محتويات المقالةأسماء الإمام المهدي عليه السلام إسمه ونسبه المهدي عليه السلام في أحديث الرسول (ص) المهدي في أحاديث سائرالأئمة (ع) المهدي في السطور المهدي في القرآن الكريم الجديد فى ثورة المهدى(عج) الآيات المؤولة بالإمام المهدي (عج) مختصر من حياة إمام العصر والزمان الحجّة بن الحسن العسكري
أسماء الإمام المهدي عليه السلام للإمام المهدي عليه السلام أسماء متعددة وردت لمناسبات عديدة ، وهذا لسان العظماء ، حيث تتعدد أسماؤهم لتعدد صفاتهم وكثرة جوانب عظمتهم ، فمثلا : تجد تعدد الأسماء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم والإنجيل ، ومثل : محمد ، أحمد ، طه ، يس ، البشري ، النذير ، وفي الإنجيل : فارقليطا – باللغة السريانية - وبركلوطزس – باللغة اليونانية - . كما نجد تعدد الأسماء لبطل الإسلام الخالد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مثل : علي ، حيدر ، المرتضى ، و( إيليا ) باللغة السريانية .. وغيرها من الأسماء وكذلك بالنسبة إلى سيدة نساء العالمين عليها السلام مثل : فاطمة ، الزهراء ، البتول ، المباركة ، المحدثة ، الطاهرة ، الصديقة ، .. وغيرها . وبالنسبة إلى الإمام المهدي عليه السلام وردت أحاديث متعددة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم تعبر عنه بـ ( المهدي ) و ( الحجة ) و( القائم ) و المنتظر ) و ( الخلف الصالح ) و (صاحب الأمر ) و ( السيد ) و ( الإمام الثاني عشر ) وغيرها .. وتصرح بأنّ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد ، وكنيته : أبو القاسم . وفيما يلي نشير إلى بعض هذه الأسماء ، مع بعض الأحاديث الواردة فيها : 1- المهدي : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسم : إسم المهدي أسمي . وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : إسم المهدي : محمد [1] وسمي بالمهدي ، لأنّ الله تعالى يهديه ويرشده إلى الأمور الخفية التي لا يطلع عليها أحد ، وإليك الحديث التالي : قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : إذا قال مهدينا أهل البيت ، قسم بالسوية ، وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله ، وإنا سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي [2] . 2 – القائم :يسمي بالقائم ، لأنّه يقوم بأعظم قيام عرفه التاريخ البشري ، ويقوم بالحق الذي لا يشوبه باطل أبدا ، وهذا مما يمتاز به قيامه عليه السلام لأنّ التاريخ قد سجّل قيام بعض الأفراد بثورات ونهضات ، ولكن قيامهم ونهضتهم لم تكن على الصراط المستقيم ، إلاّ أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم بالحق .. لا غير ، وذلك الحديث التالي : عن أبي حمزة الثمالي قال : سألت الباقر ( صلوات الله عليه ) : يا بن رسول الله ألستم كلكم قائمين بالحق ؟ قال : بلي . قلت : فلم سمي القائم قائما ؟ قال : لمّا قتل جدّي الحسين عليه السلام ضجّت الملائكة إلى الله عزّ وجل بالبكاء والنحيب ..- إلى أن قال ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة ، فسرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلي ، فقال عزّ وجل : بذلك القائم أنتقم مههم . أي من قتلة الحسين عليه السلام [3] وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : سمي ( القائم ) لقيامه بالحق [4] 3- المنتظر : يسمي بالمنتظر ، لأنّ الناس كانوا ولا يزالزن ينتظرون ظهوره وخروجه ، لتطهير الكرة الأرضية من كل ظلم وجور ، وإليك الحديث التالي : سئل الإمام محمد الجواد عليه السلام : يا بن رسول الله ولم سمي : القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بإمامته . فقيل له : لم سمي : المنتظر ؟ قال : لأنّ له غيبة تكثر أيّمها ، ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون ، وينكره المرتابون ... إلى آخر الحديق [5] 4- صاحب الأمر : يسمي بصاحب الأمر ، لأنه أفمام الحق الذي فرض الله طاعته على العباد في قوله تعالى : ( أطيعة الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [6] حيث صرحت الأحاديث الصحيحة أنّ ( أولي الأمر ) هم أئمة أهل البيت عليهم السلام . 5- الحجّة :ويسمي بالحجّة ، لأنّه حجّة الله على العالمين ، وبه يحتج الله نتعالى على خلقه . أمّا بقية أسمائه وألقابه عليه السلام فهي واضحة ، لا يحتاج إلى الشرح والتفصيل .
[1] كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ، للمتقي الهندي الحنفي ، الباب الثالث ، حديث 8و9 [2] كتاب عقد الدرر الباب الثالث ص 40 [3] بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج51 ص 28-29 طبع طهران عام 1393هـ ، وعلل الشرائع للشيخ الصدوق . [4] بحار الأنوار ج51 ص 30 طبع طهران عام1363 هـ وألإرشاد للشيخ المفيد . [5] بحار الأنوار ج51 ص 30 طبع طهران عام1363 هـ ، وإكمال الدين للشيخ الصدوق . [6] سورة النساء الآية 59
إسمه ونسبه هو الإمام محمد المهدي المنتظر. أبن الإمام الحسن العسكري . إبن الإمام علي الهادي . إبن الإمام محمد الجواد . إبن الإمام علي الرضا . إبن الإمام موسى الكاظم إبن الإمام جعفر الصادق إبن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين . إبن الإمام الحسين الشهيد إبن الإمام علي بن أبي طالب . وإبن فاطمة الزهراء بنت رسول اله صلوات الله عليهم أجمعين . وما أجمل قول الرزدق حيث يقول : أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعنا يا جرير المجامع هذا نسبه الشريف الأرفع ، كما صرّحت بذلك أحاديث متواترة ، ستطلع عليها إن شاء الله تعالى . وأمّا أمّه فهي السيدة الجليلة السعيدة المعظمة المكرمة المسماة بـ ( نرجس ) أو صقيل أو ريحانة أو سوسن . وإختلاف أسمائها أو تعددها لا تقتضي تعدد المسمى أو الإختلاف في المسمى . فقد كانت للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أسماء عديدة لمناسبات أو أسباب . وقد ذكر شئيا منها في كتاب ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ) وسنذكر في المستقبل بعض ما يتعلق بالسيدة نرجس بالمناسبة إن شاء الله تبارك وتعالى . التحريف في بعض الأحاديث : إنّ كل من يراجع الأحاديث التي تتحدث عن نسب الإمام المهدي عليه السلام يجد – بكل وضوح – أن الإمام المهدي هو إبن الإمام الحسن العسكري عليه السلام بلا أي شك وريب . ولكنك تجد – في بعض كتب أهل السنة – حديثا إمتدت إليه يد التحريف والتزوير فأضافت إليه كلمة أجنبية ، محاولة لتشويه الحديث وصرفه عن الإمام المهدي عليه السلام وبذلك سقط هذه الحديث عن أصالته وقيمته الواقعية . هذا .. بالإضافة إلى أنّ الحديث – مع الزيادة الموجودة فيه – ضعيف من حيث السند ومن حيث المتن ، ولا إعتبار به عند المحققين والعلماء ن والعجيب أن بعض الشواذ تركوا مئات الأحاديث الصحيحة ، وتمسكوا بهذا الحديث السقيم ،تجاوبا مع ميولهم ونفوسهم المريضة ! . والحديث هو : عن أبي داود ، عن زائدة ، عن عاصم عن زر ، عن عبد اللع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم ، حتىيبعث الله رجلا منّي – أو : من أهل بيتي – يواطئ اسمه اسمي ( وإسم أبيه أبي ) يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا . هذا الحديث – مع الزيادة الموجودة فيه – يختلف عن بقية الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي عليه السلام من حيث السند ومن حيث المتن : أمّا السند : فالحديث يروي عن ( زائدة ) ، وقد ذكر علماء الدراية في علم الرجال – في ترجمة (زائدة ) - : أنه كان يزيد في الأحاديث . وأما المتن : فقد روي هذا الحديث عن ( زر ) بطرق عديدة زكثيرة وليس فيه : ( وأسم أبيه اسم أبي ) مما يدل على أنّه هه الزيادة جاءت من تصرفات الراوي الذي اسمه ( زائدة ) [1] ثم إن جميع الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول الإمام المهدي عليه السلام ليس فيها كلمة ( واسم أبيه اسم أبي ) وخاصة بعد إجماع لبمسلمين على أنّ الإمام المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام . إذن : فالحديث المروي عن ( زائدة ) ساقط عن الإعتبار ، مرفوض عند العلماء ، لمحالفة سائر الأحاديث الصحيحة ، ولأنّ ( زائد ) رجل متهم بالتلاعب بالأحاديث التي يرويها . أما سبب التلاعب بهذا الحديث فهو أنّ سماسرة الأحاديث كانوا يختلقون الأحاديث وينسبونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقربا إلى السلكان ، وطمعا في الأموال ، وتقوية للباطل . فإنّ اختلاف الأحاديث المزورة كان في بعض الأزمنة منهة وتجارة يعيش من ورائها الوضاعون الكذابون ، أمثال راوري هذا الحديث ، وهو ( زائدة ) . والسؤال الآن : ما هو الهدف من إضافة ( واسم أبيه اسم أبي ) في هذا الحديث؟ . الجواب : إحتمالان : الأول : أن يكون تأييدا لأحد الحكام العباسيين ، المسمي بـ ( محمد بن عبد الله المنصور ) والملقب بـ ( المهدي ) . الثاني : ـن يكون تأييدا لـ ( محمد بن عبد الله بن الحسن ) الملقب بـ ( النفس الزكية ) والذي ثار ضد العباسيين [2] - كما ذكره العلامة المعاصر الشيخ الصافي في كتابه منتخب الأثر - . ولبعض علمائنا ( رحمهم الله ) توجيهات في تصحيح الحديث ، وكلها تكلف ، ولا حاجة إليها . وخلاصة القول : إنّ حدث ( زائدة ) – الذ يتضمن كلمة ( واسم أبيه اسم أبي ) – غير صحيح عند علماء الحديث ، وضعيف في غاية الضعف وسقيم في منتهي السقم ، وتوجيهه الغلط غلط آخر .
[1] ذكر الحافظ الكنجي الشافعي في كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) ما لفظه : الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعها خالية من جملة ( واسم أبيه اسم أبي ) – ثم ذكر الحديث المروي عن زائدة وقال – بعد ذكر الحديث – ما نصه : قلت : وقد ذكر الترمذي الحديث ، ولم يذكر قوله ( واسم أبيه اسم أبي ) ... وفي معظم روايات الحافظ والثقاة من نقله الأخبار : ( أسمه إسمي ) فقط ... والوقل الفصل في ذلك : إنّ الإمام أحمد – بن حنبل – مع ضبطه وإتقانه ، روي الحديث في مسنده ، في عدّة مواضع : ( اسمه اسمي ) البيان في أخبار صاحب الزمان ص 93-94 طبع بيروت سنة 1399هـ . [2] لا يخفي أن هذا الشخص الملقب بالننفس الزكية ، غير الذي يخرج في آخر الزمان قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، بالرغم من تشابه اللقب .
المهدي عليه السلام في أحديث الرسول (ص)تواتر الحديث عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنّ اسمه اسم النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكنيته كنيته، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا. وهذه الأحاديث بكثرة لا يمكن حصرها، وبتواتر يقطع بصحتها، فلا يكاد يخلو منها كتاب في الحديث، أو معجم في التراجم والسير، ولو تصدينا لجمع ما أمكن منها لكانت موسوعة كبرى في الحديث، وتمشياً مع هذا المختصر سجلنا منها عشرين حديثاً من أحاديثه (صلّى الله عليه وآله) يختلف كل واحد عن الآخر لفظاً ومعنىً، أخذناها من عشرين كتاباً وقد حذفنا سند هذه الأحاديث مكتفين بذكر المصدر. وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على تواتر حديث المهدي (عليه السلام)، وأنّ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) كان يبشر الأمة الإسلامية بظهوره في كل نادٍ ومحفل، ومنتدى ومجمع، واليك الآن: 1ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتين يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً ، كما ملئت ظلماً وجورا. (الإرشاد للشيخ المفيد: 373) 2ـ أخرج أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عنه (صلّى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جورا. (إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: 134) 3ـ عن المعلى بن زياد عن العلاء قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً. فقال رجل: ما صحاحا؟ قال: بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب أمة محمد (صلّى الله عليه وآله) غنى، ويسعهم عدله، حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: أنا، فيقول: ائت السدان ـ يعني الخازن ـ فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً. فيقول له: أحث، حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً، أو عجز عني ما وسعهم. قال: فيرده فلا يقبل منه. فيقول: إنّا لا نأخذ شيئاً أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: لا خير في الحياة بعده. (البيان في أخبار صاحب الزمان: 85) 4ـ عن سلمان المحمدي قال: دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) والحسين على فخذه وهو يقبل عينيه، ويلثم فاه ويقول: إنّك سيد ابن سيد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمة، وإنّك حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم. (مقتل الحسين للخوارزمي 1/146) 5ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي. (تذكرة الخواص: 204) 6ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. (الملاحم والفتن لابن طاووس: 101) 7ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): المهدي من ولدك. (الحديث الرابع من أربعين الحافظ أبي نعيم. انظر كشف الغمة: 321) 8ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة. (إكمال الدين 1/256) 9ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم. (صحيح البخاري 2/178) 10ـ عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام): قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد (عليه السلام) حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي، ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإنّ الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون. 11ـ أخذ (صلى الله عليه وآله) بيد علي فقال: يخرج من صلب هذا فتىً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يُقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي. (الفتاوى الحديثة ص27، لأحمد شهاب الدين بن حجر الهيثمي) س12ـ عن ذر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي. (نور الأبصار للشبلنجي ص155) 13ـ عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي. (ذخائر العقبى للعلامة الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري ص15) 14ـ عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: الأئمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم. (كفاية الأثر) 15ـ عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة (رضي الله عنها): منا خير الأنبياء وهو أبوك، ومنا خير الأوصياء وهو بعلك، ومنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما ابناك، ومنا المهدي وهو من ولدك. (منتخب الأثر للطف الله الصافي ص191) 16ـ من حديث له (صلّى الله عليه وآله): من أحب أن يلقى الله عز وجل وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامه، فليتولّ ابنه صاحب الزمان المهدي. (أربعين الحافظ محمد بن أبي الفوارس. انظر إلزام الناصب 1/327) 17ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه ويتولّى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذو ودّي ومودتي. (الغيبة للشيخ الطوسي: 290) 18ـ عن أبي عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي طاووس أهل الجنة. (كتاب الفردوس لابن شيرويه باب الألف واللام) 19ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبه الله عليهم مدراراً، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات ممّا صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره. (المستدرك على الصحيحين 4/465) 20ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج رجل من عترتي يملك سبعاً أو تسعاً، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. (مسند أحمد 3/28)
المهدي في أحاديث سائر الأئمة (ع)سائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تبشيرهم بالإمام المهدي (عليه السلام) سيرة جدهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأبيهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد أكثروا الحديث عنه (عليه السلام) وبيان اسمه، ووصفه، وعلائم ظهوره، وأنصاره، ودولته، ومعاجم الحديث مملوءة بأحاديثهم، مستفيضة برواياتهم، ولو أردنا استقصاء ما ذكروه لاحتجنا إلى كتب كثيرة، ومجلدات ضخمة، وتمشياً مع هذا المختصر ذكرنا لكل إمام حديثاً واحداً، وللمطالع الكريم أن يرجع إلى المصادر التي أخذنا منها وغيرها للمزيد: 1ـ عن حنان بن سدير عن أبيه سدير بن حكيم عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي (عليهما السلام) معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام): ويحكم ما تدرون ما عملت؟ والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدَي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام) إذ خفي عليه وجه الحكمة منه، وكان ذلك عند الله حكمة وصواباً؟ أما علمتم أنّه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى ابن مريم خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة النساء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير. (بحار الأنوار 13/33) وقال (عليه السلام): لا يكون هذا الأمر الذي تنظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض... عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله. (أعيان الشيعة 4ق3/479) 2ـ قال الحسين (عليه السلام): منا اثنا عشر مهدياً: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام، ويثبت على الدين فيها آخرون فيُؤذَون، ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، أما أنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله). (أعيان الشيعة 4ق3/296) وقال (عليه السلام): في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنة من موسى بن عمران، وهو قائمنا يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة. (أعيان الشيعة، 4ق3/396) 3ـ عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليه السلام): يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو منها إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى، وينابيع العلم، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة، كأنّي بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله عز وجل. (أمالي الشيخ المفيد: 28) وقال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، هم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة. (زين العابدين للمقرم: 204 عن الوافي للفيض) 4ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) ذات يوم فلما تفرق من كان عنده قال لي: يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شك فيما أقول لقي الله به وهو كافر، وله جاحد. ثم قال: بأبي وأمي المسمى باسمي، المكنّى بكنيتي، السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ثم قال: يا أبا حمزة من أدركه فلم يسلم له ما سلم لمحمد وعلي فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين. (الغيبة للنعماني: 41) وقال (عليه السلام): القائم منصور بالرعب، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمر، وينزل روح الله عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه. (بحار الأنوار 13/155) 5ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي، اسمه محمد، وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان. (كشف الغمة: 324) 6ـ عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله عز وجل، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون. ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعته المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة. (إكمال الدين 2/20) 7ـ عن أبي الصلت (رضي الله عنه) قال: قال دعبل (رضي الله عنه): لما أنشدت مولاي الرضا هذه القصيدة وانتهيت إلى قولي: خروج إمام لا محالة قائم***يقـــوم على اسم الله والبركات يميز فينا كل حــق وباطل***ويجزي على النعماء والنقمات بكى الرضا (عليه السلام) ثم رفع رأسه وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذا البيت، أتدري من هذا الإمام الذي تقول؟ قلت: لا أدري إلا أنّي سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلاً. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعده علي ابنه، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه محمد الحجة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. (ينابيع المودة: 454، الفصول المهمة: 233، بحار الأنوار 13/41) 8ـ عن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد الحسن مولود فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد عليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً. (ينابيع المودة: 460)
المهدي في السطورمــن هــو الإمــام المهــدي ؟والــده (ع) الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم جميعاً صلوات اللـه - . أمّــه (ع) وصيفة تركية انحدرت من سلالة طيبة تتصل باوصياء عيسى ابن مريم (ع) واسمها نرجس أو (صيقل) وكانت قد أسلمت وهي في بلادها بسبب رؤيا شاهدتها ، وعندما زحفت طلائع الجيش الإسلامي على بلادها سلمت لهم ليأتي بها القدر إلى بيت الإمام الحسن العسكري (ع) وتصبح والدة حجة اللـه . ميــلاده (ع) في ليلة النصف من شعبان من عام ( 255 ) للهجرة وفي مدينة سامراء عاصمة الخلافة في عهد المعتصم العباسي وَلد الإمام الحجة (ع) . وكان لولادته شواهد دلت على ما قدّر اللـه لهذا المولود السعيد من أثر على حياة البشرية . دعنا نستمع إلى السيدة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد وعمة الإمام الحسن تقص علينا عن ولادة الحجة قالت : “ بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال : يا حكيمة أجعلي افطارك عندنا هذه الليلة - فانها ليلة النصف من شعبان فان اللـه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة - وهو حجته على أرضه . قالت فقلت له : ومن أمه ؟ قال لي : نرجس . قلت له : جعلت فداك واللـه ما بها من أثر . فقال : هو ما أقول لك . قالت : فجئت فلما سلمت وجلست جاءت - نرجس - تنزع خفي وقالت لي يا سيدتي ، وسيدة أهلي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيدتي وسيدة أهلي ، فأنكرت قولي - وقالت : ما هذا يا عمة ! ( قالت ) فقلـت لها : “ ان اللـه تعالى سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة “ . قالت : فخجلت واستحيت ، فلما ان فرغت من صلاة العشاء الآخرة - أفطرت وأخذت مضجعي فرقدتُ ، فلما ان كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادثة - ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهتُ فزعة وهي راقدة ، ثم قامتْ فصلت ، ونامت ، قالت حكيمة : فخرجتُ أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذئب السرحان وهي نائمة فدخلني الشك - فصاح بي أبو محمد (ع) من المجلس ، فقال لي : “ لا تعجلي يا عمة ! فهناك الأمر قد قرب “ ، قالت : فجلستُ وقرأتُ ألم السجدة ويس . فبينما أنا كذلك انتبهتْ فزعة فوثبت إليها فقلت اسم اللـه عليك ، ثم قلت لها أتحسين شيئـــاً ؟ قالت نعم يا عمة - فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك . فأخذتني فترة وأخذتّها فطـرة ، وانتبهت بحس سيدي فكشفت عنها ، فإذا أتي به (ع) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ، فضممته (ع) ، فإذا أنا به نظيف منظف فصاح بي أبو محمد (ع) هلمي إليّ ابني يا عمة جئت به إليه - فوضع يديه تحت أليته وظهره ووضع قدميه في صدره ثم أدلى لسانه في فيه - وأمرَّ يده على عينيه ومفاصله “. وبعدما ولد - أجرى له والده الإمام الحسن (ع) مراسيم الولادة بما يلي تفصيله . تصدق عنه - عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً - وعقَ عنه - بذبح ثلاثمائة شاة - بعثها حية من يومه إلى بني هاشم والشيعة . ثم بعث إلى الخاصة من أصحابه يخبرهم بولادته وانه الوصي من بعده ويأمرهم بكتمان ذلك عن كل أحد فقد أثر عن محمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح (ع) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي (ع) إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب وإذا فيه مكتوب بخط يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه : “ ولد المولود فليكن عندك مستوراً وعند جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والمولى لولايته . أحببنا اعلامك ليسرك اللـه كما سرَّنا والسلام “. وروي عن إبراهيم صاحب الإمام الحسن العسكري (ع) انه قال : وجّه إليّ مولاي أبو محمد بأربعة أكباش وكتب إلي : بسم اللـه الرحمن الرحيم “ هذه عن ابني محمد المهدي وكل هنيئاً واطعم من وجدت من شيعتنا “. كتمان أمر الإمام وهكــذا تمت ولادة الإمام الذي بقي محاطاً بستار كثيف من الكتمان بسبب الظروف السياسية المعاصــرة . ولم يبدِ الإمام العسكري (ع) امر نجله إلاّ لخواص أصحابه ، فقد جاء في الحديث المأثور عن كتاب الغيبة ، عن جماعة من أصحاب الإمام انهم قالوا : “ اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (ع) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه (ع) أربعون رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد بن العمر العمري فقال له : يابن رسول اللـه (ص) أريد ان أسألك عن أمر أنت أعلم به مني . فقال له : “ أجلسْ يا عثمان فقام مغضباً ليخرج ، فقال : لا يخرجن أحد ، فلم يخرج منا احد إلى ان كان بعد ساعة فصاح (ع) بعثمان ، فقام على قدميه فقال : أخبركم بما جئتم . قالوا : نعم يابن رسول اللـه (ص) قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (ع) فقال : هو إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم أطيعوه ، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم . ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فأقبلوا من عثمان ما يقول وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه “ . شاعره ابن الرومي . بوابه عثمان بن سعيد ثم ابنه محمد بن عثمان ثم الحسين بن روح ثم علي بن محمد السمري و هم السفراء و سيأتي تفصيل أحوالهم إن شاء الله تعالى. تحقق ولادة الإمام المهدي في أجواء سرّية مقصودة ومع ثبوت المفهوم المهدوي عند أهل البيت(عليهم السلام) يصبح واضحاً أن من أبرز مقتضيات هذا المفهوم أن تكون ولادة الإمام الثاني عشر مقرونة بالسرّية والكتمان حتى تتسنى له الغيبة بعد ذلك، والاختفاء عن الأنظار الى مكان آمن يختاره الله له الى حين يأذن له بالظهور، باعتباره الكوكب الأخير في سماء الإمامة، والإمام الذي لا إمام للمسلمين بعده، وهذا المعنى يستلزم حياة خفية وعمراً مديداً وولادة سرّية، حتى يبقى موقع الإمامة مشغولاً على مدى الدهر بإمام من الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) حي أوغائب. وحينئذ، فمن غير المناسب أن يقال: لماذا لم تكن ولادة الإمام، ووجوده بعد أبيه أمراً مشهوداً، ملموساً لكل من أراد حتى نصدق به؟ فإنه لو كان كذلك لما تيسرت له الغيبة والاختفاء عن الأنظار، ولما كان هو الإمام الثاني عشر، ولكان الأئمة أكثر من هذا العدد، وهذا ما يخالف الأدلّة النبوية المذكورة آنفاً، فالولادة السرّية من المستلزمات والمقتضيات الطبيعية لتلك الأدلة . وهذا ما يوضح أن الاثبات الخارجي لقضية، من نوع قضية ولادة الإمام المهدي ووجوده وحياته، لا يمكن الاكتفاء فيه بالبحث التاريخي، ما دمنا نؤمن منذ البداية أنها مقرونة بدرجة شديدة من السرّية والكتمان، بل هو إثبات عقائدي تاريخي تقوم فيه العقيدة بلعب دور أساسي، فيما يلعب البحث التاريخي فيها دوراً تكميلياً، لأننا نذعن منذ البدء بوجود المنكرين لها والمشككين فيها، مادامت القضية سرية مكتومة، والمطّلعون عليها عدد محدود من الناس، بنحو يسمح للآخرين حتّى وإن كانوا من الحلقات القريبة من الإمام، ومن خلصاء الشيعة بالانكار والتشكيك ماداموا محجوبين عن الحقيقة السرية المكتومة ، بحيث لو سألهم سائل عن ولادة الإمام المهدي ووجوده وحياته، لأنكروا ذلك، ولنقلوا عن سائر الناس أنهم أيضاً لم يروه ولم يسمعوا بخبر ولادته ووجوده. فنحن لا نتحدث عن قضية مادية محسوسة بكل أبعادها وجهاتها وتخضع لتسجيل تاريخي كامل حتى نعتمد في إثباتها وإنكارها على المؤرخين والرواة، وإنما نتحدث من حيث الأساس عن قضية غيبية ، سوى أنها ليست غيبية بنحو مطلق وإنما لها شعاع محسوس يطلع عليه أفراد منتخبون، يطلعون على ولادته فيشهدون عليها، وعلى غيبته الصغرى فيشهدون عليها، وعلى غيبته الكبرى فيشهدون عليها، ولهذا قلنا إن مفهوم أهل البيت(عليهم السلام)عن المهدوية مفهوم عقائدي. بمعنى أن إنكار المنكرين لا يكون في مثل قضية الإمام المهدي(عليه السلام) حجة تاريخية منطقية لإثبات عدم وجوده، ما دمنا قد أذعنا منذ البداية أن القضية سرية مكتومة، ومن الضروري الاكتفاء من ناحية البحث التأريخي باثبات وجود من رآه واطلع عليه وسمع بوجوده وأذعن له، دون الالتفات الى إنكار المنكرين الذي يعتبر ظاهرة طبيعية بالنسبة الى قضية سرية مكتومة. من هو المهدي عليه السلامهو أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري الحجّة، الخلف الصالح، ولد (ع) بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وله من العمر عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله الحكم صبيّا كما حدث ليحيى، حيث قال سبحانه: {يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وآتَيناهُ الحُكمَ صَبيّا}( مريم / 12)، وجعله إماماً وهو طفل، كما جعل المسيح نبيّاً وهو رضيع قال سبحانه عن لسانه وهو يخاطب قومه: {إنّي عَبدُ اللهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبيّا}( مريم / 30). الإمام المهدي في القرآناتّفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم، والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء كلمة الحق، وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون، فهو بإذن الله ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير الله، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة، ويبطل القوانين الكافرة التي سنّتها الأهواء، ويقطع أواصر التعصّبات القومية والعنصرية، ويمحو أسباب العداء والبغضاء التي صارت سبباً لاختلاف الأُمّة وافتراق الكلمة، ويحقّق الله سبحانه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله: - {وعَدَ اللهُ الَّذينَ آمنُوا مِنكُم وَعمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأرضِ كما استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَليُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَّنُهم مِن بَعدِ خَوفِهم أمناً يَعبُدُونَنِي لا يُشركُونَ بي شَيئاً وَمَن كَفَرَ بَعَد ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ}( النور / 55). 2 - { وَنُرِيدُ ن نَمُنَّ عَلىَ الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارثِينَ}( القصص / 5). 3 - {وَلَقَد كَتَبنا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُها عِباديَ الصّالِحُونَ}( الأنبياء / 105). الإمام المهدي من طريق أهل السنة وتشهد الأمّة بعد ظهوره (ع) عصراً ذهبياً لا يبقى فيه على الأرض بيت إلاّ ودخلته كلمة الإسلام، ولا تبقى قرية إلاّ وينادى فيها بشهادة «لا إله ألاّ الله» بكرة وعشيا.
أقول: لقد تواترت النصوص الصحيحة والأخبار المروية من طريق أهل السنّة والشيعة المؤكّدة على إمامة أهل البيت – عليهم السلام -، والمشيرة صراحة إلى أنّ عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل، وأنّ آخر هؤلاء الأئمة هو الذي يملأ الأرض - في عهده - عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنّ أحاديث الإمام الثاني عشر الموسوم بالمهدي المنتظر قد رواها جملة من محدثي السنَّة في صحاحهم المختلفة كأمثال الترمذي (المتوفّى عام 297 هجري)، وأبي داود (المتوفى عام 275 هجري)، وابن ماجة (المتوفّى عام 275 هجري) وغيرهم، حيث أسندوا رواياتهم هذه إلى جملة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته، أمثال علي بن أبي طالب (ع)، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأمّ سلمة زوجة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وغيرهم .
1- روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً»( مسند أحمد 1 / 99، 3 / 17 - 70). 2 - أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»( جامع الأصول 11 / 48 برقم 7810). 3 - أخرج أبو داود عن أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « المهدي من عترتي من ولد فاطمة»( جامع الأصول 11 / 48 برقم 7812) 4 - أخرج الترمذي عن ابن مسعود: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»( المصدر نفسه برقم 7810). إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي بلغت أعلى مراتب التواتر على وجه. يقول الدكتور عبد الباقي: إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو راو أو راويين، إنّها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح( الدكتور عبد الباقي: بين يدي الساعة 123). الاختلاف بين الشيعة والسنةهذا هو المهدي الذي اتّفق المحدّثون والمتكلّمون عليه، وإنّما الاختلاف بين الشيعة والسنّة في ولادته، فالشيعة ذهبت إلى أنّ المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر الذي ولد بسامراء عام 255 هجري واختفى بعد وفاة أبيه عام 260 هجري، وقد تضافرت عليه النصوص من آبائه، على وجه ما ترك شكّاً ولا شبهة (اقرأ هذه النصوص في كتاب «كمال الدين» للشيخ الصدوق 306 - 381 هجري ترى فيه النصوص المتضافرة على أنّ المهدي الموعود هو ولد الإمام أبي محمّد الحسن العسكري وأنّ له غَيبة) ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنّة، وقالوا بأنّه ولد وأنّه محمّد بن الحسن العسكري. نعم كثير منهم قالوا: بأنّه سيولد في آخر الزمان، وبما أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، فمن رجع إلى روايات أئمّة أهل البيت في كتبهم يظهر له الحق، وأنّ المولود للإمام العسكري هو المهدي الموعود. ممن وافق الشيعة من السنةومّمن وافق من علماء أهل السنّة بأنّ وليد بيت الحسن العسكري هو المهدي الموعود:
1 - كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي الشافعي في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول». وقد أثنى عليه من ترجم له مثل اليافعي في «مرآة الجنان» في حوادث سنة 650 هجري.
قال - بعد سرد اسمه ونسبه -: « المهدي الحجّة، الخلف الصالح المنتظر، فأمّا مولده فبسر من رأى ، وأمّا نسبه أباً فأبوه الحسن الخالص» ثمّ أورد عدّة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود، والترمذي ومسلم، والبخاري وغيرهم ، ثمّ ذكر بعض الاعتراضات بالنسبة إلى أحواله (ع) من حيث الغيبة وطول العمر وغير ذلك، وأجاب عنها جميعاً، ثمّ قال رادّاً على تأويل البعض لهذِه الروايات بأنّها لا تدلّ على أنّه محمّد بن الحسن العسكري قائلاً: بأنّ الرسول لما وصفه وذكر اسمه ونسبه وجدنا تلك الصفات والعلامات موجودة في محمّد بن الحسن العسكري علمنا إنّه هو المهدي. 2 - أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في كتابيه :« البيان في أخبار صاحب الزمان» و«كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب». 3 - نور الدين علي بن محمّد الصباغ المالكي في كتابه: «الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة». 4 - الفقيه الواعظ شمس الدين المعروف بسبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص». إلى غير ذلك من علماء وحفاظ ذكر أسماءهم وكلماتهم السيد الأمين في أعيان الشيعة وأنهاها إلى ثلاثة عشر، ثمّ قال: والقائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنّة كثيرون، وفيما ذكرناه منهم كفاية، ومن أراد الاستقصاء فليرجع إلى كتابنا «البرهان على وجود صاحب الزمان» ورسالة « كشف الأستار» للشيخ حسين النوري( أعيان الشيعة 2 / 64 - 75). وقد كان الاعتقاد بظهور المهدي في عصر الأئمّة الهداة أمراً مسلّماً، حتى أنّ دعبل الخزاعي ذكره في قصيدته التي أنشدها لعلي بن موسى الرضا (ع) فقال: خروج إمام لا محالة قائم *** يقوم على اسم الله والبركات يميز فينا كل حق وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات ولمّا وصل دعبل إلى هذين البيتين بكى الرضا (ع) بكاءً شديداً ثمّ رفع رأسه، فقال له: « يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم»؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً. فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني (الجواد) وبعد محمّد ابنه علي (الهادي)، وبعد علي ابنه الحسن (العسكري)، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وأمّا متى؟ فإخبار عن الوقت، فقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي (ع): إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ هو، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة( الصدوق: كمال الدين وتمام النعمة 2 / 372).
المهدي في القرآن الكريمالقرآن الكريم، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فيه تبيان كل شيء، لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ما فرطنا في الكتاب من شيء، وهو آخر الكتب السماوية، كما أن الإسلام آخر الأديان. أترى القرآن يسكت عن هذا الحادث الجلل الذي يعتبر تبدلاً عظيماً في الحياة؟! القرآن الذي أخبر عنه غلبة الروم على الفرس، وعن قيام دولة اليهود بالتعاون مع الدول الكبرى. القرآن الذي أخبر عن يأجوج ومأجوج ومصيرهما في المستقبل. القرآن الذي أخبر عن إمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). أترى القرآن لا يخبر عن ظهور الإمام المهدي واستيلائه على الحكم؟ كلا، إن القرآن الحكيم أخبر عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقيام حكومته في مواضع عديدة وآيات متعددة. وهذه الآيات مؤولة بالإمام المهدي وظهوه كما صرح بذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أنزل القرآن في بيوتهم، وأهل البيت أدرى بما في البيت. وإليك بعض تلك الآيات: الآية الأولى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون). ونهج البلاغة ج3 قال علي (عليه السلام): لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا (عليه السلام) ـ عقيب ذلك ـ قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). قال ابن أبي الحديد في شرحه: إن أصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك. أقول: هذا الحديث مروي بطرق عديدة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعل الحديث يحتاج إلى شيء من الشرح،: (لتعطفن) يُقال: عطفت الناقة على ولدها أي حنت عليه ودر لبنها، (شماسها) يُقال: شمس الفرس يشمس: أي استعصى على راكبه ومنع ظهره من الركوب، (الضروس): الناقة السيئة الخلق، تعض حالبها. ومعنى كلامه (عليه السلام): إن الدنيا تقبل على أهل البيت (عليهم السلام) بعد الجفاء الطويل والمكاره الكثيرة، والمقصود: قيام حكومته أهل البيت وانتصاراتهم على أعدائهم، وتذلل جميع الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريق نهضتهم المقدسة، وتسهل لهم الدنيا لهم صعوبتها، وتحلو بعد مرارتها، وتخضع بعد تمردها، وتنقاد بعد عصيانها. وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: المستضعفون في الأرض، المذكورن في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم. لقد سبقت هذه الآية الشريفة آية تتحدث عن فرعون وجرائمه- فقال عز وجل: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض). فالمعنى الظاهري هو أن الله يعيد لبني اسرائيل عزهم وكرامتهم ويهلك فرعون وزيره هامان وجنودهما. ولكن تأويل الآية ـ أي معناها الخفي غير المعنى الواضح الجلي ـ هو أن المقصود من المستضعفين في هذه الآية: هو آل محمد (عليهم السلام) فقد استضعفهم الناس وظلموهم وقتلوهم وشردوهم وصنعوا بهم ما صنعوا، وقد قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنتم المستضعفون بعدي)، وهذا ماحدث فعلا فإن آل محمد (عليهم السلام) استضعفهم الناس من يوم فارق رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الحياة، ولو راجعت كتاب (مقاتل الطالبيين) وغيره من الكتب لوجدت –هناك- أنواع المصائب والمآسي والنوائب التي انصبت على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن أصحاب السلطة والقدرة استضعفوا هذه الذرية الطاهرة فصنعوا بهم ما شاءت نفوسهم الممتلئة بالحقد والجبروت، حتى وصل الأمر إلى أن الناس كانوا يهدون رؤوس آل محمد إلى الحكام تقربناً إليهم وتفريحاً لقلوبهم، كما فعل ذلك جعفر البرمكي وغيره، وأي استضعاف أشد من هذا؟!. ولكن الله تعالى قد تعلقت إرادته أن يتفضل على هذه الذرية الطاهرة المظلومة –عبر التاريخ- وعلى أتباعهم وشيعتهم المضطهدين الذين كانوا ولا يزالون يعيشون تحت الضغط والكبت والذل والهوان، المحرومين من أبسط حقوق البشر، الذين سلبتهم السلطات كل حرية وكل كرامة، أن يتفضل عليهم بحكومة تشمل الكرة الأرضية ومن عليها وما عليها. حكومة حدودها القطبان المنجمدان الشمالي والجنوبي، وجميع المحيطات المترامية الأطراف، وهي الحكومة الوحيدة التي تحكم الأرض ومن عليها، بلا مزاحم أو منافس، وتكون لهم السلطة التامة والقدرة الكاملة. عن هذه الآية يمكن أن نقول: من الممكن أن يستفاد هذا التأويل من نفس ظاهر الآية، ومن قوله تعالى: (ونريد أن نمن) بلفظ المستقبل، لأن نزول الآية كان بعد آلاف السنين من عصر موسى (عليه السلام) وفرعون، وكان من الممكن أن يقول سبحانه: وأردنا أن نمن. أو: مننا على الذي استضعفوا. كما قال في مكان آخر، بل في أمكنة أخرى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً). (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم). (ولقد مننا عليك مرة أخرى). (ولقد مننا على موسى وهارون). ذكر الله تعالى هذه الآيات بلفظ الماضي، وهنا ذكرها بلفظ المستقبل فقال: ونريد أن نمن. وهكذا قوله تعالى: (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) فإنه تعالى لم يقل: وأرينا فرعون وهامان. وهكذا قوله سبحانه: (نريد) و(نجعلهم) و(نجعلهم) أيضاً، و(نمكن) و (نري) حيث جاءت جميع هذه الألفاظ الستة بصيغة المستقبل لا الماضي. ولعل قائلاً يقول: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا قد هلكوا قبل نزول الآية بآلاف السنين، فكيف يمكن تأويل الآية إلى المستقبل؟ الجواب: لقد صار اسم (فرعون) رمزاً لكل سلطان متجبر جائرٍ يتجاوز في ظلمه، فلكل عصر فرعون، ولكل أمة فراعنة. وقد روي عن الإمام محمد الباقر جعفر الصادق (عليهما السلام) –في تأويل هذه الآية- أن المراد من: (فرعون وهامان) –في هذه الآية- هما رجلان من جبابرة قريش، يحييهما الله تعالى عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)- في آخر الزمان –فينتقم منهما بما أسلفا. (وجنودهما) أتباع الرجلين، الذين تعاونوا معهما، وساروا على خطهما، وأحيوا ذكرهما. الآية الثانية: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون). هذه الآية من جملة الآيات المؤولة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومعنى الآية –على الظاهر-: أن الله تعالى وعد المؤمنين من هذه الأمة، الصالحين بأن يجعلهم يخلفون من قبلهم، أي يجعلهم مكان من كان قبلهم في الأرض، ومن الطبيعي أن البشر لا يعيش إلا في الأرض أي في الكرة الأرضية براً وبحراً، أي يورثهم الله أرض الكفار من العرب والعجم، ويجعلهم الله تعالى يتصرفون في الأرض ويحكمون فيها كما استخلف الله تعالى بعض أوليائه من قبل، وأعطاهم السلطة والإمكانيات والقدرة في تطبيق دين الله الذي ارتضاه لهم، وتتبدل حالة خوفهم إلى حالة الأمن والأمان، لا يخافون أحداً إلا الله، ولا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة والسلطة، يعبدون الله تعالى بلا خوف ولا تقية من أحد، ويتجاهرون بالحق بكل وضوح. وخلاصة البحث: أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بمجتمع طاهر من كل رجس، وحياة طيبة مقدسة فاضلة، هذا هو المعنى الظاهري للآية الكريمة. إن هذا الوعد الإلهي –المؤكد بلام القسم ثلاث مرات؟ وبنون التأكيد ثلاث مرات أيضاً- لم يتحقق إلى يومنا هذا، ومتى كان المؤمنون الصالحون يتمكنون من الحكم على الناس وتطبيق الإسلام بكل حرية، وبلا خوف من أحد؟!. ومن هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعدهم الله تعالى بهذا الوعد العظيم؟!. ولو راجعت تاريخ الإسلام والمسلمين منذ طلوع فجر الإسلام إلى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أن وعد الله تعالى لم يتحقق خلال ألف وأربعمائة سنة. إنني لا أظن أن مسلماً منصفاً يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأمويون، أو العباسيون، لأن التاريخ المتفق عليه بين المسلمين –بل وغير المسلمين- يشهد بأن الأمويين والعباسيين ارتكبوا أعظم الجرائم، وأراقوا دماء أولياء الله، وهتكوا حرمات الله، وكانت قصورهم مليئة بأنواع الفجور والمنكرات. وبعد هذا... متى تمكن دين الله ـ الذي ارتضاه لعباده ـ في الأرض؟ حتى يتحقق قوله تعالى: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم). إن الدين الإسلامي كان ولا يزال مهجوراً ضعيفاً يحاربه كل من يستطيع محاربته، إذهب إلى بلاد الصين أو الإتحاد السوفيتي أو بعض البلاد الإفريقية والأوربية حتى تعرف الخوف المستولي على البقية الباقية من المسلمين، والاضطهاد الذي شملهم من جميع جوانب حياتهم، وفي بعض البلاد اللادينية يتعبر اقتناء القرآن أعظم جريمة يستحق الإنسان عليها أعظم العقوبات وأشد أنواع التعذيب، ولا تسأل عن عشرات الملايين من المسلمين الذي قتلوا لأنهم مسلمون وهذا ذنبهم الوحيد، ففي بلاد الصين والإتحاد السوفياتي، ويوغوسلافيا أُقيمت المذابح والمجازر الرهيبة وسالت دماء المسلمين، وحتى اليوم يعاني المسلمون في الفيليبين أنواع الضغط والكبت والحرمان، وفي فيتنام لا يعلم أحد إلا الله عدد المسلمين الذين قتلهم الشيوعيون، ولا تسأل عن عشرات الآلاف من المساجد التي انقلبت إلى اصطبلات ومخازن ومسارح وكنائس، فمتى تحقق وعدُ الله؟!. من الممكن أن يقول القائل: بأن الإسلام تمكن في الجزيرة العربية وبلاد الشرق الأوسط من البلاد وخاصة في عهد الفتوحات الإسلامية. نجيب على هذا السؤال بما يلي: نحن لا ننكر ذلك، فالإسلام كان يحكم على المدينة المنورة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذن فما معنى هذا الوعد الألهي الذي يقول: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) إلى آخر الآية؟. إن معنى هذا الوعد أن الإسلام يحكم على الأرض أي على الكرة الأرضية، والمسلمون يقيمون الطقوس والشعائر الدينية بلا خوف ولا تقية، وأن جميع المناطق المعمورة والمسكونة يسودها الإسلام فقط ولا غيره، وهذا لم يتحقق إلى هذا اليوم. إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا في تأويل هذه الآية الكريمة أن الوعد الإلهي يتحقق عند ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والأحاديث تصرح بأن هذه الآية ستنطبق على عصر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإليك بعض تلك الأحاديث: في تفسير مجمع البيان للطبرسي وتفسير العياشي وغيرهما عن الإمام علي ابن الحسن (عليه السلام) أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجوراً. وروي نفس هذه الكلام عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام). ثم قال الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات: النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وتضمنت الآية البشارة لهم بالإستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وأضاف قائلاً: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، وأيضاً فإن التمكن في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر، لأن الله (عز اسمه) لا يخلف وعده. الآية الثالثة: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). إن كان المفسرون قد اختلفوا في معنى الزبور، ومعنى الذكر في هذه الآية، فليس الإختلاف جوهرياً، سواء كان المقصود من الزبور –هنا- هو الكتاب السماوي المنزل على النبي الله داود (عليه السلام)، أو كان المقصود من الزبور هو جنس ما أنزل الله على الأنبياء من الكتب، وسواءاً كان المقصود من الذكر في هذه الآية التوراة أو القرآن أو اللوح المحفوظ، -فالمعنى على حد قول المفسرين-: ولقد كتبنا في الكتاب التي أنزلناها على الأنبياء أو في الزبور نزل على داود (عليه السلام) من بعد كتابه في الذكر –أي في أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ أو التوراة أو القرآن-: أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. وقد روى الطبرسي وغيره في تفسير الآية عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه قال: هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان. إن الموضوع الذي كتبه الله تعالى في الزبور –بجميع معانيه- وفي الذكر ينبغي أن يكون موضوعاً له غاية الأهمية، وخاصة بعد الإنتباه إلى كلمة (لقد) و (أن) المستعملة للتحقيق والتأكيد، فإن كان المفسرون ذكروا أن المقصود من (الأرض) في هذه الآية أرض الجنة ليكون المعنى: أن عباد الله الصالحين يرثون أرض الجنة، أو المقصود هي الأرض ترثها الأمة الإسلامية بالفتوحات فهذا معنى التنزيل. وأما التأويل –وقد ذكرنا معناه- فيكون المعنى أن عباد الله الصالحين يحكمون الأرض كلها، وقد روى الشيخ الطوسي (عليه الرحمة) في التبيان في تفسير الآية عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض. وهذه الآية تشبه الآية السابقة من حيث المعنى، حيث يقول تعالى: (ليستخلفنهم في الأرض) وما أجمل التعبير بالإرث والإستخلاف في هاتين الآيتين، فالإرث انتقال المال من الميت إلى الحي، والإستخلاف جعل هذا مكان ذاك عوضاً منه وبدلاً عنه. الآية الرابعة: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). لقد تكررت هذه الآية في القرآن ثلاث مرات، مما يدل على أهمية الموضوع. ولقد تكرر منا الكلام حول التنزيل والتأويل، وهذه الآية أيضاً لها تنزيل وتأويل، فالتفسير أو التنزيل للآية: أن الله تعالى أرسل رسوله محمداً (بالهدى) من التوحيد وإخلاص العبادة، (دين الحق) وهو دين الإسلام (ليظهره) الظهور –هنا-: العلو بالغلبة بكل وضوح، قال تعالى: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا إلا ولا ذمة) أي يغلبوكم ويظفروا بكم. فمعنى: (ليظهره على الدين كله) أي يعلو ويغلب دين الحق على جميع الأديان، فإن كان هذا الكلام قد تحقق وكانت الإرادة الإلهية قد تنجزت فالمعنى أن الله تعالى قد أدحض وزيف جميع الأديان الباطلة والملل والشرائع المنحرفة، زيفها بالقرآن وبالإسلام، وبعبارة أوضح إن الإسلام قد أبطل ونسخ جميع الأديان، ورد على كل مُلحد أو زنديق وعلى كل من يعبد شيئاً غير الله. أما إذا أردنا أن نتحدث عن الآية عددهم أقل من ربع سكان الأرض، فإن هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد، فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكان الأرض، والبلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية، والأديان الباطلة تنبض بالحياة والنشاط، وتتمتع بالحرية، بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، إذا فأين غلبة الحق على الباطل، وأين قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وفي أي تحقق هذا المعنى؟. إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا في تأويل الآية أنها تتعلق بعصر الإمام المهدي (عليه السلام) وظهوره. وأما الأحاديث الواردة في تأويل الآية فإليك بعضها: في كتاب مجمع البيان –في تفسير الآية- عن عبابة أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) أظهر ذلك بعد؟ قالوا: نعم. قال (عليه السلام): كلا، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرة وعشياً. وفي تفسير البرهان: فلا، والذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا ونودي فيها: بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكرة وعشياً. وفي تفسير البرهان ـ أيضاً ـ عن ابن عباس في قوله (عز وجل): (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار إلا الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتى لا تقرض فارة جرباً وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام). وفي تفسير البرهان عن كتاب الكافي عن أبي الفضيل عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قلت: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؟ قال (عليه السلام): هو أمر الله رسوله بالولاية والوصية، والولاية: هي دين الحق. قلت: ليظهره على الدين كله)؟ قال(عليه السلام): يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (عليه السلام). وروى القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة) والمجلسي (رضوان الله عليه) في كتابه (بحار الأنوار) عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية حديثاً، أما ما ذكره القندوزي فهو كما يلي: قال (عليه السلام): والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي (عليه السلام) فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه، ولا يبقى كافر إلا قُتل.. إلى آخر الحديث. وأما ما ذكره المجلسي: فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى في كتابه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فقال (عليه السلام): والله ما أُنزل تأويلها بعدُ. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله فإذا خرج لم يبق مشرك.. إلى آخر الحديث. إن الآيات المأولة بالإمام المهدي –حسب ما ورد في الأحاديث- كثيرة جداً وقد جمع بعضها العلامة المعاصر السيد صادق الشيرازي في كتاب سماه: (المهدي في القرآن) فإنه ذكر (106) من الآيات المأولة بالإمام المهدي (عليه السلام) وقد نقلها عن مصادر أهل السنة فقط، ولو أردنا استعراض تلك الآيات والأحاديث الواردة في تأويلها لطال بنا الكلام، وفي هذا المقدار كفاية إن شاء الله.
الجديد فى ثورة المهدى(عج)الکاتب : تحسين بدري ان موضوع البحث ناظر الى روايات تسع جاءت فى ثورة الامام المنتظر(عج) تحكى عن اتيانه بسنة و كتاب و قضاء و سلطان و امر جديد. و ما نتوخاه هنا هو دراسة هذه الروايات للخروج بنتيجة توضح لنا معلما آخر من ثورة الامام المهدى(عج) المستقبلية و هو معلم الشريعة المهدوية المقرر اتيان المهدى بها. والروايات هى كالتالى:الرواية الاولى:ابن عقدة عن احمد بن يوسف عن ابن مهران عن ابن البطائنى عن ابيه و وهيب بن حفص عن ابى بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) انه قال: قال لى ابى (عليه السلام) : لابد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شى و اذا كان ذلك فكونوا احلاس بيوتكم و البدوا ما البدنا فاذا تحرك متحركنا فاسعوا اليه ولو حبوا والله كأنّى انظر اليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد. و قال: ويل... (1) الرواية الثانية:ابن عقدة عن احمد بن يوسف عن ابن مهران عن ابن البطائنى عن ابيه و وهيب عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه السلام) انه قال: اذا رايتم نارا من المشرق شبه الهروى العظيم
1 . غيبة النعمانى; ص 194 باب 11 ح 1.والبحار ج 52، ص 135، رواية 40 باب 22 عن غيبة النعمانى . تطلع ثلاثة ايام او سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (عليه السلام) ان شاء الله عزوجل... و قال (عليه السلام) : يقوم بامر جديد و سنة جديدة وقضاء جديد... (1) الرواية الثالثة:ابن عقدة عن احمد بن يوسف عن اسماعيل بن مهران عن ابن البطائنى و وهيب عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: يقوم القائم (عليه السلام) فى و تر من السنين تسع واحدة ثلاث خمس و قال: ...حتى ينادى مناد من السماء فاذا نادى فالنفر النفر فوالله لكأنّى انظر اليه بين الركن والمقام يبايع الناس بامر جديد وكتاب جديد و سلطان جديد و من السماء اما انه لا يرد له راية ابدا حتى يموت. (2) الرواية الرابعة:ابن عقدة عن احمد بن يوسف عن اسماعيل بن مهران عن ابى البطائنى عن ابيه و وهيب عن ابى بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) انه قال: اذا صعد العباسى اعواد منبر مروان ادرج ملك بنى العباس و قال (عليه السلام) : قال لى ابى يعنى الباقر (عليه السلام) : لابد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شى فاذا كان ذلك فكونوا....لكأنّى انظر اليه بين الركن و المقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد... (3) الرواية الخامسة:روى ابو خديجة عن ابى عبدالله (عليه السلام) : قال: اذاقام القائم (عليه السلام) جاء بامر جديد كما دعى رسول الله فى بدو الاسلام الى امر جديد. (4)
1ـ غيبه النعمانى ص 253 باب 14 ج 13 والبحار ج 52 ص 230 رواية 96 باب 25 عن غيبه النعمانى. 2 . غيبة النعمانى: ص 262 باب 14 ج 22 و البحار، ج 52، ص 235، رواية 103، باب 25 عن غيبة النعمانى. 3 . غيبة النعمانى; ص 263 باب 14 ح 24، و البحار، ج 52، ص 293، رواية 42، باب 26 عن غيبة النعمانى. 4 . ارشاد الشيخ المفيد، ص 364، ط منشورات بصيرتى. و البحار، ج 52، ص 338، رواية 82، باب 27 عن ارشاد المفيد . الرواية السادسة:احمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن زكريا عن يوسف بن كليب عن ابن البطائنى عن ابن حميد عن الثمالى قال سمعت ابا جعفر محمد بن على يقول لو قد خرج قائم آل محمد (عليه السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين و المردفين و المنزلين و الكروبيين....ثم قال: يقوم بامرجديد و سنة جديدة و قضاء جديد على العرب شديد.... (1) الرواية السابعةعن البزنطى عن عاصم بن حميد الحناط عن ابى بصير قال: قال ابو جعفر (عليه السلام) : يقوم القائم بامر جديد و كتاب جديد و قضا جديد على العرب شديد.... (2) الرواية الثامنة:على بن احمد عن عبيدالله بن موسى عمن رواه عن جعفر ابن يحيى عن ابيه عن ابى عبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) انه قال: كيف انتم لو ضرب اصحاب القائم (عليه السلام) الفساطيط فى مسجد الكوفان ثم يخرج اليهم المثال المستانف امر جديد على العرب شديد. (3) الرواية التاسعة:ابن عقدة عن على بن الحسن التيملى عن محمد و احمد ابنى الحسن عن ابيهما عن ثعلبة و عن جميع الكناسى عن ابى بصير عن كامل عن ابى جعفر (عليه السلام) انه قال: ان قائمنا اذا قام دعا الناس الى امر جديد كما دعا اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ان الاسلام بدا غريباً و سيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء. (4)
1ـ غيبة النعمانى، ص 234 باب 13 ح 22 . والبحار، ج 52، ص 348، رواية 99، باب 27 عن غيبة النعمانى. 2ـ غيبة النعمانى، ص 233، باب 13، ح 19 و البحار، ج 52، ص 354، رواية 114، باب 27 عن غيبة النعمانى. >3ـ غيبة النعمانى، ص 319، باب 21، ح 6 ; و البحار، ج 52 ، ص 365، رواية 142، باب 27 عن غيبة النعمانى. 4 . غيبة النعمانى، ص 320، باب 22، ح 1 ; و البحار، ج 52، ص 366، راية 147، باب 27 عن يبة النعمانى. التجديد عند اهل السنةماسبق كان بالنسبة للروايات التى وردت عن طريق الشيعة فى هذا المجال، اما الروايات التى تناولت هذا الموضوع عن طريق اهل السنة فهى الرواية المعروفة عندهم و هى: ان الله تعالى يبعث لهذه الامة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. (1) فيعدون المهدى (عليه السلام) من المجد دين بل آخر و أعظم مجدد ستشهده الحضارة الاسلامية، زَعَم هذا فان فى التجديد المذكور فى الرواية ابهاما يمكن عده من الابهام الذى تتضمنه مفردة (الامر الجديد) التى جاءت فى روايات الشيعة، كما يحتمل ان التجديد معنى يعم جميع الامور الجديدة المذكورة فى روايات الشيعة بحيث تعم السنة والكتاب والقضاء والسلطان. كما يمكن حمله على جميع الاحتمالات والمعانى التى سنذكرها لكل من هذه الموارد. حتمية التجديدو على كل فان التجديد من وجهة نظر السنة والشيعة امر حتمى الوقوع ولابد منه، اما ماالمراد منه؟! غنى عن ضعف او قوة سند الروايات الماضية، ان سنن الثورات والحركات الى الان هو الاتيان بالجديد، فلو لم يكن هناك الجديد فى الثورة و لم تتوخى الثورة
1 . معجم احاديث الامام المهدى: ج 1، ص 69، ينقله عن المصادر التالية: ابوداود، ج 4، ص 4291102 والطبرانى الاوسط: على ما فى المقاصد الحسنة أ والحاكم: ج 4 ص 522 والمعرفة، البيهقى: ج 1 ص 137 كما فى ابى داود. الخطيب البغدادى: ج 2، ص 61 و 62 كما فى ابى داود. جامع الاصول: ج 12، ص 63، باب 5، ح 841 عن ابى داود. المقاصد الحسنة: ص 121، ح 238 عن الطبرانى و ابى داود. الجامع الصغير: ج 1، ص 182، عن ابى داود و الحاكم والبيهقى فى المعرفة. الدرر المنتثرة: ص 34، ح 44 عن ابى داود. و جمع الجوامع: ج 1 ، ص 182 عن المعرفة. و توالى التأسيس على ما فى هامش معرفة البيهق. و كنز المعال: ج 12، ص 193، ح 34623 عن ابى داود و الحاكم والبيهقى فى المعرفة. و عون المعبود: ج 11، ص 386385 ، ح 4270، عن ابى داود. و فيض الغدير: ج 2 ، ص 281 ، ح 1845 عن الجامع الصغير. شيئا جديدا لما كان هناك حاجة الى ثورة و تحول بهذا المستوى. لو كان هدف الثورة هو الاقرار بالموجود و بما كان لما ان هناك حاجة للانتفاض على الموجود. هذا شان الثورات الدينية و القومية و الوطنية فى العالم باجمعه، فكيف بثورة اذا كانت عالمية، و كيف بها اذا طال الاعداد لها و انتظارها مئات السنين، و كيف بها اذا كان ضحيتها آلافا من البشر؟! هذا (الجديد) شان اى ثورة ولو كانت تستهدف التحول على صعيد خاص و محدود من المجتمع، فكيف بها اذا كانت شاملة وتستهدف المجتمع بجميع اركانه و مقوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية بل و حتى العلمية. بالطبع ان حجم الجديد و نوعه ينبغى ان يتناسب مع حجم الاهداف التى ترفعها الثورة و تدعو لها فى الازمنة التى تسبقها، و مع لحاظ ان المسلمين بانتظار هذه الثورة منذ العصور الاولى لحياة الاسلام، و مع لحاظ أنَّ ما بلغ المسلمين من الدعاية والاعلام لهذه الثورة بدرجة يزيد من مستوى توقعهم من هذه الثورة العظيمة و المترقب و قوعها فى كل حين. واذا كان الجديد فى ثورة صاحب الزمان مسلم فماالمرادمنه؟و هذا ما نتناوله فى دراسة نص الاحاديث الواردة فى هذا المجال. ان الخروج بنتيجة و تصور عن الجديد المفروض حصوله فى الثورة المستقبلية بدرجة كبيرة من الاهمية، حيث اضافة الى انه يمنح صورة اوضح عن تلك الضاهرة المستقبلية، يمنحنا انطباعا عما نحن فيه من سنة و قضاء و... ان ما يبينه الروايات هو مجئ المهدى (عليه السلام) باشياء جديدة مختلفة، والمفروض ايجاد تفسير لكل منها على حدة، علما ان بعضا من هذا الجديد قد ذكر بصراحة فى الروايات مثل اتيان صاحب الزمان بعلوم تفيق العلوم الحالية باضعاف مضاعفة و بعضها لم تفسر و بقيت بشكل مبهم ينبغى استنطاقُةُ من نصوص الروايات الاخرى و هو ما تناولناه هنا. ان اعتماد منهج التحليل العقلى من دون النظر الى الروايات والماثور المدون فى كتبنا يعد تخبطا قد لا يودى الا الى الضياع فى الاحتمالات الكثيرة، لذا دونا تلك الاحتمالات الصالحة لتفسير الجديد المتوقع والتى يساعد عليها استنطاق نَصوصِ تراثنا. تبويب الرواياتو قبل البدء بتفسير و ذكر احتمالات الجديد نسرد و نبوت ما جاء فى الروايات السابقة من الامور التى يفرض اتيان المهدى بها حال كونها جديدة. والامور هى كالتالى: الرواية الاولى: كتاب جديد. الرواية الثانية: امر جديد و كتاب جديد و سنة جديدة و قضاء جديد. الرواية الثالثة: امر جديد و كتاب جديد و سلطان جديد. الرواية الرابعة: كتاب جديد. الرواية الخامسة: امر جديد. الرواية السادسة: امر جديد و سنة جديدة و قضاء جديد. الرواية السابعة: امر جديد و كتاب جديد و قضاء جديد. الرواية الثامنة: امر جديد. الرواية التاسعة: امر جديد. و على هذا فالامر الجديد تكرر فى جميع الروايات الا الرابعة (8 مرات) و الكتاب الجديد تكرر 4 مرات. والسنة الجديدة مرتان. والقضاء الجديد 3 مرات. السلطان الجديد مرة واحدة. الاحتمالاتو بعد هذا نقوم بذكر تفاسير واحتمالات كل من الامور الجديدة المتوقع حصولها مرتبة حسب التسلسل التالى: [153] 1ـ كتاب جديد. 2ـ سنة جديدة. 3ـ قضاء جديد. 4ـ سلطان جديد. 5ـ امر جديد. الكتاب الجديد و فيه عدة احتمالات: الاول ـ ان المهدى (عليه السلام) ياتى بكتاب و قرآن جديد بالكامل من حيث السور و الايات والمحتوى و يختلف عن كتابنا الذى نتداوله فعلا و ناسخا له، مع غض النظر عن كون الموجود فعلا محرفا او غير محرف. الا ان هذا الاحتمال مردود لوجوه عديدة: منها ـ انه لا دليل موثوق به من الروايات و غير الروايات تؤيد هذا الاحتمال. و منها ـ ان هناك ادلة عديدة تنفى صحة هذا الاحتمال كالاحاديث التالية: قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى اهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». (1) و من الواضح ان الكتاب الذي يشير اليه الرسول هو نفسه الذي بين ايدينا فعلا و هو نفسه الذي سيخلد حتّى يرد على الرسول الحوض. و قول الامام على (عليه السلام) : «ان القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول». (2) و هناك احاديث اخرى تشير الى هذا المضمون والحديثان السابقان يغنيان عن ذكرها. و منها ـ ان الاتيان بكتاب جديد غير هذا الذى نتداوله يعنى الاتيان بشريعة جديدة بالكامل الامر الذى لم يحتمله أحد من علماء المسلمين فضلا عن القول به، وقد اجمع المسلمون على ان هذا لن يحصل فى زمان ما. والاسلام هو دين الله و خاتم اديانه. و ان المهدى يقتفي اثر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و يسير بسيرته و سنته كما تؤيّد
1ـ امالي الطوسي; ح 1168، ص 548، طبع موسسة البعثة، و مصادر اخرى. 2ـ تفسير الطبري ; ج 27 ، ص 104، و مصادر اخرى. ذلك روايات ياتى ذكرها عند بحث السنة الجديدة واحتمالاتها. الثاني ـ انه يقوم بتصحيح الكتاب الموجود والذى بين ايدينا فعلا لما ناله من التحريف زيادة و نقصانا. و هذا الاحتمال مبنى على الراي القائل بتحريف القرآن و تؤيده بعض الروايات الضعاف الواردة فى هذا المجال. علمنا انه لا خلاف بين المسلمين فى عدم احتواء الكتاب الموجود فعلا على كلام غير الهي ولو على مستوى كلمة واحدة. اما بالنسبة للحذف، فهناك روايات تشير الى حذف بعض الكلمات بل و حتى آيات من القرآن، و قد جمع الشيخ البحراني كثيرا من هذه الروايات فى تفسيره البرهان، و ناتي هنا ببعض من الواردة عن السنة والشيعة في هذا المجال. روى احمد بن حنبل باسناده عن زرّ بن حبيش عن ابي بن كعف، قال:كم تقرأون (أو كايّن تعدّون) سورة الاحزاب؟ قلت: ثلاثاً و سبعين آية. قال: قط! لقد رايتها و انها لتعادل سورة البقرة و فيها آية الرجم! قال زرّ: قلت و ما آية الرجم؟ قال: (الشيخ و الشيخة اذا زنيا فارجموهما البته نكالاً من الله والله عزيز حكيم). (1) و فى البخاري باب رجم الحبلى: قال: خطب عمر خطبته بعد مرجعه من آخر حجة حجّها، قال فيها: ان الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق، و أنزل عليه الكتاب، فكان ما انزل الله آية الرجم،فقرأناها و عقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رجمنا بعده، فأخشى اِن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم فى كتاب الله، فيضلّو بترك فريضة انزلها الله. والرجم فى كتاب الله حق على من زنى، اذا احصن من الرّجال و النساء اذا قامت البينة او كان الحبل او الاعتراف. (2)
1ـ مسند احمد، ج 5، ص 132. 2 . البخارى ، ج 8 ، ص 208 ـ 211 باب رجم الحبلى. و ينقل هذا الحديث فى غير البخارى من الكتب التسعة. و فى ردها يقول الشيخ هادى معرفة: و من المحتمل قويا انه سمع شريعة الرجم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فظنها آية قرآنية. (1) و نكتفى بذكر روايتين مما اثرناه عن طرق الشيعة: روى الكليني من طريق علي بن ابراهيم باسناده عن حريز، ان الصادق (عليه السلام) قرأ: (فليس عليهن جناح ان يضعن ـ من ـ ثيابهن) النور ـ 60 بزيادة من. (2) محمد بن قولويه باسناده عن الحسن بن عطية عن ابى عبدالله (عليه السلام) : «اللهم العن الذين كذبوا رسلك… و هدموا كعبتك و حرفوا كتابك». (3) و ترد مثل هذه الرواية بان المقصود بالتحريف هنا هو سورة التفسير و التاويل. والصحيح ان اكثر هذه الروايات تشير الى تاويل القرآن و تفسيره لا الى نص قد حذف من القرآن، و قد حصل خلط عند البعض بين تاويل القرآن و حذف بعض من آياته، الامر الذى ادى بهم الى هذا المعتقد غير المعقول. والادلة التالية من الحجج القويّة على رد الراي الذاهب الى تحريف القرآن: الاية الكريمة: ﴿...نحن نَزَّلْنا الذكر و انا له لحافظون﴾ الحجر 9. فعلى اساس هذه الاية ان القرآن محفوظ و لاتناله يد التحريف على الاطلاق و ان اى تحريف للقرآن يعدّ تكذيبا لهذه الاية. الاية الكريمة: ﴿...لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه...﴾ فصلت 42. و على اساس هذه الاية فان القرآن لا يناله الباطل بجميع اشكاله مع العلم ان
1ـ الشيخ هادى معرفة; صيانة القرآن من التحريف ص 160. 2ـ الكافى ، ج 8 ، ص 200 ، رقم 241. ط دارالكتب الاسلامية. 3ـ ابن قولويه; كامل الزيارات، باب 79، ص 197، ط طهران . التحريف نوع من انواع الباطل و مصداق واضح له. تواتر نقله جيلا عن جيل، فإنّ حملة القرآن لا يعدون و لا يحصون لكثرتهم، و قد سلم بهذا التواتر المخالف والموافق. هذا اضافة الى ادلة عقلية و نقلية اخرى نعرض عن ذكرها اختصارا. الثالث ـ ان ياتى بنفس الكتاب الا انه مختلف فى ترتيب الايات، و فى هذا المجال روايات تؤيد ذلك كالرواية التالية: «اذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب فساطيط (و) يعلم الناس القرآن على ما انزل الله عزوجل، فاصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لانه يخالف فيه التاليف». (1) و المراد من التاليف هنا هو الترتيب. زعم ان الاكثر يعتقد بان الترتيب الفعلى للقرآن هو الترتيب الطبيعى و المتسلسل للنزول الا ان ذلك لم تثبت قطعيته، و قد يكون فاقداً للدقة والضبط فى الترتيب، و دليل ذلك وقوع الاختلاف فى الترتيب بين الصحابة عند جمع القرآن. و يعتقد بعض من علمائنا ان ما يمتاز به كتاب المهدي (عليه السلام) عن المصحف الموجود هو ضبطه الدقيق للتسلسل الطبيعى للنزول علما ان هناك روايات تشير الى الكتاب الذى ياتى به المهدى (عليه السلام) و انه نفس الكتاب الذى الفه (رتبه) الامام على (عليه السلام) توارثه المهدي عن آبائه عليهم السلام . الرابع ـ ان يراد بالكتاب ليس و حيا على غرار القرآن بل شرح للقرآن الفعلى و تفسير و تاويل وايضاح له و لا يتمانع مع القرآن الفعلي.
1 . معجم احاديث الامام المهدي عن: الارشاد، ص 365. وروضة الواعظين ، ج 2 ، ص 265. و كشف الغمة، ج 3، ص256 ، عن الارشاد. واثبات الهداة، ج3 ، ص 556، باب 32، ف 31 ، ح 599 عن الارشاد. والبحار ج 52، ص 339، باب 27، ح 85 عن الارشاد. و نور الثقلين، ج 5، ص 27، ح 11، عن روضة الواعظين للمفيد.و يمكن القول بان الروايات التي حكت عن قرآن خاص بعلي (عليه السلام) و فاطمة(س) تصلح دليلا على هذا الاحتمال. الخامس ـ ان يكون محتوى الكتاب محتوى غير متناف و متمانع مع القرآن بحيث انه يتناول موضوعات غيرها المدونة فى القرآن بان يحتوى على شؤون سياسية واقتصادية و اجتماعية و غيرها تتعلّق بما بعد الظهور. السنة الجديدةوالاحتمالات الواردة فى هذ المفردة هى اربعة: الاول ـ أنّها كناية عن دين جديد يختلف عما عليه الاسلام من تشريعات و سنن من اصول و فروع. الا ان هذا مخالف للادلة القطعية واجماع المسلمين على ان الاسلام هو خاتم الديانات و لا ديانة بعده و ان حلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حلال الى يوم القيامة و حرامه حرام الى يوم القيامة. كما لا يويده اى دليل من الايات والروايات و غير ذلك من الادلة. الثانى ـ ان ما ياتى و يقوم به هو عملية تغيير لبعض التعاليم التى شرعت فى صدر الاسلام و هى بحاجة الى تغيير وتجديد يتناسب مع العصر والملابسات والمتغيرات التى تحصل آنذاك. على فرض صحّة هذا الاحتمال، فالمفروض القول بان التجديد من هذا النوع ينال المتغيرات من تشريعات الاسلام دون ثوابته; و هو امر حصل للشريعة الاسلامية منذ ازمان بعيدة و بعد ولادة هذه الشريعة بفترة و جيزة ولعدة مرات سواء من قبل الله نفسه على مستوى نسخ بعض الايات والتشريعات، أو من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أؤ الائمة (عليه السلام) او الفقهاء من بعد الائمة، باعتبار تغير الزمان والمكان. وهى (المتغيرات) جزء من الشريعة الاسلامية و من صلبها و غير خارجة عنها. و تويد هذا الاحتمال بعضاً من الروايات كالروايات التالية: «انّ الله عزوجل بين الارواح فى الاضلة قبل ان يخلق الاجسام بالفى عام، فاذا قام قائمنا (قائم) اهل البيت ورث الاخ الذى (الاخوين اللذين) آخى بينهما فى الاظلة و لم يورث الاخ من الولادة». (1) ولاوضح من هذه الرواية هو ايجاده تغييرات و تحولات تنال حتى المسلمات من فروع الدين. و يمكن القول انها نموذج لهذا التحول المتصور والرواية مصداق لا حصرله. «دمان فى الاسلام حلال، لا يقضى فيهما احد بحكم الله حتى يقوم قائمنا، الزاني المحصن يرجمه، و مانع الزكاة يضرب عنقه». (2) و شان هذه الرواية شان الاولى فى وضوح التغييرات المقرر حصولها بعد الظهور. الثالث ـ ان ما يقوم به هو عملية تجديد واحياء للسنة النبوية و دعوة اليها من جديد، بعد ما نال هذه السنة من الاضمار والاختفاء عن الحياة اليومية للناس. والسنة هنا عبارة اخرى عن الاسلام ككل و ليس المقصود منها ما اثرناه عن النبي من اقوال و افعال فحسب. ان بعضا من الروايات تنبىء عن قلة المتمسكين بالاسلام و قلة المتدينين آنذاك
1ـ معجم أحاديث الامام المهدي، ج 4، ص 71، عن: الهداية للصدوق: ص 64، مرسلا عن الصادق (عليه السلام) . العقائذ للصدوق: ص 76. و مختصر بصائر الدرجات، ص 159. والبحار، ج 6، ص 249، باب 8 ، ح 87، عن عقائد الصدوق، و وافى، ج 104، ص 367، باب 14، ح 7، عن الهداية. 2 . معجم احاديث المهدي، ج 4، ص 69 عن: المحاسن، ص 87 ، ح 28، عن ابى عبدالله (عليه السلام) . والكافى، ج 3، ص 503 ح 5. و كمال الدين، ج 2، ص 671، باب 58. و الفقيه، ج 2، ح 1589. وان الاسلام قرآنا و سنة لا يبقى منه آنذاك الا حبر على ورق و لا يرى تجسيد فى الواقع لما جاء فيهما من تعاليم و دعوة للقيام و الاخلاق. و هنا بعض من الروايات التي تنبات ذلك: «سياتى على امتي زمان، لا يبقى من القرآن الا رسمه، و لا من الاسلام الا اسمه، يسمون به و هم ابعد الناس منه، مساجدهم عامرة و هى خراب من الهدى...». (1) «ياتى على الناس زمان بطونهم الهتهم و نساؤهم قبلتهم، و دنانيرهم دينهم، و شرفهم متاعهم، لا يبقى من الايمان الا اسمه، و من الاسلام الا رسمه و لامن القرآن الا درسه، مساجدهم معمورة، و قلوبهم خراب من الهدى، علماؤهم اشر خلق الله على وجه الارض. حينئذ ابتلاهم الله باربع خصال: جور من السلطان، و قحط من الزمان، و ظلم من الولاة والحكام، فتعجب الصحابة وقالوا: يا رسول الله ايعبدون الاصنام؟ قال: نعم، كل درهم عندهم صنم». (2) تنعكس هذه الروايات مدى اختفاء الايمان والاسلام عن قلوب المسلمين وضمائر هم بحيث يكون الاسلام اسما لغير مسمى الامر الذى شهدناه فى بلادنا فى العصورالاخيرة. كما ان الروايات التى تنبات اغتراب الاسلام فى يوم ما و هى كثيرة و شبه متواترة عن طريق السنة والشيعة تحمل على اندثار الاسلام من قلوب و ضمائر المسلمين وهجرانه من قبل حملته. على اساس هذا الاحتمال، ان ما يقوم به المهدى (عليه السلام) فى ثورته هو عملية احياء
1ـ معجم احاديث المهدي، ج 1، ص 44، عن: ثواب الاعمال و عقابها، ص 301، ح 4، عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) . 2ـ معجم احاديث المهدى، ج 1، ص 45، عن: جامع الاخبار ، ص 129، ف 88، مرسلا عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) . والبحار، ج 52، ص 190، باب 25، ح 21، عن ثواب الاعمال. و منتخب الاثر، ص 427، ف 6، باب 2، ح 6، عن البحار. للتعاليم والسنن الدينية بعد ما ماتت ورحلت عن قلوب الناسواختفت عن المجتمعات الاسلامية. والروايات التالية تويد الاحتمال التالى: «يعطف الهوى على الهدى، اذا عطفوا الهدى على الهوى، و يعطف الراى على القرآن اذا عطفوا القرآن على الراى...فيريكم كيف عدل السيرة، و يحيى ميت الكتاب والسنة». (1) و كما هو ظاهر من نهاية هذا الحديث فان ظهور صاحب الزمان يتضامن مع موت الكتاب والسنة و ان ما يقوم به عليه السلام هو احياء لهما. «يا ابا محمد اذا قام القائم عليه السلام استانف دعاء جديدا كما دعا رسول الله صلى الله عليه و آله». (2) و هذه الرواية صريحة فى ان ما يقوم به المهدي (عليه السلام) هو الدعوة الى الله الاسلام من جديد على غرار دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا ما يستفاد من مفردة يستأنف. «يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و آله، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صلى الله عليه و آله امر الجاهلية، و يستانف الاسلام جديدا». (3) و هذه الرواية صريحة ايضا فى ان ما يستانفه من جديد هو الاسلام نفسه سنة و كتابالا شيئا آخر. «هو رجل من عترتى يقاتل على سنتى كما قاتلت انا على الوحى». (4)
1ـ نهج البلاغه، خطبة 138. 2 . غيبة النعمانى، ص 322، باب 22، ح 5، عن ابى عبدالله (عليه السلام) . 3ـ معجم احاديث الامام المهدى، عن: غيبة النعمانى، ص 230 ـ231، باب 13، ح 13، عن ابى عبدالله (عليه السلام) . و اثبات الهداة، ج 3، ص 539، باب 32، ف 27، ح 499. حلية الابرار، ج 2، ص 628، باب 37. و البحار، ج 52، ص 352، باب 27 ، ح 108 . و منتخب الاثر، ص 305، ف 2، باب 41، ح 1، جميعا عن النعمانى. 4ـ معجم احاديث المهدى، ج 1، ص 224، عن: ابن حماد، ص 102، عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) و مصادر كثيرة اخرى. و ظاهر هذه الرواية ان المهدى يقاتل لاجل احياء سنة الرسول بعد ما اندثرت و ماتت. «يقفو اثرى لا يخطىء». (1) و هذا الحديث صريح فى ان القائم لايزل عما اثره عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من سنة و غير سنة و لا يخطافى هذا المجال. و هناك روايات كثيرة أخرى تتعرض لقضية احياء الامام للاسلام اعرضنا عن ذكرها اختصارا. و للتوفيق بين الروايات القائلة بالتجديد والروايات الاخيرة ينبغى القول بان جديده (عليه السلام) هو احياؤه للسنة فحسب. الرابع ـ انها اشارة الى الاصلاح الذى يقوم به المهدى فى التشريعات و غيرهابعد ما اصابها التحريف المتعمد او الفهم القاصر فى استنطاق النصص نظراً لبعد علماء الاسلام و قتئذ عن عصر التشريع و وقوع الفاصل الزمنى الطويل بين عصر التشريع و عصر ما قبل الظهور و اختلاف لغة العصرين الامر الذى يؤدى الى سوء فهم المحدثين للغة القرآن و السنة القديمة. و على هذا الاحتمال فان ما يقوم به المهدى عندالظهور هو عملية تصحيح و تقويم للشريعة. و اطلاق مفردة الجديد عليه باعتبار ان الناس اعتادوا تشريعات و سنة محرفة او مساء فهمها، فاذا ما جاء المهدى (عليه السلام) بتشريعات غيرها هى الاصيلة، فان الناس سيعدونها جديدة و ذلك لانها غير مالوفة عندهم ان الروايات التى وردت فى ذم علماء السوء ـ وهى كثيرةـ تصلح لان تكون شاهدا على ذلك، و نذكر هنا بعض منها:
1ـ معجم احاديث المهدى، ج 1، ص 225، عن: الفتوحات المكية: ج 3، ص 332، باب 336، عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) . و القول المختصر، ص ... ، باب 1، ح 49 . و منتخب الاثر، ص 491، ف 9، باب 3، ح 2 ، عن الفتوحات المكية. «...فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة و اليهم تعود». (1) «ايها السائل عن الساعة: تكون عند خيث الامراء، و مداهنة العراء، و نفاق العلماء، و اذا صدت امتى بالنجوم و كذبت بالقدر، ذلك حين ما يتخذون الامانة مغنماً والصدقة مغرما، والفاحشة اباحة والعبادة تكبرا واستطالة على الناس» (2) «سيجىءُ أقومٌ فِى اخرِ الزَّمَن وجُوهُهُم وجوهُ الآدميين و قلوبُهُم قلوبُ الشياطين... السُّنَّةُ فيهِم بِدْعَةٌ والبِدْعَةُ فِيهم سُنَّةٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم شِرَارَهُمْ، فَيَدْعُو خِيارُهُمْ فَلا يُستجَابُ لَهُم». و ذم العلماء بلحاظ مالهم من قدرة على التاثير فى الناس من جهة و من حيث قدرتهم على التلاعب فى التشريعات، كما حصل هذا الشىء فى برهات عديدة من تاريخ الشريعة الاسلامية لقد دون التاريخ نماذج عديدة من علماء الدين الذين باعوا دينهم بدنياهم و برروا جرائم و مجازر الطغاة بتبريرات دينية واعتبروا مواقف هولاء الطغاة جزء من الدين وسلوكهم تطبيقا لما انزل الله. اضافة الى هذا اننا لا نشك بوجود البدع والاضافات على الشريعة الاسلامية الاصيلة; و ان ظاهرة البدعة بدرجة من الرواج قلما يخلومنها مذهب و هى ظاهرة مارستهاالمذاهب عمداللتمييز بينها و بين باقي المذاهب تارة وقصوراً وجهلا تارة اخرى. ان الاختلاف بين المذاهب الاسلامية يصل تارة الى مستوى التناقض و التضاد و
1ـ معجم احاديث الامام المهدى، ج 1، ص 22، عن: ثواب الاعمال و عقابها، ص 301، ح 4، عن رسول ا... والبحار، ج 52، ص 190، باب 25، عن ثواب الاعمال. و منتخب الاثر، ص 427، ف 6، باب 2، ج 6، عن البحار. 2ـ معجم احاديث الامام المهدى: ج 1، ص 46، عن: ارشاد القلوب: 1، 67، 16 مرسلا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; امالى الشجرى، ج 2، ص 257. مجمع الزوائد، ج 7، ص 326، عن الطبرانى بتفاوت يسير. هو امر يجعلنا نطمئن بسقم واحد من الرايين المتناقضين و لا يمكن الحكم بصحة كل من الرايين المعتمدين فى كلا المذهبين. كما ان الروايات التى تحكى قتال المهدى (عليه السلام) على سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل الرواية التاليه: (هو رجل من عترتى يقاتل على سنتى كما قاتلت على الوحى) كما تحتمل قتاله ونضاله لاجل احياء السنة المندثرة تحتمل قتاله لاجل تصحيحها و تقويمها. القضاء الجديد:هناك ثلاثة احتمالات فى تفسير القضاء الجديد: الاول : انه اشارة الى ماجاء فى بعض الاحاديث التى مضى اثنين منها حكت عن تغيير الامام لبعض الحدود والاحكام التى تتعلق بالقضاء مثل توريث الاخ من غير الولادة و حكم القتل على الزانى المحصن و مانع الزكاة و غير ذلك. الثانى : انه اشارة الى ماجاء فى عدة روايات حاكية عن ان الامام سيحكم و يقضى بقضاء النبى داود (عليه السلام) ، الذى كان يبتنى على معرفة الحقايق واقعا و لو عن طريق غيبى دون الشواهد والبينات التى تفيد الظن فحسب، والروايتان التاليتان شاهد على هذا القول: «لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منى رجل يحكم بحكومة آل داود، (و) لا يسأل عن بينة، يعطى كل نفس حكمها». (1)
1ـ معجم احاديث الامام المهدى، ج 4 ص 65 عن: بصائر الدرجات، ص 258، باب 15، ح 1 عن ابى عبدالله (عليه السلام) الكافى: ج 1، ص 397. الارشاد، ص 365 روضة الواعظين، ج 2، ص 266. الخرائج، ج 2، ص 861، باب 73، ح 77. منقول فى هذه المصادر مع اختلاف يسير سندا و متنا. اثبات الهداة، ج 1، ص 89، باب 6، ح 63. وسائل الشيعة: ج 18، ص 168، باب 1، ح 5 عن رواية الكافى الثانية. البحار: ج 14، ص 14، باب 1، ح 23 عن الارشاد. و نور الثقلين: ج 4، ص 452، ح 29 آخره، عن رواية الكافى الاولى. و مستدرك الوسائل: ج 17، ص 364، باب 1، ح 3 ـ عن رواية بصائر الدرجات الثالثة. و منتخب الاثر:، ص 172 ف 2، باب 1، ح 94 عن رواية البحار الثالثة. «سألت عن القائم، فاذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) ، لا يسأل البينة» (1) و على هذا الاحتمال فان الجديد فى قضاء المهدى هو اعتماده آليه جديدة غير الالية التى فرضها علينا الشرع اى آلية الاعتماد على الشواهد والبينة و لا تحول فى احكام القضاء و مسائله الشرعية. الثالث : و هو احتمال الجمع بين الاحتمالين الماضيين، اى انه اضافة الى تغييره بعضا من الاحكام الفقهيه المتعلقة بالقضاء، يعتمد آلية القضاء التى اعتمدها النبى داود (عليه السلام) ، و لاتنافى في الجمع بين الامرين. لكن بناء على الاحتمال الثانى و كذا الثالث، فان السؤال الذى يطرح نفسه، هنا هو ان مباشرة الامام القضاء بنفسه باعتباره الوحيد الموهل للقضاء بقضاء داود مع لحاظ مسؤوليته الكبرى وسعة المناطق التى يحكمها و مع لحاظ ان مشاكل الناس بدرجة كبيرة من الكثرة و التنوع والتعقيد والتفاهة بعضا ما و هو امر يجعل مباشرة الامام القضاء فيها امرا مستصعبا اذا لم يكن محالا. و فى الاجابة على هذا السؤال نذكر عدة احتمالات:
1 . معجم احاديث الامام المهدى ج 4، ص 270 عن: الكافى، ج 1، ص 509، ح 13، عن ابى محمد (عليه السلام) . والارشاد:، ص 343، كما فى الكافى بتفاوت يسير. والخرائج: ج 4311 باب 12، ح 10. والدعوات: ص 209، ح 567. و مناقب ابن شهر آشوب. و اعلام الورى: ص 357، ف 3. و كشف الغمة: ج 3، ص 203، عن الارشاد. الصراط المستقيم: ج 2، ص 207، باب 10، ح 7 عن الخرائج. و اثبات الهداة: ج 3، ص 403، ح 15 ـ عن الكافى. و حيلة الابرار: ج 2، ص 627، باب 36. والبحار: ج 5، ص 264، باب 3، ح 24، عن المناقب ، والخرائج و نور الثقلين: ج 3، ص 437، ح 98 عن الكافى. و مستدرك الوسائل: ج 17، ص 364، باب 1، ح 6، عن الدعوات. منها: ان الناس ما بعد الظهور يبلغون درجة عالية من الكمال بحيث نقل الخلافات بينهم و تنحصر بموارد خاصة جدا، و على هذا فيصبح مباشرة الامام المهدى امرا ممكنا. و منها: ان الاولياء مثل عيسى والخضر الذين لهم اتصال بعالم الغيب والذين يظهرون بعد ظهور الامام يتولون القضاء اضافة الى تولى المهدى (عجل الله فرجه الشريف) للقضاء مباشرة، مع العلم ان عددالاولياء الذين يظهرون بعد ثورة المهدى (عليه السلام) كثيرون و ليسوا بقليل، و على هذا يمكن تصور تحقق قضاء داود (عليه السلام) وقتئذ. ان الروايات التى تدل لى ظهور هولاء الاولياء و حكومتهم على الارض و كذا ادلة رجعة بعض اولياء الله يمكن عدها دليلا على هذا الراى. و منها: ان القضاء المعروف بقضاء داود قضاء يعتمد آلية علمية متقدمة لم يكتشف بعد، و يكتشف بعد الظهور من حيث تطور العلوم آنذاك على يدالامام (عليه السلام) ، وعلى اساس هذا التطور يتمكن القضاة آنذاك ـ ولو كانوا غير معصومين ـ الكشف عن الحقائق مستغنين فى ذلك عن الادلة الظنية مثل الشهود والبينات و غير ذلك. و لا يبعد هذا، حيث ان الآليات و التقنيات المستعملة فى الوقت الحاضر لكشف الجرائم و مرفة الحقائق بدرجة كبيرة من الدقة بحيث قلما يصعب على العاملين فى هذا المجال معرفة آثار المجرمين فكيف بها اذا تطورت بتطور العلوم اضعافا مضاعفة. ان الاعتماد على بصمات الاصابع والكلاب البوليسية والميكرسكوب والمختبرات والكامبيوتر و... هذه كلها تقنيات تمكن المحقق من الوصول الى الحقيقة فى الوقت الحاضر رغم ان العلم لم يبلغ الكمال بعد، و هناك مشوار طويل لم يجتزه العلم لبلوغ الكمال; فكيف اذا كمل و بلغ قمته؟! طبيعى أن يتطور كل شى و منه ما يتعلق بالقضاء والبحث الجنائى. السلطان الجديدلقد جاءت مادة (سلط) بمعنى القدرة والملك والحجة اما استعمالها بمعنى المملكة والحكومة فهو باعتبار ما تستلزم الحكومة والمملكة من قدرة و ملك. كما ان استعمالها بمعنى القدرة و الملك هو الاستعمال الغالب والاكثر و بمعنى الحجة اقل، لذا يضعف احتمال ورود مفردة السلطان بمعنى الحجة و انه (عليه السلام) يأتى بحجة جديدة يد حض بها الاعداء، رغم ان ورودها بهذا المعنى غير ممتنع، والاحتمالات الاقى فى هذا المجال هى كالتالى: الاول : او ما يناله و يأتى به المهدى (عليه السلام) من علوم و تقدم علمى و تقنى يضاف الى ما توصل اليه بنى البشر، هو عامل اساسى لاكتساب القدرة، بل و مقياسها فى العصور الجديدة والمقبلة كما يقر بذلك منظّر والمستقبل، و هذا هو المقصودمن السلطان الجديد. و عليه فسلطان المهدى الجديد هو قدرته المعلوماتيه والتقينية التى يتفوق بها على كل قدرات العام، والروايات التى تحكى التكامل العلمى المفروض حصوله و قتئذ والتى مر ذكر بعضها فيماسبق تصلح لان تكون دليلا على هذا الاحتمال. الثانى : ان ما يحصل عليه المهدى (عليه السلام) من قدرة مالية و ثروات طبيعية و غير طبيعية لم تشهدها الارض قبله مصداق واضح للقدرة والملك او السلطان; وحداثته من حيث حجم والثروة ونوعتيها باعتبار عدم سبق البشر بمثل هذه الثروة. ان بعض الروايات تشير الى ان الارض تخرج كنوزاً و ثروات لم يسبق لها مثيل، تمكن الامام (عليه السلام) من احلال الرخاء والرفاه لسكانها، و تزيده قدرة يتغلب بها على كل شى. والروايات التالية بعضا من روايات كثيرة وردت فى هذا المجال وهى مدونة فى تراثنا. «تنعم امتى فى زمن المهدى نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدرارا، و لا تدع الارض شيئا من النبات الا اخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدى اعطنى فيقول خذ» (1) «يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الارض، لا تدع السماء من قطرها شيئا الا صبته، و لا الارض من نباتها الا اخرجته، حتى يتمنى الاحياء الاموات» (2) الثالث : ان السلطان الجديد هو ما يسخر له من الحيوانات والجمادات والنباتات و غير ذلك. على غرار سلطان النبى سليمان (عليه السلام) و مجموع هذه الامور تمنح الامام (عليه السلام) قدرة و سلطانا غير معهود فى هذه الدنيا. ان الروايات التى تشير الى ما يسخر له يمكن تمدها دليلا على هذا الاحتمال و ناتى هنا ببعض منها: «انه اذا تناهت الامور الى صاحب هذا الامر رفع الله تبارك و تعالى(له) كل منخفض من الارض، و خفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فايكم لو كانت فى راحته شعرة لم يبصرها» (3) «يملك القائم ثلاثمائة سنة، و يزداد تسعا كما لبث اهل الكهف فى كهفهم يملأُ الارض
1 . معجم احاديث الامام المهدى (عليه السلام) ، ج 1، ص 227، عن عبدالرزاق: على ما فى سند ابن حماد: ص 99، و مصادر اخرى. 2ـ معجم احاديث الامام المهدى (عليه السلام) ، ج 1، ص 229 عن: عبدالرزاق: كما ورد فى سند ابن حماد عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) و ابن حماد: ص 99. والقول المحتصر: ص 5، باب 1، ح 9، و ملاحم ابن طاوس: ص 69 . 3ـ معجم احاديث الامام المهدى (عليه السلام) عن: كمال الدين: ج 2، ص 674، باب 58، ح 29، عن ابى عبدالله (عليه السلام) و اثبات الهداة: ج 3، ص 494 ـ 495، باب 32، ف 2525، عن كمال الدين; و حلية الابرار: ج 2، ص 652، باب 36، كمال الدين، عن ابن بابويه. والبحار: ج 52، ص 328، باب 27، ح 46، عن كمال الدين . عدلاً و قسطا كما ملئت ظلما وجورا... [ ويسير ] بسيرة سليمان بن داود، و يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الارض و يوحى اليه فيعمل بالوحى بامرالله». (1) الرابع : ان السلطان الجديد نوع من الحكومة يختل معالمها عن الحكومات الفعلية من ديمقراطية و حزبية وملكية و غير ذلك يختلف من حيث الا دارة والنظام و غير ذلك عما الفناه من حكومات. الخامس : ان السلطان الجديد هو جميع ما تقدم من مصاديق للقدرة والملك وامور اخرى جديدة ينالها على الارض لم ينلها قبله شخص ابدا، ان مجموع الثروات الطبيعية والعلمية والتقنية و ما يسخر له من الحيوانات والجمادات، و عوامل اخرى قد تكون مبهمة فعلا تجعل الامام فى موضع اقتدار كبير و عظيم لم تشهده البشرية ابدا حتى فى زمن سليمان (عليه السلام) . الامر الجديدان هذا العنوان هو الاعم والاكثر ابهاما من بين العناوين والموارد المذكورة هنا، و تحتمل احتمالات كثيرة و عديدة جدا نذكر اهمها هنا: الاول : ان الامر اشارة الى كل من الأشياء الاربعة الجديدة المشار اليها فى الروايات و يفسر بنفس التفاسير و الاحتمالات المذكورة لكل منها. لكن اقتران الامر بكل من هذه المتقدمات يمنع من التصديق بصحة هذا الاحتمال. فان الامر لو كان نفس الباقيات لما كان هناك حاجة لذكر الامر، فلابد و ان الامر شى يختلف عن الباقيات.
1ـ معجم احاديث الامام المهدى (عليه السلام) ، ج 3، ص 318 عن: البحار: ج 52، ص 390، باب 27، ح 212 و عن الباقر (عليه السلام) و اثبات الهداة: ج 3، ص 584 ب 32 ف 59، ح 787، عن البحار. الثانى : ان الامير اشارة الى ما يجىء به المهدى (عليه السلام) من علوم و تقنيات يضيفها الى ما توصل اليه بنى البشر من تقنية و معرفة علمية. و هذا الاحتمال تشير اليه بعضا من الروايات نورد هنا اثنين منها: «اذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم و كملت به احلامهم». (1) فكما هو الظاهر من الرواية ان العلوم تبلغ آنذاك المستوى الذى يوفر للناس احلامهم و تخيلاتهم. «العلم سبعة و عشرون جزءا، فجميع ما جاءت به الرسل جزء ان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزءين، فاذا قام القائم اخرج الخمسة والعشرين جزءا، فبثها فى الناس وضم اليها الجزئين، حتى يبثها سبعة و عشرين جزءا». (2) و يظهر من هذه الرواية نفس ما يظهر من الرواية السابقة، و من الطبيعى ان العلوم اذا بلغت هذا المبلغ فان كل شى سيصبح جديدا و الحاية تتحول بالكامل، تتحول المواصلات انذاك وكذا وسائل التواصل والاعلام والابنية والعمران والطبابة والزراعة والصناعة وكل شى، و هذا هو الجديد ولا جديد يثير اكثر من هذا. الثالث : انه اشارة الى شى بدرجة من الحداثة بحيث لا نتصوره و لن يخطر فى بالنا حتى ظهوره (عليه السلام) سواء على المستوى العلمى والتقنى من حيث التطوّر والتقدّم
1ـ معجم احاديث الامام المهدى، ج 3، ص 325، عن المصادر التالية: الكافى: ج 1، ص 25، ح 21. و كمال الدين: ج 2، ص 675، باب، ح 30. والخرايج : ج 2، ص 840، باب 16، ح 57. و مختصر بصائر الدرجات: ص 117.و منتخب الانوار المضيئة، ص 200 ف 12. و اثبات الهداة ج 3، ص 448، باب 32، ح 48. و حلية الابرار ج 2، ص 625 ـ 626، باب 36. 2ـ معجم احاديث الامام المهدى، ج 4، ص 55، عن: الخرائج : ج 2، ص 841، باب 16، ح 95. و مختصر بصائر الدرجات : ص 117. و البحار: ج 52، ص 336، باب 27، ح 73 عن الخرائج. الذى يطرأ على العلوم او على المستوى الاجتماعى من حيث العدالة والرخاء والرفاه المتوقّع حصوله، أو على المستوى الاقتصادى من حيث التقدّم الصناعى والزراعى و... او على مستويات اخرى، المهم انه ياتى بالجديد و الجديد لا بد ان يكون امرا مبهما و غير مالوف و لا معروف و لو كان مالوفا ولديناسبق معرفة به لما كان جديدا، بل شيئا غير جديد. الرابع : ان الامر اشارة الى جميع ما يمكن ان يحصل من جديد فى الثورة المنتظرة و لا يختص الامر بشى خاص، فيعم الكتاب الجديد والسنة الجديدة والقضاء الجديد والسلطان الجديد وكل شى جديد يحصل آنذاك. خاتمه:و للخروج برؤية عامة عنه جديد الامام (عليه السلام) ينبغى القول بان جديدة عام و شامل و لا يختصى بالموارد المعدودة التى ذكرت هنا، بل ان هذه جميعا موارد و مصاديق الجديدة المتوقع الذى يعم الحياة بجميع مستوياتها.
الآيات المؤولة بالإمام المهدي (عج)المعاني الإجمالية للتأويلإن القرآن كتاب إلهي يضم الشؤون الإلهية، وهو الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق، وبتعليماته ينبغي إقامة الرابطة المعنوية والارتباط الغيبي بين عباد الله ومربيهم، ومن القرآن ينبغي تحصيل العلوم الإلهية والمعارف اللدنية.. وقبل الشروع بالآيات المؤولة بإمامنا الحجة (عج) لا بد من تقديم نبذة مختصرة عن التأويل وما قاله علماؤنا الأعلام في هذا المعنى الباطني: قال العلامة المحدث السيد هاشم البحراني (قدس سره) في مقدمة تفسير البرهان (ج1 ص7-8): (أما بعد، فغير خفيّ عن أهل الإسلام والإيمان شرف القرآن وعلوّ شأنه، وغزارة علمه، ووضوح برهانه، وأنه الغاية القصوى، والعروة الوثقى، والمستمسك الأقوى، والمطلب الأعلى، والمنهاج الأسنى، الذي من استمسك به نجا، ومن تخلف عنه غوى، الذي بدرسه وتلاوته والتفكر في معانيه حياة للقلوب، وبالعلم به والعمل بما فيه التخلص من الكروب. غير أن أسرار تأويله لا تهتدي إليها العقول، وأنوار حقائق خفيّاته لا تصل إليها قريحة المفضول، ولهذا اختلف في تأويله الناس، وصاروا في تفسيره على أنفاس وأنكاس، قد فسّروه على مقتضى أديانهم، وسلكوا به على موجب مذاهبهم واعتقادهم، وكل حزب بما لديهم فرحون، ولم يرجعوا فيه إلى أهل الذكر صلى الله عليهم أجمعين، أهل التنزيل والتأويل، القائل فيهم جلّ جلاله: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (3) لا غيرهم، وهم الذين أوتوا العلم وهم أولو الأمر وأهل الاستنباط وأهل الذكر، الذين أمر الناس بسؤالهم، كما جاءت به الآثار النبوية والأخبار الإماميّة، ومن ذا الذي يحوي القرآن غيرهم؟ ويحيط بتنزيله وتأويله سواهم؟).. وقد ورد عن مولانا باقر العلم أبي جعفر محمد بن علي (ع) قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء(4). التأويل في اللغة والاصطلاحالتأويل في مجمع البحرين: إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري، إلى معنى أخفى منه(5). وقال صاحب القاموس: (أوّل الكلام تأويلاً: دبّره وقدّره وفسّره). وقال الراغب: والتأويل: من آل يؤول: إذا رجع، والتفسير أعم من التأويل. وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل: في المعاني، كتأويل الرؤيا. وقال العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي زين العابدين (قدس سره): وتأويل الآيات - أي بيان العاقبة وما يؤول إليه الأمر - لأن المراد بالتأويل، ما يرجع إليه الكلام، وما هو عاقبته، سواء كان ظاهراً يفهمه العارف باللغة العربية، أم كان خفيّاً، لا يعرفه إلا الراسخون في العلم(6). وقال العلامة الطبرسي في ذكر التفسير والتأويل: التفسير: كشف المراد عن اللفظ والشكل، والتأويل: رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر..(7) ويقول العلامة القمي في مطلع تفسيره - وقد نقلها السيد المحدث هاشم البحراني (قدس سره) في بداية تفسيره البرهان - أن التأويل له أربعة معانٍ هي: أولاً: (وأما ما تأويله في تنزيله) فكل آية نزلت في حلال أو في حرام مما لا يحتاج فيها إلى تأويل، مثل قوله: (حُرِّمت عليكم أمهاتُكُم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم)، وقوله: (حرمت عليكم الميتة والدَّمُ ولحمُ الخنزير)، ومثله كثير مما تأويله في تنزيله، وهو من المحكم. ثانياً: (وأما ما تأويله مع تنزيله)، فمثل قوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم رسول الله (ص) من أولو الأمر، وقوله تعالى: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فلم يستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي (ص) بتنزيل الآية حتى أخبرهم النبي (ص) من الصادقون؟ وقوله: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فلم يستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي (ص) كم يصلون، وكم يصومون، وكم يزكّون. ثالثاً: (وأما ما تأويله قبل تنزيله).. مثل آية الظهار، فإن العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل من امرأته حرمت عليه إلى الأبد، فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته يقال له أوس بن الصامت، فجاءت امرأته إلى رسول الله (ص) فأخبرته بذلك، فانتظر النبي فيها الحكم من الله، فأنزل الله تبارك تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم)، ومثله ما نزل في اللعان وغيره مما لم يكن عند النبي(ص) حكم حتى نزل عليه القرآن به عن الله عزّ وجل، فكان التأويل من تقدم التنزيل. رابعاً: (وأما ما تأويله بعد تنزيله) فالأمور التي حدثت في عصر النبي (ص) وبعده من غصب آل محمد (ص) حقهم، وما وعدهم الله من النصرة على أعدائهم، وما أخبر الله به نبيه عليه الصلاة والسلام من أخبار القائم (ع) وخروجه وأخبار الرجعة والساعة في قوله: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (8) وقوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) (9) نزلت في القائم من آل محمد عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام ومثله كثير مما تأويله بعد تنزيله. ومن أراد الاطلاع على آراء العلماء والمفسرين من كلا الفريقين فدونك كتاب (علوم القرآن عند المفسرين) ج3 ففيه التعاريف الكاملة للتأويل والتفسير، وما يخص بحثنا كما هو واضح من كلام العلامة القمي (قدس) هو: (ما تأويله بعد تنزيله)، فمع الآيات المؤولة بإمام زماننا (ع). الآيات المؤولة بالإمام الحجة(عج)بعد أن اتضح معنى التأويل لغة واصطلاحاً عند المفسرين وغيرهم، لننتقل إلى ذكر الآيات القرآنية التي أولت بمهدينا عليه أفضل الصلاة والسلام: - الآية الأولى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) (10). إن هذه الآية من جملة الآيات القرآنية المؤولة بالإمام الحجة روحي له الفداء على الظاهر: إن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بأن يجعلهم المستخلفين لمن كان قبلهم، أي يجعلهم بدل الذين كانوا من قبل في هذه الأرض، والله تعالى يورث المؤمنين الأرض ويجعلهم يتصرفون فيها حيث يشاؤون، ويحكمون فيها بدين الله، بعد إعطائهم القدرة والسلطة وتوفير جميع الإمكانيات، ويجعل الله خوفهم أمناً، ولا يخافون لومة لائم، فلا يخافون أحداً إلا الله، والله من ورائهم محيط، ولا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة والهيمنة، ويعبدون الله دون تقية أو مجاراة لأحد، ويتجاهرون بالحق الذي سوف يسيطر على أرجاء المعمورة، والله على نصرهم لقدير. إن البارئ عزّ وجل (لا يخلف الميعاد) فقد وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمة المليئة بالخطيئات والسيئات أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتكون حياتهم طاهرة ومطهرة، هو المعنى الظاهري للآية الشريفة. وقد أجاد وأفاد العلامة القزويني (قدس سره) قائلاً: إن هذا الوعد الإلهي - المؤكد بلام القسم ثلاث مرات، وبنون التأكيد ثلاث مرات أيضاً - لم يتحقق إلى يومنا هذا، ومتى كان المؤمنون الصالحون يتمكَّنون من الحكم على الناس وتطبيق الإسلام بكل حرية، وبلا خوف من أحد؟! ومن هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعَدَهم الله تعالى بهذا الوعد العظيم؟!. ولو راجعت تاريخ الإسلام والمسلمين منذ طلوع فجر الإسلام، إلى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أن وعد الله تعالى لم يتحقق خلال ألف وأربعمائة سنة. إنني لا أظن أن مسلماً مُنصفاً يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأمويون، أو العباسيون، لأن التاريخ المتفق عليه بين المسلمين - بل وغير المسلمين - يشهد بأن الأمويين والعباسيين ارتكبوا أعظم الجرائم، وأراقوا دماء أولياء الله، وهتكوا حرمات الله، وكانت قصورهم مليئة بأنواع الفجور والمنكرات(11). إن الدين الإسلامي ما زال ولا يزال إلى يومنا هذا مهجوراً مجهولاً، وذلك لوجود التيارات المعاكسة، لهذا النهج الصحيح، ولوجود بقايا الأديان السماوية التي حرفوها عن مسارها الحقيقي، فكل الأديان كانت تبشر بالدين الإسلامي، وكل الملل الآن تسعى لكي تنهش هذا الإسلام الموسوم اليوم!! وهل تعلم لماذا؟. نعم.. لأنهم عرفوا في كتبهم أن هذه الأرض سوف يحكمها رجل من قريش أو رجل مصلح يقيم العدل والعدالة على وجه الكرة الأرضية بتمامها، وعرفوا أيضاً أن الذي يخرج في آخر الزمان، هو من بني هاشم اسمه اسم رسول الله (ص) وخلقه خلق رسول الله (ص)، فلذلك هم يسعون بما في وسعهم لكي ينهشوا هذا الدين من الداخل ومن الخارج، فنلاحظ بين الآونة والأخرى من ينعق ويتفوه على مذهبنا الحق ويستهزئ بالإمام الغائب(عج) ويقول أنه أسطورة وحكاية وضعتها الشيعة وعلماؤهم، لكي يسدوا نقصهم!! إذن متى هذا الوعد؟ ومتى يستخلف الله الذين آمنوا في هذه الأرض الواسعة؟ فيكون الجواب وتأويل هذه الآية كما يلي: 1- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (وعد الله الذين آمنوا... يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً) قال: نزلت في القائم وأصحابه(12). 2- عن ينابيع المودة، عن علي بن الحسين (ع) قال: (هذه الآية نزلت في القائم المهدي) (13). 3- وفي تفسير العياشي: إن علي بن الحسين (ع) قرأ آية: (ليستخلفنهم في الأرض) قال: (وهم والله محبوناً أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة). وهو الذي قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) (14). وقال العلامة الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات: النبي وأهل بيته (صلوات الرحمن عليهم) وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (ع). وأضاف قائلاً: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة وإجماعهم حُجَّة، لقول النبي(ص): (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وأيضاً فإن التمكن في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله (عزّ اسمه) لا يخلف وعده(15). وأختم النقطة الأولى بكلمات عذبة وعبارات جزلة وردت في قنوت إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف، يبشر بإنجاز الوعد الإلهي: (.. يا من لا يخلف الميعاد، أنجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي، وصبّرهم وانصرني على أعدائك.. سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام وتفضلت به علي دون كثير من خلقك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجز لي ما وعدتني، إنك أنت الصادق، ولا تخلف الميعاد، وأنت على كل شيء قدير) (16). - الآية الثانية: قال تعالى: -(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (17). الظاهر أن المراد بالزبور كتاب داود (ع) وقد سمي بهذا الاسم في قوله: (وآتينا داود زبوراً) (18)، وقيل: المراد به القرآن، وقيل: مطلق الكتب المنزّلة على الأنبياء أو على الأنبياء بعد موسى ولا دليل على شيء من ذلك. والمراد بالذكر قيل: هو التوراة وقد سماها الله به في موضعين من هذه السورة وهما قوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (19) وقوله: (وذكراً للمتقين) (20) وقيل: هو القرآن وقد سماه الله ذكراً في مواضع من كلامه.. والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات إما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا، لتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدى الآية أن الأرض ستتطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً(21). وقيل في تفسير الأمثل: وكلمة الأرض تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافة أنحاء العالم إلا أن تكون هناك قرينة خاصة في الأمر، وإن كان البعض قد احتمل أن يكون المراد وراثة كل الأرض في القيامة، إلا أن ظاهر كلمة الأرض تعني أرض هذا العالم عندما تذكر مطلقة. ولفظ الإرث، يعني انتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلط وانتصار قوم صالحين على قوم ظالمين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم.. كما في شأن بني إسرائيل: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) (22). وقد وردت هذه البشارة في الكتب السماوية السابقة، على أن الأرض سوف تستخلف من قبل أناس صالحين يرثونها ويرثون من عليها وهي استحقاق ومكافأة لهم من قبل البارئ عزّ وجل. البشارة في مزامير داود (ع)إن البشارة لم يذكرها القرآن الكريم فحسب!! بل ذكرتها جميع الكتب السماوية إشارة لهذا المعنى الدقيق كما لا يخفى، وإليكم بعض النصوص من مزامير داود(ع): 1- جاء في الجملة 18 من المزمور 37: (إن الله يعلم أيام الصالحين وسيكون ميراثهم أبدياً). 2- جاء في المزمور 37 جملة 27 : (لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم.. ). إن البارئ عزّ وجلّ قد ذكر حقائق مؤكدة وثابتة على مرّ العصور والدهور سواء في الزبور: (ولقد كتبنا في الزبور) أو في غيره من الكتب السماوية، وقد توجت الآية بـ(لقد) و(أن) المستخدمة للتحقيق والتأكيد وقد ذكر المفسرون أن (وراثة الأرض) في هذه الآية لها معنيان: أولاً: وراثة الأرض الدنيوية من منافع وغيرها. ثانياً: وراثة الأرض للصالحين الذين يعبدون الله ولا يشركون بعبادته شيئاً وهذا لا يتحقق إلا بالظهور الأقدس، وسوف يحكم الأنصار الغيارى من الشيعة الأوفياء، جميع الأرض ومن عليها ويصبحون حكام الأرض وسنامها. فيكون تأويل هذه الآية: كما رواه الشيخ الطوسي في تبيانه عن الإمام الباقر (ع): (إن ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض) ) (23). وفي رواية عن أبي جعفر (ع) قال: قوله عزّ وجل: (وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون) هم أصحاب المهدي في آخر الزمان(24). فهذا مسلم عندنا أن الأصحاب الذين جاهدوا أنفسهم، وثبتت قلوبهم على الولاء الأكمل، والدين الأمثل، وصبروا على تلكم الفترة الطويلة، وهم كاتمون إيمانهم، ولا تعرف سرائرهم!! فالنتيجة سوف يكافئهم الإمام (ع) بأحسن مكافأة دنيوية وأخروية، بحيث يجعلهم قادة لحروبه وحكاماً لأرضه التي تفسخت بالعادات السيئة والقوانين الوضعية البائدة التي لا تغني من الحق شيئاً. - الآية الثالثة: قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (25). قال المحقق السيد محمد كاظم القزويني (قدس سره) في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى أرسل رسوله محمداً (ص) (بالهدى) من التوحيد وإخلاص العبادة، (ودين الحق) وهو دين الإسلام (ليظهره) الظهور - هنا -: العلو بالغلبة بكل وضوح، قال تعالى: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمّة) (26) أي يغلبوكم ويظفروا بكم. فمعنى: (ليظهره على الدين كله) أي يعلو ويغلب دين الحق على جميع الأديان، فإن كان هذا الكلام قد تحقق وكانت الإرادة الإلهية قد تنجزت فالمعنى أن الله تعالى قد أدحض وزيّف جميع الأديان الباطلة والملل والشرائع المنحرفة، زيّفها بالقرآن وبالإسلام، وبعبارة أوضح: إن الإسلام قد أبطل ونسخ جميع الأديان، وردّ على كل ملحد أو زنديق وعلى كل من يعبد شيئاً غير الله. أما إذا أردنا أن نتحدث عن الآية على ضوء التأويل، فإن هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد، فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكان الأرض، والبلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية، والأديان الباطلة تنبض بالحياة والنشاط، وتتمتع بالحرية، بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً، إذن فأين غلبة الحق على الباطل، وأين قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وفي أي زمان تحقق هذا المعنى؟!!. لقد ذكرت رواياتنا الشريفة أن هذه الآية الشريفة تتأول بعصر ظهور الإمام صاحب العصر والزمان(عج) وفي أيام إشراقه ودولته المباركة. ودونك أخي القارئ الروايات الواردة في تأويل هذه الآية: أولاً- تفسير البرهان: عن الكافي عن أبي الفضل عن الإمام أبي الحسن الكاظم (ع)، قلت: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؟ قال (ع): هو أمر الله ورسوله بالولاية والوصية، والولاية: هي دين الحق. قال: (ليظهره على الدين كله)؟ قال (ع): يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم(عج) (27). ثانياً- أما ما ذكره شيخنا المجلسي (قدس سره): فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله الصادق (ع) عن قوله تعالى:.. فقال: والله ما أنزل تأويلها بعد. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله فإذا خرج القائم لم يبق مشرك(28)... وبالجملة يتحصل عندنا من خلال هذه الآيات الثلاث التي ذكرناها أن التأويل هو المعنى الباطني للآية القرآنية بعكس التفسير الذي هو المعنى الظاهر للآية، وأن الآيات التي ذكرت قد أولت بإمام زماننا (ع) جعلنا الله وإياكم من خدّامه وعبيده والذابين عنه والمستشهدين بين يديه الشريفتين. الهوامش:
(3) آل عمران: 7. (4) بصائر الدرجات: ص191 ج1. (5) مجمع البحرين: مادة أول. (6) بيان الأئمة (ع): ج3 ص193. (7) مجمع البيان: ج1 ص80. (8) الأنبياء: 105. (9) النور: 55. (10) النور: 55. (11) الإمام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور: ص43 -44. (12) الحجة: ص148. (13) ينابيع المودة: ص425، غيبة الطوسي: ص120. (14) نفس المصدر السابق: ص426. (15) مجمع البيان: ج7 ص152. (16) نهج الدعوات: ص68. (17) الأنبياء: 105. (18) النساء: 163. (19) الأنبياء: 7. (20) الأنبياء: 48. (21) الميزان: ج14 ص329. (22) الأعراف: 137. (23) التبيان: ج7 ص252. (24) تأويل الآيات: ج1 ص332 ح22، البرهان: ج5 ص257 ح5. (25) التوبة: 33. (26) التوبة: 8. (27) البرهان: ج4 ص330. (28) البحار: ج51 ص60.
مختصر من حياة إمام العصر والزمان الحجّة بن الحسن العسكري (عجّل اله فرجه الشريف)1ـ ولادته (عليه السلام):الأشهر في ولادته (عليه السلام) أنّها كانت في سنة (255هـ) وقيل (256) والمشهور أنّها كانت في ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان المعظم وكانت ولادته في سامراء بالاتّفاق(1). واسمه وكنيته (عليه السلام) يُوافقان اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيته ولا يجوز ذكر اسمه في زمن الغيبة والحكمة في هذا التحريم خافية وألقابه (عليه السلام) المهدي والخاتم والمنتظر والحجّة والصاحب. أما أبوه فهو حجّة الله الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) وأمّا أمّه فهي الزكيّة الطاهرة مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصيّ المسيح (عليه السلام) ولمّا أُسِّرت سمّت نفسها نرجس لئلا يعرفُها الشيخ الذي وقعت إليه. ولمّا اعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سُمّيت صقيلاً(2). وأمّا كيفية ولادته (عليه السلام) فرُوي عن حكيمة بنت أبي جعفر الجواد (عليه السلام) قالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: «ياعمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فأنّها ليلة النصف من شعبان فأن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجته في أرضه» قالت: فقلتُ له: ومَن أمّه؟ قال لي: «نرجس» . قلتُ له: جعلني الله فداك ما بها أثر فقال: «هو ما أقول لكِ» . قالت: فجئتُ لمّا سلّمت وجلستُ جاءت تنزع خفي وقالت لي: ياسيّدتي كيف أمسيتِ؟ فقلتُ: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذا ياعمّة؟ قالت: فقلتُ لها: يابُنيّة إنّ الله تبارك وتعالى سيهبُ لكِ في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة قالت: فجلست واستحت فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرتُ وأخذت مضجعي فرقدتُ. فلمّا أن كان في جوف الليل قمتُ إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلستُ معقّبة ثم اضطجعت ثم انتبهتُ فزعة وهي راقدة ثم قامت فصلّت ونامت. قالت حكيمة: وخرجتُ أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس فقال: «لا تعجّلي ياعمّة فأنَّ الأمر قد قرُب» قالت فجلستُ وقرأتُ الم السجدة ويس فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبتُ إليها فقلتُ: اسم الله عليك ثم قلتُ لها: أتحسّين شيئاً؟ قالت: نعم ياعمّة فقلتُ لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلتُ لك. قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهتُ بحسِّ سيّدي فكشفتُ الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده فضممتُه إليّ فإذا أنا به نظيف منظّف فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): «هلمّى إليّ ابني ياعمّة» فجئتُ به إليه فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال: «تكلّم يابُنيّ» قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريكَ له وأشهد أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) رسول الله ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة (عليهم السلام)» إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم قال أبو محمّد (عليه السلام): «ياعمّة اذهبي به إلى أُمّه يسلم عليها وائتني به» فذهبتُ به فسلّم عليها ورددتُه ووضعته في المجلس ثم قال: «ياعمّة: إذا كان يوم السابع فأتينا» ، قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئتُ لاسلّم على أبي محمّد (عليه السلام) فكشفت الستر لأتفقد سيّدي (عليه السلام) فلم أره فقلت له: جُعلت فداك، ما فعل سيّدي؟ فقال: «ياعمّة استودعناه الذي استودعته أُمّ موسى (عليه السلام)» . قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع جئتُ وسلّمت وجلستُ، فقال: «هلمّي إليّ ابني» فجئت بسيّدي (عليه السلام) في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يُغذّيه لبناً أو عسلاً ثم قال: تكلّم يابُنيّ، فقال: «أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين والأئمة صلواتُ الله عليهم أجمعين» حتى وقف على أبيه ثم تلا هذه الآية بسم الله الرحمن الرحيموَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ .(3) وفي رواية أخرى فلمّا كان بعد أربعين يوماً دخلتُ على أبي محمد (عليه السلام) فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه ولا لغةً أفصح من لغته فقال أبومحمّد (عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله عزّوجلّ. فقلتُ: سيّدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً فتبسّم وقال: «ياعمّتي أما علمتِ إنّا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة» فقمتُ فقبلت رأسه وانصرفت ثم عدت وتفقدته فلم أره فقلت لأبي محمد (عليه السلام) ما فعل مولانا؟ فقال: «ياعمّة استودعناه الذي استودعت أم موسى» . ورُوي عن محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) قال: لمّا ولد الخلف المهديّ (صلوات الله عليه) سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء ثم سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره ثم رفع رأسه وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام» قال: وكان مولده ليلة الجمعة(5). وعن نسيم الخادم، قالت: دخلتُ على صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بليلة فعطستُ عنده فقال لي: يرحمك الله، قالت نسيم: فرحت بذلك، فقال لي (عليه السلام): ألا أبشرك في العُطاس؟ فقلتُ: بلى قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام(6). وهناك معاجز باهرة ودلائل ظاهرة في ولادته (عجّل الله فرجه الشريف) تركناها للاختصار. 2ـ في ذكر بعض النصوص عليه (صلوات الله عليه):ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن جابر الجعفي، قال: سمعتُ جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: لمّا أنزل الله عزّوجلّ على نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ((ياأيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)) قلت: يارسول الله عرفنا الله ورسول فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): «هم خلفائي ياجابر وأئمة المسلمين بعدي أولّهم عليّ بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم عليّ بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه ياجابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم عليّ بن موسى ثم محمد بن علي ثم عليّ بن محمد ثم الحسن بن عليّ ثم سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان. قال: فقال جابر: يارسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب ياجابر هذا مكنون سرّ الله ومخزون علمه فاكتمه إلاّ عن أهله» . 3ـ في ذكر مَن رآه (عليه السلام):روى الصدوق باسناده عن محمّد بن معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوحٍ ومحمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنهم) قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) ابنه (عليه السلام) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أمّا إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى مضى أبومحمّد (صلوات الله عليه)(8). وعن عليّ بن عبد الله الورّاق عن سعد عن أحمد بن إسحاق قال: دخلتُ على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئاً: «ياأحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخلُ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه به يُدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض» قال، فقلتُ: ياابن رسول الله فمَن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مُسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال «ياأحمد بن إسحاق لولا كرامتُك على الله عزّوجلّ وعلى حججه ما عرضتُ عليك ابني هذا، إنه سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً» . ياأحمد بن إسحاق: «مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ مَن يثبّته الله عزّوجلّ على القول بإمامته ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه» . قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يامولاي هل من علامةٍ يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: «أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين ياأحمد بن إسحاق» ، قال أحمد بن إسحاق: فخرجتُ مسروراً فرحاً. فلمّا كان من الغد عدتُ إليه فقلتُ له: ياابن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت به عليّ فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: «طول الغيبة ياأحمد» فقلتُ له: ياابن رسول الله وإنّ غيبته لتطول؟ قال: «إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به فلا يبقى إلاّ من أخذ الله عزّ وجلّ عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه» . ياأحمد بن إسحاق: «هذا أمر من الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله فخذ ما أتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليّين» . ورُوي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «والله ليغيّبن إمامكم سنيناً من دهركم ولتُمحصنّ حتى يُقال: مات أو هلك بأيّ وادٍ سلك ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين» . 4ـ ابتداء غيبته الصغرى وأسبابها:تبدأ الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عليه السلام) بعد شهادة والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك في الثامن من ربيع الأول عند الصباح من سنة 260هـ وتولي الإمام المهدي (عليه السلام) الإمامة وقد بدأ الإمام المهدي (عليه السلام) غيبته بالإيعاز بنصب وكيله الأوّل وهو الشيخ الموثوق الوجيه عثمان بن سعيد العُمري نسبةً إلى جدّه عند التقائه بوفد القميّين قبل الظهر من نفس اليوم الذي استشهد فيه الإمام العسكري (عليه السلام) وانتهت هذه الغيبة بوفاة السفير الرابع والوكيل الموثوق أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري في النصف من شعبان سنة 329هـ وهي سبعون عاماً حافلةً بالأحداث الجسام انتقل فيها التأريخ الإسلامي من عقده الثالث إلى عقده الرابع. وانتقلت الوكالة الخاصة أو السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) بين أربعة من خيار خلق الله وخاصته هم: «عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان والحسين بن روح وعليّ بن محمد السمري رضي الله عنهم جميعاً». وأما السبب في غيبته (عليه السلام) فيجيبنا عنها الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها يرتاب فيها كلّ مُبطل» فقلتُ له: ولم جُعلت فِداك؟ قال: «لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه لكم» ، قلتُ: فما وجهُ الحكمة في غيبته؟ قال: «وجهُ الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات مَن تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشفِ وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلاّ وقت افتراقهما. ياابن الفضل: إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله وسرّ من سر الله وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه عزّوجلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا» . وبعد انتهاء غيبته الصغرى وذلك بوفاة النائب الرابع السمري ـ عليه الرحمة ـ ابتدأ تاريخ الغيبة الكبرى وذلك سنة 329هـ ق. 5ـ ابتداء الغيبة الكبرى:ابتداء تاريخ الغيبة الكبرى للإمام (عليه السلام) بانتهاء الغيبة الصغرى بالإعلان الذي أعلنه الإمام المهدي (عليه السلام) عام 329هـ بانتهاء السفارة وبدء الغيبة التامّة وأنّه لا ظهور إلاّ بإذن الله تعالى وهذا الزمان يمتدّ إلى يومنا هذا فنحنُ إلى الآن نعيش هذا الزمان الغيبة الكبرى الذي ينتهي بظهور الإمام (عليه السلام) فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً. 6ـ علامات ظهوره (عليه السلام):قد جاءت الأخبار متواترة بذكر علامات لزمان ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ونحن نُذكرها هنا على نحو ما ذكره المؤرخون من علمائنا (قدس سرهم) فمنها: خروج السفياني وقتل الحسني واختلاف بني العبّاس في الملك الدنياوي وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر وطلوعها من المغرب وقتل نفس زكيةٍ بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام وهدم سور الكوفة وإقبال رايات سود من قبيل خراسان وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه للشامات ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يُضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوّ ثلاثة أيام أو سبعة أيام وخلعُ العرب أعنّتها وتملّكها البلاد وخروجُها عن سُلطان العجم وقتل أهل مصر أميرهم وخراب الشام وإختلاف ثلاثة رايات منه ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان وورود خيل من قِبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة وإقبالُ رايات سُود من المشرق نحوها وفتق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة وخروج ستين كذاباً كلّهم يدّعي النبوة وخروج آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار وزلزلة حتى ينخسف كثيرٌ منها وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه ونقص من الأنفس والأموال والثمرات وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات وقلة ريع لما يزرعه الناس وإختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم أو مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردةً وخنازير وغلبةُ العبيد على بلاد السادات ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغةٍ بلغتهم ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس وأموات يُنشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرةً تتصل فتحي بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته وهذه العلامات بعضها من المحتوم والبعض الآخر من المشروط. 7 - زمان ظهوره (عليه السلام):ذكر بعض الأكابر أنّ السنة التي يقوم فيها الإمام (عليه السلام) واليوم الذي يقوم فيه قد جاءت فيه آثار عن الصادقين (عليهما السلام). فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لا يخرج القائم (عليه السلام) إلاّ في وتر من السنين: سنة إحدى، أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع» . وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «ينادي باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام جبرئيل (عليه السلام) على (يده اليمنى) ينادي: البيعة لله فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تُطوى لهم طيّا ًحتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً». وقد جاء في الأثر أنه (عليه السلام) يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرّق الجنود منها في الأمصار. وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يُفرّق الجنودَ في البلاد». وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: «يدخل الكوفة وبها ثلاثُ راياتٍ قد اضطربت فتصغو (فتصفو) له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة فيأمر أن يُخط له مسجد على الغري ويُصلّي بهم هناك ثم يأمر مَن يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى القريتين حتى ينزل الماء في النجف ويعمل على فوهة القناطير والأرجاء فكأني بالعجوز على رأسها مِكتلٌ فيه بُرٌّ تأتي تلك الأرجاء فتطحنه بلا كراء» وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء». وأمّا مُدّة حكم الإمام (عليه السلام): قد وردت الأخبار بمُدّةٍ مُلك الإمام وحُكمه (عليه السلام) وأيامه فقد روى عبدالكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ قال: «سبع سنين تطولُ له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو مُلكه سبعين سنةٍ من سنيكم هذه وإذا آن قيامه مطر الناس جمادي الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب». وفي رواية أخرى رواها المفضل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى الناس عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة ويُعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكرٍ لا يُولد فيهم أُنثى وتظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله». 8 - سيرته (عليه السلام) عند قيامه:وأمّا سيرتُه (عليه السلام) عند قيامه وطريقةُ أحكامه فقد جاء في ذلك أكثر من أثر منها: ما رواه المفضل بن عمر الجعفي قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إذا أذن الله عزّ اسمه للقائم في الخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله فيبعث الله جلّ جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم يقول له: إلى أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل: أنا أول مَن يبايعُك أبسط يدك فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاُ فيبايعوه ويقيم بمكّة حتى يُتم أصحابه عشرة آلاف نفسٍ ثم يسير فيها إلى المدينة». وروي «أنه إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السُّبُل وأخرجت الأرض بركاتِها ورُدَّ كلُّ حقٍّ إلى أهله ولم يبق أهل دينٍ حتى يُظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان أما سمعت الله تعالى يقول: ((وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)) وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمّد (عليهما السلام) فحينئذٍ تُظهر الأرض كنوزها وتُبدي بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميعَ المؤمنين». وروي أنه ليس بعد دولة القائم (عليه السلام) لأحد دولة إلاّ ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك ولم ترد به على القطع والثبات وأكثر الروايات أنّه لن يمضي مهديّ هذه الأمة (عليه السلام) إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء(17). 9 - وظيفة شيعته في زمن غيبته (عليه السلام):هناك عدّة وظائف ينبغي للشيعة مراعاتُها في زمن غيبته (عليه السلام) حتى يحظوا بقبوله ورضاه (عليه السلام) نذكر بعضها على سبيل الاختصار. منها: التسليم والانقياد وترك الاستعجال في ظهوره (عليه السلام). وأن نصله بأموالنا ونتصدق عنه بقصد سلامته (عليه السلام)، ومعرفة صفاته والعزم على نصرته والتألم لفراقه (عليه السلام) وطلب معرفته (عليه السلام) من الله عزّ وجلّ واعطاء القرابين نيابة عنه بقدر الاستطاعة، وعدم ذكر اسمه وهو نفس اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والقيام احتراماً عند ذكر اسمه وخصوصاً لقب «القائم». وإعداد السلاح للجهاد بين يديه والتوسل به (عليه السلام) في المهمّات وإرسال رسائل الاستغاثة له (عليه السلام) والصلاة عليه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وذكر فضائله ومناقبه (عليه السلام) ودعوة الناس لمعرفته وخدمته وخدمة آبائه الطاهرين والاهتمام بأداء حقوقه (عليه السلام) والدعاء لأنصاره وخدّامه ولعن أعدائه والتوسل بالله تعالى لأن يجعلنا من أنصاره ورفع الصوت بالدعاء له (عليه السلام) وخصوصاً في المجالس والمحافل العامّة والطواف حول الكعبة المشرفة نيابة عنه (عليه السلام) والحجّ عنه (عليه السلام) وتجديد العهد والبيعة له (عليه السلام) في كل يوم أو في كل وقتٍ ممكن وزيارة مراقد الأئمة الأطهار عنه (عليه السلام) وتكذيب مَن يدّعي النيابة الخاصة عنه (عليه السلام) في هذا الزمـان ـ زمان الغيبة الكبرى ـ . وعدم تعيين وقت لظهوره (عليه السلام) والتقية من الأعداء والتوبة الحقيقية من الذنوب وعدم قسوة القلب بسبب طول غيبته (عليه السلام) والاهتمام في اكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة وأداء الطاعات والعبادات الشرعية واجتناب المعاصي والذنوب التي نُهي عنها في الشرع المقدّس. وقرأه دعاء الندبة المتعلّق به (عليه السلام) في يوم الجمعة وعيد الغدير وعيد الفطر وعيد الأضحى. وزيارته خصوصاً في يوم الجمعة المخصّص له (عليه السلام). والبكاء على فراقه ومصيبته (عليه السلام)(18)لما ذكرناه في أول الكلام من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: «والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحصنّ حتى يُقال: مات أو هلك بأيّ وادٍ سلك ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين» . بلى والله وقد دمعت عيون الكثير من المؤمنين. «ليت شعري أين استقرّت بك النوى أم أي أرضٍ تقلّك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى... . متى ترانا ونراك وأنت تؤم الملأ..» اصــاحـب الـعـصر أدركـنـا فليس لنا وردٌ هنيئ ولا عيش لنا رغدُ طـالت لـيال الانـتظار فـهل يابن الـزكـيّ لـلـيلِ الانـتـظار غـدُ فـاكحل بـطلعتك الـغراء لـنا مقلاً يـكاد يـأتي عـلى إنـسانها الـرمدُ(20)اللَّهم عجِّل فرجه وسهِّل مخرجهواجعلنا حال ظهوره في خير وعافيةإعداد الشيخ كاظم البهادلي
(1) كمال الدين وتمام النعمة: 424 والأرشاد 2 : 339. (2) بحار الأنوار 51 : 335. (3) كمال الدين وتمام النعمة: 425. (4) كشف الغمة 3 : 304. (5) مدينة المعاجز 8 : 38. (6) الغيبة (للطوسي): 332. (7) كمال الدين وتمام النعمة: 253. (8) كمال الدين وتمام النعمة: 384. (9) كمال الدين وتمام النعمة: 385. (10) الأمامة والتبصرة: 125. (11) علل الشرائع 1 : 246. (12) الأرشاد 2 : 380. (13) الأرشاد 2 : 381. (14) بحار الأنوار 52 : 337. (15) بحار الأنوار 52 : 337-338. (16) الارشاد 2 : 284. (17) كشف الغمّة 2 : 266. (18) تقدم عن الأمامة والتبصرة: 125. (19) مقطع من دعاء الندبة انظر كتاب المزار (للمشهدي): 580. (20) مقطع من قصيدة للسيد رضا الهندي (رحمه الله) انظر رياض المدح والرثاء: ص91. |