرافاته.

ولو لم يتم فضح تلك الوكالات المزورة المنحرفة لاختلط الحق بالباطل، وضاعت معالم التنظير بإمام موعود يزلزل أركان الظلم، ويحق الحق وينشر العدل، فكان من الواجب تعريتها أمام القواعد المؤمنة لتلتف مع الوكالات المستقيمة الملتزمة بخط الإمامة.

وأن للورع والتقوى والعدالة والإخلاص دور كبير في الانتخاب وكذا الكتمان والتقية فهما من أبرز صفات الانتخاب وتاريخ السفراء حافل بقصص تدلل على ذلك، انظر مثلاً تاريخ السفير الثالث الحسين بن روح (رض) وكذا الثاني.

أما العلمية وإن كانت سمة مهمة إلا أنها تأتي في الرتبة الثانية بعد الورع والتقوى والعدالة والكتمان والمحافظة على التقية والإخلاص. قيل لأبي سهل النوبختي: كيف صار هذا الأمر (أي السفارة) إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هو أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم، وضغطتني الحجة، لعلي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم فلو كان الحجة تحت ذيله وقّرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه.(البحار للمجلسي قدس سره).

وبالعكس فإن حب الذات ومتابعة الهوى وضعف المقدمات الإيمانية لدى المنحرفين بالإضافة إلى حب خفق النعال وتحصيل المنزلة والجاه والجشع في المال قد أدوا مجتمعين إلى مثل هذا النوع من الانحراف ألا وهو الخروج عن النهج والمنهج باسمهما، فماذا ربح أولئك (المنحرفون) سوى لعنة الإمام عليه السلام والبراءة والطرد ولعنة التاريخ ولعن اللاعنين على مر العصور والأيام والوعد بالنار والعذاب الشديد.

وبدلاً من أن يعتبر من قرأ سيرتهم ووقف على فداحة انحرافهم واغترارهم بالدنيا والغرور، نجد أقواماً قد أعمتهم صارعة العشاق ببريق زبرجها ورنة خلخالها، وزين لهم الشيطان سوء عملهم، قد اختطوا لأنفسهم ذات الطريق وادعوا مقاماً خطيراً كأسلافهم من المنحرفين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فظل سعيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة لهم عذاب أليم ولم يعلموا بأن الله تعالى وحجته في أرضه لهم بالمرصاد وإنهما كاشفوهم وفاضحا بدعتهم الضالة المضلة. وإن تخدر بانحرافهم وضلالهم خلق كثير ممن لا ورع ولا تقوى ولا مقدمات إيمانية عقائدية له. وهذا ما سنعرض له لاحقاً في كشف زيف انحرافهم وحقيقة بدعتهم وبالله المستعان على ما يصفون.

رابعاً: حقيقة دعوى السفارة أو النيابة عن الإمام (عجل) في البحرين حديثاً

وتصدى العلماء الأعلام لأصحاب البدعة وصور من بيان علماء البحرين، وفتاوى الفقهاء العظام في حقهم


كانوا من رواد العمل الإسلامي في البحرين، وممن لا يشق لهم غبارٌ في العدالة والتقوى، عرفتهم منابر الخطابة في الاحتفالات والمواسم الثقافية ماعدا من هو في قمة الهرم التنظيمي للبدعة!! لم يعرف له ماض تبليغي أو حتى كتيّب صغير يعرف به. بخلاف المنظّر الأكبر (ع) أو المعممين (أ) (أ) أعني بهم الشارقي والجفيري والعريبي الذين هم على رأس الهيكل الإداري ((لجمعية التوعية الإسلامية)) وقتذاك، قد دخلوا غياهب السجن في بداية عقد الثمانينات في ظروف غامضة بتهمة الانتماء لحزب يريد تقويض نظام الحكم آنذاك، وتعاطفت معهم الجماهير ووصفتهم بالجهاديين وسعى العلماء المخلصون في تخليصهم وتخفيف العقوبة عنهم وهو ما حدث بالفعل وقلّصت المدة إلى سبع سنوات تقريباً.



وفي ظل ظروف محنة الاعتقال، وحالة اليأس التي هيمنت على الجميع، تفتقت ذهنية المبدع عبد الوهاب البصري باختراع فكرة من بنات أفكار إبليس الرجيم وفكره الهزيل مفادها أنه مكلف من قبل النائب الثالث الحسين بن روح (رض) في الرؤية بجعله وكيلاً أو باباً للحجة عجل الله فرجه الشريف لعموم الشيعة وإيصائه بجملة من التكاليف الشرعية وإيصالها لهم، وأنه مكلف بالتبع بقبض الحقوق الشرعية وتسليمها للحجة أرواحنا فداه، ولا ندري كيف انطلت تلك السخافة على عقول القوم الموصوفة بالعلم والتقى؟! ونحن نشك من الأساس أن تكون الفكرة أو الشبهة قد استحكمت في عقل كان نيراً كعقل عيسى الشارقي أو إبراهيم الجفيري أو أحمد العريبي وهم من هم في قوة الحجة وفن الجدل.

لكنها العقلية الجمعية واليأس المريع وحب الانتقام من العلماء للتصور الخاطئ بأنهم قد خذلوهم أو تسبّبوا في سجنهم، و لا يبعد تدخل أيدٍ خفية في الموضوع تريد للشارع الشيعي أن يموج في بحر الفتن. آمن بالفكرة والبدعة من آمن طوعاً أو كرهاً، ومن أبى نال جزاءه من وجبات التعذيب على يد جلاوزة البدعة كعبد الحسين المتغوي الدرازي والشيخ حسن المالكي، الذين حدّثا فور خروجهما عن فداحة ما تعرضا له. حدث ذلك وكل البحرين تقريباً لا تعلم بما يخبأه لها القدر من بدعة تشق الصف الشيعي وتزيد من جراحاته ولكن الله قد كشف زيف انحرافهم قبل خروجهم والتنظير لها.

كان سماحة الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني حرسه الله تعالى قد خصص في شهر رمضان المبارك من عام 1408هـ بحثاً عن الأحلام وهو بحق بحث علمي ورصين، ركّز فيه على عدم ترتيب الأثر الشرعي على الأحلام. ولم يعلم الجميع أيضاً أنه كان بالفعل يتصدى عملياً للبدعة والمنحرفين، ويهيأ الذهنية العامة للمواجهة معهم إلا بعد الإفراج عنهم، كان ذلك قبل خروجهم بأربعة أشهر تقريباً. اطلع سماحته العلماء على مجمل البدعة، وما يرمي إليه أولئك المستأكلين بالدين من أمر خطير يأتي على الأخضر واليابس من جهودهم. وبالفعل وبمجرد أن تم الإفراج عنهم صدعوا بفكرتهم الشيطانية وكان العلماء لهم بالمرصاد، اجتمعوا برؤوسهم وناقشوهم وقارعوا حجتهم الفاسدة بالحجج الشرعية، وتنازل زعيمهم عن فكرته بكتاب خطي وأن الشبهة قد حاصرته واستحكمت في دماغه الأجوف وهو الآن يتوب إلى الله تعالى مما اقترف قلبه من إثم. ولكن بقية المنحرفين أبوا إلاّ معاندة الحق والجهر ببدعتهم وتمرير انحرافهم، فما كان من العلماء إلاّ أن كثفوا من المواجهة والتحذير من خطرهم، ونبذهم ومقاطعتهم حتى يرعوُا عن غيهم وانحرافهم.

وبالفعل تمت المواجهة العلنية لهم في مسجد مؤمن بالمنامة العاصمة على شكل ندوة رأسها سماحة الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني، وفضيلة الشيخ عيسى أحمد قاسم، وفضيلة الشيخ محمد محسن العصفور، في اجتماع حاشد غطى الطرقات بالجمهور الغفير.

في تلك الليلة تم شرح وافٍ لأساس البدعة، والتكليف الشرعي العملي في التعامل مع المنحرفين والتذكير بالأسس العقائدية لفكرة انتهاء السفارة أو النيابة أو الوكالة المباشرة عن إمامنا القائم أرواحنا فداه، والالتفاف حول النواب العموم في زمن الغيبة الكبرى وهم الفقهاء العدول بالتوقيع الصادر عن مولانا أبي القائم المهدي الإمام العسكري عليهما السلام، وأن الفكرة منتقضة من الأساس ولا أصل لها، وإنما هي بدعة تريد بالبيت الشيعي، وبالبلاد أن يتقوّض على أهله.

وأن من يريد أن يسلّمه الله من شرها من الداخلين فيها أن ينتقل إلى الصف المؤمن، ويعلن البراءة منها ومن أتباعها ويعلن توبته إلى الله أمام الملأ، بل وعليه محاربتها وفضح رموزها. وفي الأسابيع التي تلت الندوة استجاب عدد لا بأس به من أتباعها وأعلنوا التوبة والبراءة،و لمزيد الإطلاع انظر مذكرات الملا عبدالله المالكي (مخطوطة) فهي وثيقة مهمة من رجل مؤمن عايش فصول المحنة من أولها لآخرها . وضاقت الأرض على المبدعين بما رحبت، وعاشوا ظروفاً وحرباً نفسية ضروساً، ولم يثنهم ذلك عن مسايرة إبليس اللعين الذي احتنكهم وسول لهم سوء عملهم.

وراحوا يعربدون في انحرافهم، وبث بدعتهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً مستغلين اختلاف الصف العلمائي في قضايا سياسية واستطاعوا حرف عدد ليس بالقليل إلى وادي بدعتهم وكانت النساء الأوفر تعاسة في الانظمام لخلايا البدعة وحتى أن أحد تجار البحرين يحدث عن ابنته وقيامها بالليل وتضرعها وبكاؤها قبل أن يطلع على انحرافها. هذه تقريباً خلاصة بدعة المنحرفين، ولآن ندرج نصّاً معصومياً صادراً من أبي المهدي مولانا العسكري عليهما السلام يوضح بجلاء حقيقة الادعاء وهو أشبه بقاعدة كلية تكشف عن نفسية وأطماع كل مبّدع تحت عنوان ادعاء النيابة أو السفارة أو الوكالة عنه.

وقّع الإمام العسكري عليه السلام على رقعة في شأن محمد بن نصير النميري وابن بابا القمي، يتبرأ منهما ويحذر من انحرافهما: (أبرأ إلى الله تعالى من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأ منهما، فإني محذّرك وجميع موالي، وإني ألعنهما، عليهما لعنة الله، مستأكلين، يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيين، آذاهما الله، ارسلهما في اللعنة واركسهما في الفتنة ركساً) (ا.هـ رجال الكشي قدس سره).

ومع ضمه إلى التوقيع الصادر من مولانا الحجة عجل الله فرجه الشريف إلى الثقة الجليل السفير الرابع (السمري) (رض) في انتهاء أمد الغيبة الصغرى وابتداء الغيبة الكبرى وانتهاء النيابة أو السفارة عنه. يصبح الأمر سهلاً، ويمكن تعديه التوقيع المقدس كذلك إلى انتهاء الوكالة أيضاً. فكيف يصّح ادعاء الوكالة عنه عن طريق سفيره الثالث ((ابن روح )) (رض) وهو في قبره، وعن طريق رؤيته؟! ما هذا التدليس الذي لا يخفى على المطلّع البسيط فضلاً عن العالم البصير.

وبملاحظة ما ورد في توقيع مولانا الإمام العسكري عليه السلام من كلمات شديدة اللهجة من قبيل (مستأكلين، يأكلان بنا الناس، فتانين ، مؤذيين) يتبين لنا عدة أمور أهمها:

* أن الداعي الأكبر للبدعة وللمنحرفين هو الاستيلاء على الحقوق الشرعية من الأخماس والزكوات.

* المتاجرة باسم الأولياء في تحقيق الوجاهة الاجتماعية والطموح للتسلط على رقاب العباد.

*طلاّب زعامة ورئاسة ولو جاء ذلك على حساب هدم الأسس.العقائدية للفرقة المحقّة، أو سفك الدماء وهتك الأعراض، وإتلاف الأموال.

نعم أركسهم الله تعالى في الفتنة ركساً من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، وراحت مناشدة ونصح العلماء لهم أدراج الرياح، فهم لا يوفقون لتوبة أبداً وقد دعا عليهم المعصوم باللعن الوبيل، والإنذار بعذاب الله الشديد. إننا نصّر وبإلحاح شديد على تحفيظ التوقيع المقدّس الصادر عن مولانا القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء لسفيره الرابع (السمري) (رض) للناشئة من أبنائنا، ففيه كفاية لفضح ادعاء المنحرفين المرجفين، وكل من يأتي من بعدهم، ولو كان أعلم العالمين، ندرسهم إياه كما ندرسهم أصول الدين وفروعه، أو ذكر الأئمة الصادقين عليهم السلام بعد الانتهاء من تعقيب الصلوات.

وأنا عاكف على تجهيز مصادر البحث والتي كان من ضمنها كتاب الغيبة للشيخ الأجل محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني نضّر الله روحه الزكية، وتصفح عناوين فهرس الكتاب وقع بصري على باب ما يلحق الشيعة عند التمحيص، فأحببت تطعيم النقطة الرابعة بروايات من كلامهم نور صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وإن اقتضى التعليق على بعضها علّقت، ليستأنس بها المنتظر لفرج آل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويطمئن قلبه، ويزداد بصيرة، وإن معالم الانحراف قديماً هي هي بنفسها تتجسّد حديثاً ولكن برموز ووجوه جديدة ربما تكون أبشع من أخواتها وهي في ذات الوقت نصوص تحذيرية فإلى تلك النصوص الشريفة مع حذف الإسناد روماً للاختصار.

1- عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكر فذروه، إنه لا بد من أن يكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلاّ نحن وشيعتنا.

2- عن أبي عبدالله الصادق(ع): لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً وحتى يسمّي بعضكم بعضنا كذابين.

3- عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وأن صاحب الكحل يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها.

4- عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: والله لتميزن والله لتمحصّن والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح.
5- عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: والله لا تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا وتميزوا وحتى لا يبقى منكم إلاّ الأنذر فالأنذر.

6- عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: إنما مثل شيعتنا مثل أندر يعني بيدراً فيه طعام أصابه أكل فنقى حتى بقي منه ما لا يضره الأكل، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى يبقى منهم عصابة لا يضرها الفتنة.

هذا ما أعجبني من الروايات في المقام، والتي ركزّت على مفهوم موضوع الفتنة والافتتان أما تلويحاً أو تصريحاً كما في الروايتين الأولى والسادسة. والفتنة وإن كانت تطلق على كل أمر مريع يقع عامة، إلاّ أنها عادة ما تكون بين الفرقاء من مذهب أو مسلك واحد، وهذا ما ألمحت إليه الرواية الثانية ومغزى الضمير (الكاف في بعض والهاء في وجوه) وكذلك التأمل في بقية الروايات.

أما الرواية الثالثة فهي صريحة في خروج الرجل ممن ينتحل مودة أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام عن الخط وينحرف مساءً بعدما كان على الخط صباحاً وبالعكس، وهي مشعرة بأن هناك عدة أمور عدا الفتنة من قبيل اكتساب المال من غير حله، وتحصيل الوجاهة الاجتماعية والتسلط على رقاب العباد تجعل منه أن يبتدع أمراً ما كما حدث لمدعي الوكالة عن مولانا الحجة أرواحنا فداه. وهي مفردات بالتأكيد تكون محلاًّ للتمحيص والابتلاء. وكأن الإمام عليه السلام يريد أن يقول: يا معشر شيعتنا أنه لا بد لكم من الابتلاء والتمحيص في ظل أجواء فتن تعصف بكم، فأثبتوا على خطنا ولا تنحرفوا أو تغركم الدنيا بغرورها كما غرّت أمثال هؤلاء. وإذا عرفتم فلسفة التمحيص والابتلاء فحينها تتميزون بأنكم من شيعتنا المخلصين، وأنكم توقون شر الفتنة ولا يضركم من ضلّ من المنحرفين المبتدعين، هذا بشرط الالتزام بالقواعد الكلية التي ضربناها لكم في معرفة الصادق على الله من الكاذب عليه.

إذاً فلماذا سقطت في نيران الفتنة واصطلت بأوارها تلك الوليجة والبطانة من المنحرفين، وهم من هم في فن صناعة الجدل والخطابة؟!

ولتنعم النظر معي في الوصف الرائع لمولانا الباقر عليه السلام (حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين) فإن فيه إشعار أن من يتميز بالقدرات العالية، ويتصدى للأمور الصعبة هو من يخفق في امتحان الابتلاء والتمحيص وهو ما حدث بالفعل لا مثال هؤلاء المبتدعين المنحرفين وهو ما صنعه رأس الفتنة عبد الوهاب البصري في سحر عقول كعقول عيسى الشارقي وإبراهيم الجفيري وأضرابهما، كل ذلك من أجل ما أطلعناك عليه من دواعي الانحراف فلا نعيد.

(ألا في الفتنة سقطوا).

(ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني).

(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).

(كلما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها).

أما نحن فنقول كما قال الله في محكم كتابه العزيز وفرقانه المجيد:

(فقالوا على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين).

ونعم سنصبر جواباً منا للمولى تبارك وتعالى في قوله:

(وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون)؟

نصبر على مقارعة خط الانحراف والمنحرفين المدّعين للوكالة عن إمامنا وقدوتنا القائم أرواحنا فداه إلى حين اليوم الموعود إنشاء الله تعالى.

(ولنصبرن على ما آذيتمونا).

نعم لقد أوغلتم في كذبكم وانحرافكم حتى انطلى عليكم فصدقتموه وحكتم فصول مسرحيتكم الهزيلة الحبكة في غياهب السجون وعتمة الليال الحالكة كعتمة الرؤيا الكاذبة التي هي مستند فتنتكم، وهذه هي طبيعة المنحرفين، لا يرسمون إلاّ في جنح الظلام، للشبه في اللون (الأسود) بين سواد الليل وظلامية الفكرة. أما أصحاب العقول السليمة، والقلوب المفطورة على حب الإسلام والعقيدة فلم تنطل عليهم اكذوبتكم، لعلمهم بأنها حلقة من مسلسل انحراف قديم، قد ألفه رجال اعمتهم الدنيا فزاغوا عن الحق وأهله وتنكّبوا الوعر من الطريق في سبيل إرضاء شهواتهم، وشاء الله أن يتم نوره ولو كره الكافرون، بفضحهم على رؤوس الأشهاد. وهذا ما تم بالفعل، إذ اعتقدتم بأن الأرضية ممهدة لبث دعوتكم واحدوثتكم، وقد خاب مسعاكم، وها قد رأيتم بأم أعينكم ضراوة الحرب وشراستها من رجال نذروا أنفسهم للاسلام والتشيع، واسقط في أيديكم من جديد. أما الآن وقد خف وهج مشعل المقاطعة والمنابذة لكم بسبب انشغال من كانوا يحملونه في يوم من الأيام بهمومهم السياسية!! وهو ما سوف يسألون عنه غداً أمام إمامهم وأمام الله سبحانه وتعالى، فلا بد من بعث جديد ومحاربين أشداء يواصلون الدرب، في تحذير الأجيال اللاّحقة من نار انحرافكم المحرقة.

(جعلنا الله من المحاربين لكم في الليل والنهار باللسان والقلم) وأن يبعدنا عنا الأماني الشيطانية التي أغوتكم وحرفتكم وإننا لندعوا عليكم في صلواتنا، ولا ندعو لكم بالهداية والصلاح لأن وقت الدعاء والتوبة قد فات محله، بعد بيان الحجج والمناشدة (اللهم اقصم ظهر كل مبتدع أثيم، قد شق عصا المسلمين، وضاعف عليهم العذاب الأليم). أيها الحاطبون في ليل، والحارثون في بحر، لن تنالوا إلاّ الخزي والعار، والشنئان في دار الدنيا، ولكم الويل في دار القرار.

اللهم إننا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة اللهم منا عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه)((من دعاء الافتتاح لمولانا القائم أرواحنا فداه)).

خامساً: الموقف الشرعي العملي تجاه أصحاب البدعة

أولاً: بيان علماء الطائفة في مملكة البحرين:

وقد تعمدّت تقديمهم على الفقهاء الأعلام لنكتة ألاّ وهي: أنهم هم المعنيون أولاً بالمجابهة والتصدي لانحراف المنحرفين باعتبار قيمومتهم الشرعية والوجوب الشرعي المناط بهم في إرشاد وتوجيه المؤمنين من شيعة آل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولإطلاعهم بحيثيات ودقائق الفكرة الضالة المضلّة وهي سابقة كشفت بوضوح مدى التلاحم ورصّ الصف ويا ليته يعود في محاربة الانحراف وأصحابه بالرغم من الخلاف والاختلاف في أساليب العمل الإسلامي عموماً، وعظم المسئولية الملقاة على عواتقهم، وأن لا مجاملة أو محاباة في شأن عقائدي خطير يحيق بالأمة سوءً وضرراً، وأنهم قادرون في لملمة جراحاتهم ونكران ذواتهم في ساعة العسرة، وأن تأثيرهم ما يزال بليغاً في القضايا المصيرية للأمة، ومدى الاتفاق في المسائل الجوهرية التي لا يختلف حولها اثنان من الناس.

وللمزيد طالع شريط فيديو ندوة مسجد مؤمن وأن بيانهم مطابق للقواعد الفقهية من لدن الفقهاء الكرام.

ثانياً: فتاوى الفقهاء العظام من النجف الأشرف وقم المقدسة:


سادساً: المراوحة بين الحرب والمقاطعة وبين الانفتاح والاستفادة

وهو ما يقلق بالفعل بعد انكشاف الأمر وافتضاح أصحابه من المنحرفين وصدور البيان العلمائي وجملة الفتاوى من الفقهاء العظام في ترتيب الأثر الشرعي من وجوب المحاربة والمقاطعة والمنابذة، بل الارتقاء إلى حرمة التعاطف معهم قلباً وقالباً وهي الأقل مرتبة من الحرب والمقاطعة والمنابذة.

وبعد امتثال دام قرابة الأربعة عشر عاماً تقريباً ترددت أصداء أصوات نشاز في كسر الطوق الشرعي المضروب حول أعناق المنحرفين المبدعين، والانفتاح عليهم من جديد والاستفادة منهم ومن قواعدهم باعتبارهم جزءً من أبناء الطائفة ولهم خبرتهم السياسية!!؟؟.

بل تعدّى الأمر إلى محاولة إشراكهم في صنع القرار السياسي للمتصدين للإصلاحات الدستورية، بل الجعل منهم جبهة معادية لخط بعض العلماء لمجرد الاختلاف معه في الرؤى السياسية، واعتباره عقبة كئداء للمطالب السياسية على حد زعمهم. وهذه كلها اجتهادات شخصية في مقابل النصوص الشرعية، تنبع من قلّة الوعي الديني، وأن المبدأ المكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة) هو أحد أدوات طمس البيان والفتاوى، وأنه الغالب في تعامل بعض الإسلاميين هداهم الله في القضايا المصيرية التي تخص الأمة، وتغليب المصلحة السياسية على المصلحة الشرعية، وهو من الخطأ الفادح.

أقول: لا مجاملة ولا محاباة في الشأن الشرعي الخطير وأن تلك الدعوات الداعية للانفتاح والاستفادة هي حرام... حرام... حرام... لا ينبغي الالتفات إليها لأنها تصب في وادي الانحراف وتوسع من دائرة التعاون على الإثم والعدوان.

الإثم من الإتباع بكسر مضمون فتاوى العلماء والتغرير بالجهال، والعدوان على الشريعة والقيّم عليها أرواحنا فداه والدخول في زمرة المنحرفين.

والانفتاح يعني إضفاء الشرعية على الانحراف والمنحرفين والاعتراف بهم جزءً من الطائفة، بينما مضامين البيان والفتاوى اعتبارهم خارج الدائرة الشيعية. وحجة الاستفادة منهم سياسياً لا تصمد أمام الحكم الشرعي وهو وجوب المحاربة والمقاطعة ولمنابذة لهم، وهي حجة على مدعيها، والقياس بينها وبين حوادث من سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قياس مع الفارق، ليس هنا بيان وجهه، والذوق والاستحسان أو المزاجية عادة ما تصدر من متطفل على العلم والشريعة.

إن تلك الدعوات قد ارتطمت بالخطأ في المفاهيم وربطت بين الانفتاح السياسي الحاصل الآن وبين ضرورة الانفتاح على المنحرفين، وهو خطأ فاحش لم يلتفت إليه على أحسن الفروض. فالحكم الشرعي ثابت وواضح منذ زمن الغيبة الصغرى إلى أيامنا هذه، ولا يتبدل أو يتغير بتغير الظروف السياسية، وله نظير حكم القتل للمرتد سلمان رشدي أخزاه الله بأمر من الإمام الخميني قدس سره الشريف.

فهاهي الحكومات الإيرانية تتعاقب، والظروف السياسية للعالم تتبدل فهل يجرؤ أحد على التفوه بكسر الحكم الشرعي للمصلحة القومية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلاً؟!

أو تعقد الحكومة الحالية عقداً مع الدول الأوربية يتم بموجبه إلغاء الحكم الشرعي واعتبار سلمان رشدي لعنه الله أديباً وله الحرية في بث أفكاره، وتقوم الدول الأوربية بدورها بالانفتاح الاقتصادي عليها؟!
والاختلاف في الرؤى السياسية والاجتماعية وهي الحوّل القلب بين العلماء ليس مبرراً أبداً في السعي للقفز فوق الحكم الشرعي، والتنظير في الأوساط المؤمنة للانفتاح والاستفادة من أولئك المنحرفين، واستعمالها ضد الآخر الذي لا يتفق واعتبارها جزءً من أدوات الضغط عليه ومحاولة تهيمشه وإقصائه لمجرد أنه اختلف معنا في الأسلوب.

وإننا نبارك ما نقُل عن سماحة الشيخ عيسى قاسم من رفضه للفكرة من الأساس وتعقيبه: بأنه لا يستطيع كسر فتاوى الفقهاء فهو موقف شرعي قوي يسجل له في ميزان حسناته، ومن أنه ملتفت لما يراد من مثل ذاك الطرح.

إن المراوحة بين الحرب والمقاطعة، وبين الانفتاح والاستفادة موقف متزلزل لا ينبغي المصير إليه من الأصل لأن الله تعالى لا يطاع من حيث يعصى، وهي الحقيقة التي يؤمن بها قلب المؤمن في جميع شئون حياته، وهي القاعدة الند للمقولة المكيافيلية السياسية ( الغاية تبرر الوسيلة) فافهم واغتنم.

ولعل منشأ المراوحة قد بدأ يتسرب للعقول منذ أن طرح المنحرفون المبدعون (ملزمتهم) الاستعطافية في الوقت الراهن لكسب المزيد من الأتباع، حتى أنهم بدؤا يخلقون جو المظلومية الذي لحق بهم، وينبغي الجلوس معهم من جديد، وكأن شيئاً لم يكن. ولكن والحمد لله أن صدى تلك الدعوات لم تلق آذاناً صاغية إلاّ من نزر يسير لا يعتد به في تقرير القضايا المصيرية للأمة. وختاماً فإننا نقترح - بل هو الواجب الشرعي- تفعيل الحرب والمقاطعة من جديد ضد أولئك المنحرفين، لأن المطالب السياسية قد أخذت مساحة كبيرة (قرابة الأربعة عشر عاماً) من التصدي لهم. قد جعلتهم يسرحون ويمرحون في تمرير انحرافهم على عقول عدد ليس بالقليل من أبنائنا وبناتنا.

لأن الانحراف لا يسلِّم بالهزيمة من الجولة الأولى، وعادة ما يلملم جراحاته استعداداً لجولات أخرى مخطط لها لهدم بنى الصلاح والإصلاح، وأن نفسه طويل جداً، ويستغل أقرب الفرص لفرض هيمنته على الأمة، والاستبداد بمقدراتها سواءً كانت مادية أم معنوية.

وأن أفضل وسيلة لديه هي: التغلغل من ثغرة التفرّق والتشرذم، فالحذر الحذر من التفرق والفشل وذهاب الريح.

ملحق روائي عن البدعة


وما أحدثت بدعة إلاّ تُرك بها سنة، فاتقوا البدع والزموا المهيع، إن عوازم الأمور أفضلها، , وإن محدثاتها شرارها. (نهج البلاغة).

* شر الأمور محدثاتها، ألا وكل بدعة ظلالة، ألا وكل ضلالة ففي النار.(بحار الأنوار ج2)

* اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم (كنز العمال)

* ما هدم الدين مثل البدع. (بحار الأنوارج78)

* إياك أن تسن سنة بدعة فإن العبد إذا سنَّ سنة بدعة لحقه وزرها ووزر من عمل بها.

* إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عمن أحدث حدثاً أن آوى محدثاً ما هو؟ فقال: من ابتدع بدعة في الإسلام، أو مثل بغير حدّ، أو من انتهب نهبة يرفع المسلمون إليها، أبصارهم أو يدفع عن صاحب الحدث، أو ينصره أو يعينه. (بحار الأنوار ج2)

معنى البدعة:

أما أهل البدعة: فالمخالفون لأمر الله، ولكتابه، ورسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا. (كنز العمال)

من دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال (تحف العقول).

*المبتدع والعبادة:

* من عمل في بدعة خلاّه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء. (بحار الأنوار ج 72)
* أقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الشيطان إذا أحمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم، حبّبَ إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار. (بحار الأنوار ج77).

*عمَل المبتدع غير مقبول:

* إن الله تعالى لا يقبل لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً. (كنز العمال)

* عمل قليل في سنة، خير من عمل كثير في بدعة. (بحار الأنوار ج2)

* لا يقبل قولا إلاّ بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلاّ بإصابة السنة. (بحار الأنوارج2).

* توبة صاحب البدعة

* أبى اللهُ لصاحب البدعة بالتوبة. بحار الأنوارج72.

* كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا إنك طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها أفلا أدلك على شيء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟

قال بلى. قال تبتدع ديناً وتدعوا الناس إليه ففعل فاستجاب له الناس وأطاعوه وأصاب من الدنيا، ثم أنه فكّر فقال: ما صغت؟ ابتدعت دينا ودعوت الناس ما أرى لي توبة إلاّ آتي من دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول لهم: إن الذي دعوتكم إليه باطلٌ وإنما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت وهو الحق ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه، فلما رأى ذلك عمدَ إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، وقال: لا أحلها حتى يتوب الله عزوجل عليَّ.فأوحى الله عزوجل إلى نبي من الأنبياء قل لفلان: وعزتي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما أستجبت لك حتى ترد من مات إلى ما دعوته إليه فيرجع عنه. (علل الشرائع ج2)

* إذا ظهرت البدَع

إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله. (الوسائل ج11).

* إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فلينشره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد. (كنز العمال).

* عن يونس بن عبد الرحمن في حديث قال: روينا عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر (علمه فإن لم) يفعل سُلبَ نور الإيمان. (الوسائل ج11) المصدر: ميزان الحكمة للريشهري ج1

* حديث حُسَن السمت عن مولانا سيّد الساجدين عليه السلام عن الرضا عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليه السلام، إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته فرويداً لا يغرنكم فما أكثر ما يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه فينصب الدين فخاً له فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه، فإذا وجدتموه يعف عن الحرام فرويداً لا يغرنكم فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّماً، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر من ما يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أم يكون مع عقله وعلى هواه وكيف محبته للرياسات الباطلة وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة حتى ( إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالأثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) فهو يخبط خبط! عشواء يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمدّه ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحل ما حرّم الله تعالى ويحرّم ما أحلّ الله لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رياسته التي قد شقى من أجلها ( فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً) ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله تعالى وقواه مبذولة في رضا الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفذ، وإن كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال، فذلكم الرجل نعم الرجل فيه تمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم به فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة. (الاحتجاج للطبرسي قدس سره نقلاً عن تفسير العسكري عليه السلام).

تعقيب

كم كان بودّي التعليق على هذه الرواية الشريفة وشرح مفرداتها لولا المزاحمات وهي التي اختزلت موضوع البحث (معالم الانحراف) دراسة تحليلية لظاهرة الانحراف، الذي يبدأ فردياً ثم يمسي ظاهرة شبه عامة في فئات أو أحزاب أو منظمات أو جمعيات، تلقي بظلالها على الواقع لتحوِّله إلى واقع مرير يمثل الفساد والإفساد في آن واحد فإنها كذلك اختزلت موضوع الرجل الصالح في الزمان والمكان المناسبين لكي يمسي ظاهرة تمثل إرادة السماء في تحويل ظاهرة الانحراف السائدة إلى ظاهرة الصلاح والإصلاح والطهر والنقاء (إني جاعل في الأرض خليفة) ولكن أنّى لعقل وقلب بشري أن يحمل تلك الرسالة ويتحمل الصعوبات على طول الطريق، غير قلب وروح المعصوم عليه السلام. ولذلك فإن ردّة الفعل عند الإذن بالخروج وتقويم الانحراف ستكون عنيفة جدّاً جدّاً تذر الانحراف والمنحرفين قاعاً صفصفا كالريح العاصف أو القارعة التي تحل قريباً بأوكار مدن الانحراف العالمي وهم في غفلتهم سادرون. حقيقة تؤمن بها الأديان السماوية والأرضية على السواء في وجود منقد من التيه المادي والمعنوي، وتجمع جميعها على توفره على صفات وكمالات تفوق جميع البشر، يتصرف في العالم وأهله وفق إرادة الرب بغض النظر عن كنه وماهية ذلك الرب المختلف حوله.

لا تتملكه الأهواء فيحيف ويظلم، ورسالته الأصلية هي: تحقيق العدل والسلام على ربوع الأرض التي عانت وما زالت من زيادة لغة الانحراف بجميع أشكاله. إنها تحلم منذ أمد بعيد، ولكن مع آلاف الأسف هي من مهّدت أرضية الانحراف، وصنعته، ورضت أن تعيش في أجوائه. فدعها في أحلامها كلما اشتدت المحن وهالتها مشاهد القتل والتدمير والزلازل والفيضانات على شاشات التلفاز، ومناظر الوجوه الكالحة والهياكل العظيمة بسبب شهوة عربيد سافل هنا وهناك من أجل ماسة وردية، أو حقل نفط أو أصفر رنان يقدمه عقداً جميلاً في ليلة حمراء لغانية أو نجمة سينما إباحية. دعهم يجّرون آهات الأسف ودموع التماسيح تباكياً خادعاً إلى أن تتحقق في الزمن العاجل إنشاء الله تعالى صدق مقالة رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق في العالم إلاّ يوماً واحداً لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج القائم المهدي) عجل الله فرجه الشريف.

وحينها سيتحول الحلم إلى حقيقة، والانحراف إلى صلاح فمتى ترانا ونراك، وتكتحل نواظرنا بطلعتك البهية يا أبا صالح؟. كذب الوقاتون ... كذب الوقاتون ... كذب الوقاتون!!. الإمام الصادق عليه السلام.

خاتمة المهازل

أن يفرغ المبتدع المنحرف كل ما في جعبته من نتن بدعته، فليس ذلك بغريب، لأنه لم يبق ما يحاذر من التفوّه به أمام الله تعالى أو أمام إمامه عليه السلام ذلك لأنه متبرقع بالانحراف، وقد ملك عليه كل حياته، فراح يعربد في وادي ضلال عقله ويتأول النصوص المعصومية بحسب هواه فيصحح ما يخدم مصلحته بحسب زعمه ويطرح ما تواتر وأُجمع عليه، لأنه يكشف زيفه وادّعائه ولكن هل يمرّ الزيف والادعاء من دون محاسبة أو تقييم؟!

يدّعي المنحرف المبتدع بأن المنتظر (عج) لن يخرج بالسيف، بل بحوار الحضارات!؟ وهو من المبكيات المضحكات في آن واحد، وعش يريك الدهر عجباً. وحينما جُوبه بالروايات والتي تعرفها حتى العجائز من أمهات الفرقة المحقّة طعن في سندها وتعلل بتعلات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولخصّها بأن أجواء النصوص المذكورة هي في أزمان الفتنة والتقاتل على الملك والسلطان ليس إلاّ. أو هي روايات نستطيع أن نطلق عليها بروايات تطييب الخاطر من الأئمة عليهم السلام لشيعتهم. والعجب لا ينقضي من هذا المدّعي وهو يواصل مسلسل انحرافه على أتباعه. ومما يهِّون الخطب أنه حتى المخالف لا يسلِّم بأمثال هذه المهازل فضلاً عن الشيعي البسيط.

لكن الانحراف وما يصنع بصاحبه عندما تخلو حقيبته إنه يبتدع الفكرة تلو الفكرة لعل نفسه الغير مقتنعة في قرارتها أن تسِّلم حقاً في يوم من الأيام بواحدة منها. وحينما يبقى سجين الإكتئاب الفكري، ولا تابع جديد محتمل يصّدق بأصل البدعة أعني بها دعوى السفارة عن القائم المنتظر أرواحنا فداه. ولن نتعب أنفسنا في استقصاء الروايات لدحض حجته لوضوحها. ويكفي في بيان الأمر أن نشير إلى أن إمامنا أرواحنا فداه غير محتاج أصلاً وليس لديه الوقت لمناقشة موروث غربي كافر على طاولة مزخرفة إنه يعرض الإسلام من جديد ومن أبي فليس له إلاّ السيف.

ثم أنه كيف يجوز مقارنة دين سماوي بدعوة أرضية شيطانية تريد الهيمنة على العالم وفرض ثقافاتها الاستعمارية التوسعية عليه؟ وهل يقبل أصحاب الحضارات بأسس وأصول النقاش معه؟

ومن هو الذي سيضع القواسم المشتركة للنقاش؟! هم أو الإمام عجل الله فرجه الشريف؟!

إن خروجه عليه السلام يعني نسفها من الأساس. باعتباره المصلح العظيم، ولتتأمل معي في معنى كلمة المصلح ودلالاتها دع أصحابها يتحاورون كيف شاءوا. أما الإمام فلا تفرض أو تفترض عليه وهذه هي الطامة الكبرى أن يتجرأ المنحرف ويعلّم الإمام عليه السلام بتكليفه الشرعي المناط به إنه قبل أن يدخل في حوار مع أصحاب الحضارات إذا سلمنا جدلاً بترهاتك فإنه عليه السلام وقبل كل شيء إذا عاصرت زمن الظهور سوف يأخذ رأسك قبل رؤوسهم. لاشتراكك وإياهم في مادة الانحراف.

وآخر يدّعي بأنه يشم قرب الظهور للولي الأعظم (عج) كما يشم رائحة دخان قدوه الآن، وهو على المستوى العملي غير منتظر، وليس بغريب من ممثل قدير في اللعب على الذقون بأن يدعي: أن الإمام أرواحنا فداه يلتقي به في جبل الدخان أو أنه يهاتفه بالهاتف النقال!!

والأيام حبلى بالمفاجآت. عصمنا الله تعالى من ميزان أتون الفتن وصلى الله على سيدنا محمد وآله سرج الظلم وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.

والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الغرّ الميامين.

* للاطلاع على ما كتبه الوزير السابق: عبدالنبي الشعلة في صحيفة البلاد حول بداية وظروف نشوء بدعة السفارة في البحرين:

* أسماء المؤسسين لجمعية التجديد والسفارة
المؤسسون لجمعية التجديد والسفارة



المشاركات الشائعة من هذه المدونة