سفراء الإمام المهدي

سفراء الإمام المهدي عجل الله فرجه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، فاطر السماوات والأرضين.

والصلاة والسلام على أحب خلقه وسيد بريته حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين الغرّ الميامين.

واللعن الدائم على أعدائهم وظالميهم وقاتليهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم وجاحدي حقوقهم قاطبة، من الجن والإنس إلى يوم الدين، آمين رب العالمين.

 

سفراء الإمام عليه السلام:

بحثنا هذه الليلة بعون الله في سفراء الله، سفراء الإمام المهدي، والتشرف بخدمته ووظائفنا في غيبته.

مسألة السفراء في الغيبة الصغرى التي دامت ما يقارب سبعين سنة، هذه المسألة ثابتة حقيقة لكن يلزم التعرض لها للتأكيد في ثبوتها وإثباتها أمام التساؤلات أو الشبهات في مقابل البديهة التي ألقاها بعض العامة، نبين بعض كلماتهم.

إذاً لابد من هذا البحث، لأنه يفيدنا في التثبيت وفي دفع الشبهات العامية.

ابتداءً السفارة إذا كانت بفتح السين بمعنى الرسول، وبكسر السين بمعنى المصلح، وكلا المعنيين في السفير موجود.

السفير هو الرسول، وهو الواسطة والمصلح، وفي زيارة أمير المؤمنين أرواحنا فداه: السلام عليك يا سفير الله إلى خلقه.(1)

هذه المعاني المقدسة _ الواسطة، الوسيلة، المصلح _ من قبل الله تعالى إلى خلقه أطلقت على السفراء الأربعة الذين نابوا عن سيدنا الإمام المهدي أرواحنا فداه في مدة الغيبة الصغرى، المشايخ الأربعة يعني: عثمان بن سعيد العمري الزيات، وولده محمد بن عثمان، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، هؤلاء المشايخ الأربعة الطيبون العدول الثقات أصحاب جلالة القدر، بشهادة أكابر وأعاظم علمائنا ممن نظروا، وحظروا، وشهدوا، هؤلاء السفراء.

سفارتهم ثابتة، ونيابتهم وبابيتهم ووكالتهم عن الإمام المهدي أرواحنا فداه ثابتة بالأدلة التي سنذكرها إن شاء الله.

لكن هناك شبهة من بعض الكتب العامية مضمونها _ أطال كلامه في الشبهة _ وخلاصتها:

أن الشيعة تزعم سفارة بعض المشايخ عن مهديهم، لو فرضنا وجود المهدي، إلا أن سفارة هؤلاء ليس لهم دليل عليها، لماذا؟ _ بماذا يحتج هذا الشخص _ وذلك لأن الحسين بن روح وهو أحد هؤلاء السفراء بعث كتابه كتاب التأديب إلى قم ليصححوه، فإن كان سفيراً عن المهدي فلِمَ لم يعرضه على المهدي ليصححه؟ بعثه إلى علماء قم لصححوه.(2)

هذا مضمون الكلام والشبهة التي أطال فيها، واحتج بها، وهي حجة وليست بحجة، لماذا؟

أولاً: إن الذي يشير إليه هذا الشخص _ وهو إرسال كتاب التأديب إلى قم _ هو ما ذكره شيخ الطائفة أعلى الله مقامه في كتاب الغيبة صفحة 240 عبارة: «بعث الشيخ حسين بن روح كتاب التأديب إلى قم، وكتب إليهم: لاحظوه انظروا فيه هل فيه شيء يخالفكم؟».

هذه جميع العبارة، وليس فيها أنه أرسله للتصحيح، خصوصاً مع هذا التعبير (هل فيه شيء يخالفكم)، ولم يقل: تخالفونه، لا أريد التصحيح أنتم لاحظوا هل لكم رأي في مقابل هذا، ليس المقصود تصحيح الكتاب، ولم يقل الحسين رحمه الله: هل فيه شيء تخالفونه، بل قال: هل فيه شيء يخالفكم، تثبيتاً لهذا الكتاب.

ولعله مثل الحسين لا يصنع إلا ما أمره المهدي روحي فداه، فلعله بأمر المهدي تثبيتاً لهذا الكتاب في أهل قم.

ثم لمن أرسله؟ أرسله إلى محمد بن عبد الله الحميري شيخ القميين أعلى الله مقامه، ومحمد بن عبد الله هو صاحب التوقيعات والمسائل من الحسين بن روح، هو يسأل الحسين بن روح، أمّا الحسين يسأل من عنده فهذ غير معقول.

مسائل محمد بن عبد الله الحميري مذكورة في الكتب، كتب الأخبار والكتب الفقهية التي يستدلون بها، عن طريق الحسين بن روح، يسأل الحسين هكذا: جعلني الله فداك، وقاك الله من كل سوء، مالك في هذه المسألة، يسأل الحسين، ثم الحسين يسأل الإمام الحجة فيجيبه.

إذاً هو يسأل الحسين، فكيف الحسين يسأل من عنده؟ شيء غير معقول.

إضافة إلى أن العبارة لا توجب هذا المعنى (هل فيه شيء يخالفكم)، ولم يذكر تصريحاً في المقام.

جعل هذه حجة، أنه إذا كان نائب الإمام، سفير الإمام الحجة لِمَ لَم يصحح الكتاب عنده؟

 

الأدلة على السفارة:

بلى ثبتت سفارة هؤلاء بالأدلة التي سنذكرها عندنا، بل هي محل الاطمئنان والقطع واليقين عند الشيعة.

إنهم سفراء الإمام المهدي بلا شك ولا ريب من وجوه شتى، بأدلة كثيرة، ليس بين الشيعة أي خلاف فيها، لم أر بالرغم من التحري الكامل من هذه الجهة، لم أر خدشاً _ شهد الله _ في سفارة هؤلاء من أحد من علماء الشيعة أبداً، بل كما في كتاب _ الإمامة والمهدوية _ أجمعت الشيعة على أمانتهم وعدالتهم وسفارتهم ومقامهم وعلوّ درجتهم، محل إجماع الشيعة، مجمع عليه، كيف ليس لدينا دليل؟!

أولاً: الإجماع، إجماع الشيعة، وليس في هذا الأمر خلاف، ثانياً الأدلة موجودة بالنسبة إلى سفارة هؤلاء عن الإمام في نفس الرسائل، الكتب، التوقيعات، الروايات التي وردت في جلالة قدرهم.

وسنذكرها إن شاء الله، لكن قبل أن أبين شيئاً يدلنا على سفارة ووكالة هؤلاء.

أولاً: الإجماع المتقدم، وليس بين الشيعة أي خلاف.

ثانياً: كلام الطبرسي صاحب الاحتجاج في الاحتجاج(3)، حيث يقول _ رحمه الله _: ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر روحي فداه، يعني بالوكالة والسفارة.

أنت سلمت أن الإمام المهدي موجود لكن سفارة هؤلاء لم تثبت. لكنه موجود ونص على هؤلاء، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، منصوص من قبل صاحب الأمر مباشرة، أو بنص السفير السابق عليه، لا ينطق ذلك السفير إلا عن الحجة روحي فداه. هذا ثانياً.

ثالثاً: لم تقبل الشيعة _ كما يقول الطبرسي رحمه الله _ قول هؤلاء إلا بعد ظهور آية، أو معجزة تظهر على يد كل واحد منهم، مع جلالة قدرهم.

بمجرد أن بينوا شيئاً عن الإمام المهدي، رسالة عن الإمام، أو كلاماً أو أمراً عن الإمام لم يقبلوا إلا بعد ظهور المعجزة على يدهم.(4)

وقد صدرت معاجز للإمام يذكرها بالتفصيل كتاب الغيبة للشيخ الطوسي(5)، فيما يقارب خمس صفحات، ظهرت معاجز على يدهم، إنباءات غيبية بما يريده السائل ويضمره فيجيبه هذا الشيخ، أو بالنسبة إلى بعض المعاجز التي تكون هي خارقة للطبيعة والعادة ظهرت على يد هؤلاء بواسطة الإمام المهدي.

لن تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر، تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم هذا ثالثاً.

رابعاً: تؤيدنا الزيارة التي وردت لهؤلاء السفراء _ رزقنا الله زيارتهم _ ينقلها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه في التهذيب(6)، بعد زيارة المعصومين أرواحنا فداهم، يذكر استحباب زيارة هؤلاء السفراء الأربعة، ثم يذكر في زيارة هؤلاء السفراء هذا النص في كل واحد من هؤلاء الأربعة:

أشهد أنك «باب المولى، أديت عنه وأديت إليه، ما خالفته ولا خالفت عليه، والسلام عليك من سفير ما آمنك ومن ثقة ما أمكنك».

صريح في سفارتهم، ونيابتهم، وأمانتم أداء عن الإمام المهدي عليه السلام لذلك الشيعة لهم دليل، دليل اطمئناني جزمي في سفارة هؤلاء.

خامساً: النصوص المبينة لوكالة هؤلاء، النصوص المعبرة بنيابة هؤلاء، نصوص صحيحة معتبرة نصت على هؤلاء.

كيف لم يكن لهم دليل؟!

نذكر هذه النصوص في ضمن بيان تراجم هؤلاء السفراء الأربعة رضوان الله عليهم.

وبيان هؤلاء إضافة إلى كونه إثباتاً لسفارتهم، رأيت رواية عن الإمام الرضا روحي فداه في عيون الأخبار، ينقلها الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في رسالة شرايع الإسلام، يذكر فيه الإمام الرضا عليه السلام الأمور التي هي من صميم شريعة الإسلام، من الصلاة والصوم والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومودة أهل البيت، إلى أن يصل إلى المحبة، يبين الإمام أن من شريعة الإسلام، ومن شريعة الدين محبة الذي مضوا على منهاج نبيهم ولم يغيروا ولم يبدلوا الولاية لأتباعهم وأشياعهم، والمهتدين بهداهم والسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم.(7)

ولا شك أن هؤلاء السفراء على هذه الجلالة من القدر ممن سلكوا منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهاج الأئمة، ليس فيهم تغيير ولا تبديل أبداً.

لذلك مقدمة لمحبتهم نعرفهم فنحبهم استدلالاً على سفارتهم وبياناً لجلالة قدرهم، وواسطة في محبتهم والاعتقاد بهم على صعيد النيابة والسفارة.

وقبل أن أبين هذا المعنى، ذكر بعض الأفراد وبعض الشخصيات والثقات في مقام التوثيقات والتوقيعات التي هي عن الإمام المهدي، لذا سأل بعض الاخوان: ما الفرق بين مثل العمري وبين أبي القاسم بن العلاء رحمه الله، فإن هؤلاء كلهم سفراء؟

الظاهر أن هناك فرقاً، بل قطعاً هناك فرق بين السفارة والوكالة للسفراء الأربعة.

الوكلاء عنهم في البلدان المختلفة، كأنه هؤلاء وسائط في جلب رسائل الناس إلى السفراء في بغداد، وفي بعث رسائلهم وأجوبتهم إلى تلك المدن.

هناك وكلاء أو سفراء الإمام المهدي منحصرون بالأربعة، والبقية الذي نراهم يحملون التوقيع أو يبينون شيئاً، هؤلاء وكلاء عن هؤلاء السفراء أحصاهم في تنقيح المقال وهم عشرون شخص(8)، هؤلاء وكلاء عن هؤلاء السفراء، لذلك كان هؤلاء السفراء الخاصون النواب الأربعة من جهة خصوصيتهم هم يحملون الرسائل والأجوبة والمسائل مباشرة مع الإمام المهدي روحي فداه ويرونه ويسألونه ويبلغون عنه، بينما الوكلاء يراسلون عن طريق هؤلاء السفراء، هذه من جهة.

ومن جهة أخرى الحفاظ على الشيعة وعقائدهم كانت مهمة السفراء الأربعة في جميع البلدان، لكن بالنسبة إلى الوكلاء، كل واحد منهم كان مسؤولاً عن محله ووظيفته، لذلك هناك فرق بين السفير وبين الوكيل من جهة شأنه ومن جهة عمله.

الوكلاء العشرون _ حتى لا يختلطوا بالسفراء _ أحصاهم في التنقيح، وهم:

أحمد بن إسحاق الأشعري من قم.

أبو هاشم الجعفري، محمد بن جعفر الأسدي عن ري.

حاجز بن يزيد الملقب بالوشاء من بغداد.

أبو إسحاق إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، ومحمد بن إبراهيم من أهواز.

القاسم بن العلاء من أهل آذربيجان.

ولده الحسن بن القاسم، ومحمد بن شاذان النعيم من أهل نيشابور.

أحمد بن حمزة بن اليسع، ومحمد بن صالح من همدان.

العاصمي من الكوفة.

إبراهيم بن محمد الهمداني العطار من بغداد.

الشامي من ري.

أبو محمد الوجناتي، وعمر الأهوازي، وأبو عبد الله الحسين في قم.

أيوب بن نوح بن الدراج، أبو جعفر محمد بن أحمد في بغداد.

هؤلاء الوكلاء، ويكونون في حيطة المحافظة على الدين كل في منطقته وفي حيطته، وأما السفراء فهم أربعة لا يزيدون على ذلك.

 

السفراء الأربعة:

بالنسبة إلى السفراء الأربعة:

 

الأول: أبو عمر عثمان بن سعيد العمري السمان الزيات الأسدي:

بدأ حياته السعيدة من زمن الإمام الهادي عليه السلام صاحب الإمام الهادي، ثم الحسن العسكري ثم الإمام المهدي أرواحنا فداه، توكل عنه، ناب عنه، كان سفيراً من قبله، ووكالته وسفارته تثبت من روايات عديدة، لكن بعنوان التبرك نقرأ رواية أو روايتين من كل واحد ليتبين وجود الدليل على سفارة هؤلاء.

بالنسبة إلى عثمان بن سعيد فيكفينا حديث عبد الله بن جعفر الحميري الموجود في أصول الكافي قال: أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن _ يعني الإمام الهادي روحي فداه _ وقال: سألته وقلت له: من أعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عني فعني يقول، وما قال لك فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه ثقة وثقتي في المحيا والممات(9). في زمان حياتي وبعد موتي عند وجود الإمام المهدي.

وكذلك في حديث جعفر بن محمد بن مالك الفزاري المنقول في رجال الكشي ينقل عن جماعة من الشيعة منهم الأجلاء: علي بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، في خبر طويل قالوا جميعاً: «اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري لنسأله عن الحجة من بعده فقال: جئتموني تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قلنا: نعم بأبي أنت وأمنا، فإذا غلام كأنه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم فاقبلوا من عثمان ما يقوله بعد يومكم هذا وانتهوا إلى أمره _ في زمان الغيبة _ واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه»(10). نص على خلافته وسفارته.

إذاً سفارة عثمان بن سعيد من المنصوصة من قبل الإمام الهادي والعسكري والمهدي أرواحنا فداهم.

توفي رضوان الله عليه ودفن في الجانب الغربي من بغداد في شارع الميدان، وله مقام معروف يزار فيه. رزقنا الله زيارته.

 

الثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان العمري الأسدي الزيات:

وهو الورع النقي الذي لم يختلف في تقواه اثنان من علماء الشيعة، خدم الإمام العسكري والإمام المهدي خمسين سنة سفراً وحضراً.

يظهر من بعض الروايات أنه كان في خدمة الإمام في سفره وحضره في مكة وفي غير مكة.

وجلالة قدره وسفارته تتبين من أحاديث كثيرة منها:

حديث محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي في الغيبة للشيخ الطوسي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمر عثمان بن سعيد والد محمد بن عثمان، خرج هذا التوقيع من الناحية المقدسة عن الإمام المهدي عليه السلام:( والابن _ محمد بن عثمان _ والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر الله وجهه، يجري عندنا مجراه ويسدّ مسده _ مثل الأب _ وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل تولاّه فانتهِ إلى قوله وعرف معاملتنا ذلك.(11)

وكذلك حديث عبد الله بن جعفر الحميري خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه رضي الله عنهما: «أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عز وجل ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه، والحمد لله، فإن الأنفس طيبة بمكانه _ هنيئاً له يطيّب خاطره الإمام المهدي _ وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك، وكان الله لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً».(12)

وفي حديث علي بن أحمد الدلال القمي قال: «دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد يوماً لأسلم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة _ خشبة _ ونقاش ينقش عليها ويكتب آي من القرآن الكريم وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: هذه لقبري تكون في القبر أوضع عليها، وقد عرفت من الدلال _ يقول عن محمد بن عثمان _ وقد عرفت منه أنه قال: وأنا في كل يوم أنزل فيه _ في القبر _ فأقرأ جزءاً من القرآن فأصعد فأخذ بيدي وأراني، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى الله عز وجل، ودفنت فيه، وهذه الساجة معي، فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله في السنة التي ذكرها ودفن في ذلك القبر مع تلك الساجة».(13)

جلالة قدره مدح الإمام له يكفيه.

دفن رحمة الله عليه في بغداد قرب باب سلمان، وقبره معروف هناك يعرف بالشيخ الخلاّني، رزقنا الله زيارته.

 

الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي:

وهو الثقة السعيد الرشيد السديد الموصوف بكمال العقل والرشد في توثيقاته وفي بيان جلالة قدره والشواهد على نيابته كذلك روايات عديدة منها:

رواية محمد بن همام المذكورة في غيبة الشيخ أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل موته وكان وجوه الشيعة وشيوخها معنا فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن أجعله في موضعي _ هذا الشخص الذي يدعو له المهدي (رعاك الله حفظك الله) هذا لا يحتمل فيه الكذب _ فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه.(14)

وكذلك في الغيبة حديث جعفر بن أحمد النوبختي في حديثه: دخلنا على أبي جعفر _ يعني العمري رحمة الله عليه _ فقلنا له: إن حدث أمر فمن يكون بعدك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه وعولوا أموركم عليه، فبذلك أمرت وقد بلغت.(15)

توفي رحمه الله بعد هذه الخدمة الجزيلة، ودفن في مقامه المعروف ببغداد في سوق الشورجة.

 

الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري:

وهو كذلك ثقة جليل موسوم بالفضيلة والنبل في كتب الرجال، صحب الإمام العسكري أرواحنا فداه مدة، ثم تولى نيابة وسفارة الإمام المهدي أرواحنا فداه، كما ينص حديث الكتاب:

أوصى الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي قاسم في جميع أموره.(16)

بل من نفس التوقيع الذي صدر، وهو آخر توقيعات الإمام المهدي أرواحنا فداه بالنسبة إلى السمري تتبين سفارته بالوضوح، يعني هناك رواية صحيحة معتبرة نص فيها على أنه سفير ونائب عن الإمام المهدي عليه السلام، الرواية المعروفة التي كانت آخر توقيعات الحجة روحي فداه.

بعد ما توفي السمري أعلى الله مقامه ودفن في المكان المعروف قرب قبر الشيخ الكليني قدس الله روحه، هذا التوقيع من التوقيعات الحساسة المهمة، وقد نقل بأسناد صحيحة ومعتبرة، توجد جميع الأسناد في الغيبة للشيخ الطوسي صفحة 242 وكمال الدين صفحة 516 والاحتجاج للطبرسي المجلد 2 صفحة 297، حديث معتبر من التوقيعات المقدسة إلى السمري، ينقلها جميع هؤلاء هذا نص الحديث، بالأسناد المعتبرة إلى أحمد بن الحسن الكتب شيخ الشيخ الصدوق قال:

كنت بمدينة السلام، في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، وحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً رأيناه، نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال المكتب فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده.(17)

أخبره الإمام أنه بينه وبين ستة أيام إلى اليوم السادس توفي السمري.. فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك من بعدك؟ قال: لله أمر هو بالغه.

وهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه، ثم توفي رحمه الله سعيداً.

السند معتبر، المتن صريحِ، والقرينة العلمية موجودة، فيها إخبار بالغيب أنه يموت إلى ستة أيام، ومات على رأس الستة ولا يحدد ذلك صادقاً غير الإمام روحي فداه.

لذا من الأحاديث المعتبرة التي بينت مسألة السفارة عن الإمام المهدي روحي فداه أنه تمت الغيبة الصغرى ووقعت الغيبة الكبرى التامة والسفارة منتهية.

بالنسبة إلى هذا التوقيع الشريف يستفاد من قوله عليه السلام: «فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة»، لا توص لأحد لأنه ليس هناك بعده نيابة خاصة، أو سفارة خاصة، نعم النيابة العامة موجودة ببركة حديث إسحاق.

أما السفارة الخاصة وادعاء السفارة الخاصة عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بصريح هذه الرواية مردودة.

رؤية الإمام عليه السلام

لكن يبقى في التوقيع الشريف شيء يثير التساؤل، وهو: «ألا فمن ادعى المشاهدة...» تحريض وتأكيد وبيان صريح: «ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ».

ألا تكون هذه الفقرة مكذبة لما يدّعى من التشرفات والمشاهدات التي وقعت في الغيبة الكبرى؟! فإنه عليه السلام قال: فكذبوه أو فهو كذاب مفتر، والتعبير بأنه كذاب مفتر، ألا يقول بأنه إذا ادعيت المشاهدة تشرفاً في الغيبة الكبرى تكون مفتراة.

يحدث هذا السؤال في الذهن، لكن الظاهر بأن الحقيقة أنه لا تنفي هذه الفقرة الشريفة التشرفات التي حدثت من الأعيان ومن الأعاظم من المؤمنين من الأجلاء في الغيبة الكبرى لماذا؟

 

لوجوه ثلاثة:

أولاً: يحتمل في معنى هذه الفقرة: «الا فمن ادعى المشاهدة فكذبوه» بقرينة المقام، بما أنها في توقيع السفارة الخاصة لعلي بن محمد السمّري لعل المعنى: المشاهدة على نحو السفارة، أي هكذا مشاهدة، مثلك يا علي بن محمد السمري، بقرينة أنه في التوقيع توقيع للسفير مشاهدة السفير _ ألا فمن ادعى المشاهدة _ هكذا كمشاهدتك كسفارتك، مشاهدة نيابية، مشاهدة سفارية، هكذا مشاهدة فكذبوه.

وخصوصاً _ سيأتي من يدعي المشاهدة _ هكذا مشاهدة لعلها تكون على الوجه الذي نبّه عليه شيخ الطائفة أعلى الله مقامه تنبيهاً على من يدعي السفارة كذباً عن الإمام المهدي روحي فداه، ثم أحصاهم الشيخ في الغيبة صفحة 244 قال: مثل حسن الشريعي ومحمد بن نصير النميري وأحمد بن هلال الكرخي ومحمد بن علي بن بلال والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف ابن أبي العذافر وأبي دلف محمد بن المظفر الكاتب الأزدي ومحمد بن أحمد البغدادي ممن شملهم حديث اللعن.

كلام الشيخ الطوسي _ ألا فمن ادعى المشاهدة _ الشيخ يفيد أنه هكذا مشاهدة وهكذا بيان ادعاء افترائي ممن يدعي المشاهدة السفارية والنيابية هذا معنى.

ثانياً: المعنى الثاني المحتمل _ والعلم عند الله _ أن تكون معنى المشاهدة بلحاظ القرينة السياقية اللفظية: المشاهدة في الكلام العربي العرفي تكون فيمن ينظر أحداً ويعرفه، شاهدت زيداً يعني رأيته وعرفته. إذا لم يعرف لم يقل: شاهدته، المشاهدة بالنسبة إلى من ينظر ويعرف _ ألا فمن ادعى المشاهدة فهو كذاب مفتر _ يعني من يقول أنه شاهد الإمام المهدي وعرفه هكذا يكون في هذه المثابة.

وأغلب التشرفات التي حصلت لم يعرف فيها الإمام المهدي إلا بعد الانصراف عن خدمته، تنبهوا أنه الإمام المهدي في أغلب المشاهدات، إلاّ الأوحدي من أعاظمنا.

الحديث الشريف بالنسبة إلى المشاهدة بمعناها العرفي اللفظي، يعني المشاهدة مع المعرفة، المشاهدة مع معرفة الإمام، هذه تُكذّب، لا كل مشاهدة، فلا تشمل المشاهدات التي كانت في عهد الغيبة الكبرى بالنسبة إلى المؤمنين الذين لم يعرفوا الإمام ثم عرفوه هذا المعنى الثاني.

ثالثاً: المعنى الثالث، ولعله معنى مناسب أيضاً: أن نلاحظ نفس التعبير _ ألا فمن ادعى المشاهدة _ من يصدق في حقه الدعوى العياذ بالله بالنسبة إلى الدعوى، فالمذكور في كتب القضاء أن المدّعي من إذا ترك تُرك وأن قوله يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى إثبات، فادعاء المشاهدة إنما يكون بالنسبة إلى الشخص الذي لم تتم له المرحلة المعلومة من جلالة القدر كالمقدّس الأردبيلي أو السيد بحر العلوم أو العلامة الحلي الذين لم يحتمل في كلامهم الخلاف العياذ بالله أبداً، فليس من المحتمل أن يصدر من أحد هؤلاء كذب حتى يكون كلامه محتاجاً إلى إثبات، حتى تناسب الدعوى.

إذا أخبرتم جنابكم عن شيء وكان ثابتاً لا يقال: ادعى شيئاً، بل يقال: أخبر عن شيء، أما ذلك الذي يحتاج إلى دليل فيقال له: ادعى هذا الشيء، وهو يحتاج إلى بينة وإلى إثبات، لذلك تكون الدعوى في النـزاع وفي المنازعات _ ألا فمن ادعى _.

الإمام روحي فداه بناءً على هذا الاحتمال _ والله العالم _ لا يقول جميع المشاهدات أو كل مدعي المشاهدة، بل من ادعى المشاهدة، أي يكون مدعياً للمشاهدة مفترياً كذاباً.

وأما أمثال المشاهدات التي يبينها علماؤنا الأبرار ليس فيها احتمال الكذب، وليس يصدق عليها الدعوى في هذا المقام.

هذا من جهة ومن جهة أخرى بعض الأمور التي بينت في المشاهدات والتشرفات في زمن الغيبة الكبرى لم تكن دعوى قطعاً، لأنها كانت مرفقة بالدليل وبالبرهان وبالقرينة العلمية القطعية.

لم تكن دعوى، فتخرج عن هذه الدعوى تخصصاً، تكون خارجة عن: _ ألا فمن ادعى المشاهدة _ إذا كانت دعوى، أما إذا كانت تشرفات مع الدليل ومع البينة القطعية، فلا تشمل هذه التوقيعات مثل هذه المشاهدة والتشرف.

على سبيل المثال قضية إسماعيل الهرقلي، لعل أغلبكم يعرفها، فلا نحتاج إلى تطويل، قضية إسماعيل الهرقلي رضوان الله عليه وتشرفه بالإمام المهدي في سامراء مع تلك القرحة الخبيثة التي كانت في رجله اليمنى، ولم يمكن للأطباء معالجتها فأوصوا بقطع الرجل، فانتقل إلى سامراء وتوسل بالإمام المهدي عند شاطئ دجلة هناك، بعدئذٍِ توجه إليه الإمام المهدي وجعل يده على موضع الجرح.

يقول إسماعيل بعد ذلك _ وهذه النكتة أبينها _ أولاً الجرح الذي كان في رجل إسماعيل الهرقلي شاهده السيد رضي الدين بن طاووس وجميع الشيعة في محلة بغداد، بل وبعض العامة كذلك شاهدوه ثم وقعت هذه المعجزة: لمسه الإمام المهدي بيده فلم تكن بعد لمسه أبداً أي آثار للجرح، لم تكن حتى أنه نفسه شك في ذلك.

وكانت القرحة في الرجل اليمنى لاحظ لعله كانت في اليسرى، لاحظها لا في اليمنى ولا في اليسرى، حتى أنّه نبت الشعر في مكان القرحة في اللحظة، ثم أبان هذه الفضيلة عندما رجع، أبانها إلى السيد رضي الدين بن طاووس وأراه هذه القرحة، رآه الشيعة، والعامة، حتى المستنصر العباسي مذكور في الأخبار أنه رأى هذه القرحة وأراد أن يكرمه لم يقبل منه التكريم.(18)

إذاً مشاهدة إسماعيل الهرقلي لا يقال لها: إنها دعوى، إنها إخبار مع البينة ومع الدليل، خبر مع البرهان كيف تكون دعوى؟ تكون خارجة تخصصاً هذا ثانياً.

وثالثاً أن الذي لاحظناه وشاهدناه ولمسناه أن الأبرار الذين يتشرفون بخدمة الإمام المهدي لا يدّعون ذلك، لا يقولون بذلك، يحفظون هذا الأمر، يتحفظون على هذه الفضيلة، لا يراؤون في هذا الشيء.

والذي تبين من علمائنا تبين قهراً، تبين بدون إعلان منهم. قضية حدثت فبانت، فضيلة انكشفت.

المير غلام تلميذ المقدس الأردبيلي اقتفى أثره من النجف إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى النجف، ثم بسؤاله تبين للمقدس أنه وراءه فاضطر إلى إعلامه قال: لا أتركك حتى تبين لي لماذا جئت إلى الكوفة وماذا سمعت؟ فرأى المقدس الأردبيلي نفسه مجبوراً على البيان.

أو قضية عيسى البحراني لأجل إثبات حقانية الأمير عليه السلام.

نوعاً. التشرفات إما لم تبين، وإذا بينت كان بيانها قهراً أو دليلاً وبرهاناً لأجل مظلمة.

لذلك التشرفات من أوليائنا من الثقات، التشرفات المنقولة من الثقات، من الأولياء، من الأبرار، من الصادقين لا تنافي هذه الفقرة الشريفة:«ألا فمن ادعى المشاهدة» لا تنافيها للوجوه الثلاثة التي بيناها.

فالتشرف إذاً لا يمتنع بواسطة هذه الفقرة الشريفة، بل إن التشرف لعله يؤيدنا من جهة كونه من علمائنا، فلا ينافي هذا الكلام، وهذا التوقيع.

دعاء التشرف، دعاء الوصول بالخدمة: اللهم أرني وجه وليك الميمون في حياتي وبعد الممات. فإذا لم يمكن التشرف والنظر كيف ندعو بذلك؟!.

أو اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، وأكحل ناظري بنظرة مني إليه.

إذاً يمكن لا مانع في التشرف، لكن مع دليل، تشرف مع برهان، تشرف مع وثاق.

بل هناك بعض الأدلة ومن ضمنها، توقيع الشيخ المفيد أعلى الله مقامه، أعني الرسالة الثانية للشيخ المفيد قدس الله روحه، تبين مكان التشرف، وطريق التشرف، ليس هناك طريق الا من طريقهم، إلا ببيانهم، إلا بحجتهم.

كيف نتشرف بخدمتهم كيف نصل إلى تقبيل رجل الإمام المهدي روحي فداه؟ نسأل نفس الإمام لا أنفسنا. هناك بيان صريح في التوقيع الثاني للشيخ المفيد أعلى الله مقامه من الإمام الحجة روحي فداه يبين بأي وسيلة تتشرفون، وإليكم هذا التوقيع لأهميته في هذا المقام.

التوقيع الثاني مذكور في الاحتجاج(19) دققوا في العبارة أرجوكم إخواني الأعزاء:

«لو أن أشياعنا _ وفقهم الله لطاعته _ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها...».

يشاهدونني ويعرفونني مشاهدة صادقة...

«فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكره ولا نؤثره منهم».

مثلي وأمثالك قد نفعل شيئاً لا يرضى الإمام المهدي بأن يصل إليه، ويكرهه، فلا يحب ملاقاتهم...

إذاًَ طريق التشرف مسموح باجتماع القلوب على الوفاء بالعهد، وعدم فعل ما يكرهه الإمام المهدي روحي فداه.

رزقنا الله التشرف به.

كنت أود ان أكمل هذا البحث في هذه الليلة الختامية من هذا المجلس الشريف، لكن الظاهر أنه «عبدي تريد وأريد، ولا يكون ِإلا ما أريد»(20)، إرادة الله كأنه لم تتعلق بإكمال البحث.

هناك بحث شريف في وظائف الأمة في زمان غيبة الإمام روحي فداه، ثم ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه وقيامه ودولته الحقة. ولكن مع ذلك يؤجل إلى وقت آخر إذا الله وفقني، وحفظكم الله وحفظ هذه المؤسسة والمدراء الكرام.

ووصيتي لكم وإن كنت أصغركم في هذا المقام، لكنه رجاء أخ مؤمن لكبار إخوانه وهم أنتم أن لا تنسوا الإمام المهدي من الدعاء، أكثروا من الدعاء له، فقد نص الإمام المهدي في توقيعه لمحمد بن عثمان العمري «وأكثروا بالدعاء لتعجيل الفرج، فإن في ذلك فرجكم»(21) مأمورون بالدعاء للإمام المهدي روحي فداه.

الدعوات التي نقلت بالاسناد المعتبرة في الكتب المعتبرة.

منها الدعاء عن الإمام الرضا روحي فداه، العجيب أنه قبل ولادة الإمام في الحديث المعتبر الشريف صحيحة يونس بن عبد الرحمن، ينقل دعاء الإمام الرضا للإمام المهدي، وأوله:

«اللهم ادفع عن وليك...»(22) موجود بعد دعاء العهد بعد دعاء الندبة في المفاتيح، وكان الإمام الرضا يأمر بهذا الدعاء وقراءته.

إذاً الدعاء يكون من جهة الإمام المهدي ندعو له قطعاً، لطفه وإحسانه يقتضي أن يدعو هو لنا ويشملنا بدعائه المستجاب.

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً.

 

الأسئلة والأجوبة:

س1/ لماذا نقوم عند سماعنا باسم الإمام المهدي؟ فإذا كان السبب هو التأهب والاحترام فمن باب الأولى أن نفعل ذلك للنبي ولعلي صلوات الله عليهما؟

ج/ فعل الشيعة هذا تأسياً بالإمام الصادق عليه السلام، والإمام الرضا عليه السلام.

هناك حديثان أذكرهما في إلزام الناصب المجلد الأول.(23) صرحا أن الإمام الصادق عليه السلام أمر بالقيام لذكر الاسم الخاص بالإمام، والإمام الرضا فعل ذلك، يعني قام وجعل يده على رأسه.

فتأسياً بهما، ولأن الإمام المهدي إمام يقوم، إمام يكون له القيام فيظهر على الدين وعلى الكرة الأرضية من جهة هذه الميزة، وإن كان جميع الأئمة أحياءً، وإن كان يلزم تعظيم جميعهم، إلا أنه من باب مراعاة الخصوصية، وهي أنه يقوم فيملأ الأرض، خصّ بهذا الاحترام، وإنما نفعله تأسياً بذلك.

س2/ هناك نظريات تقول: إن بعد استشهاد الإمام الحجة صلوات الله عليه سوف تخلو الأرض منه، فما هو حال دولته؟ ومفاد الأحاديث: أنه لو لا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فكيف نوفق بين الاثنين؟

ج/ الموجود الذي رأيناه في أحاديثنا المعتبرة أنه مع وجود الإمام الحجة وقبل شهادته، يرجع الإمام الحسين روحي فداه، فيستلم دولته ويكون هو الذي يقوم بالأمر بعده(24) ولا تحدث فجوة أبداً، ولا تخلو الأرض من الإمام لحظة أبداً.

وهذا الحديث إنّما ينقله غيرنا، ومن طريق غيرنا، فليس معتبراً قطعاً.

وحديث لو خلت الأرض من الحجة... أتصور أن فيها تسعة أحاديث معتبرة، وهو الصحيح لذلك لا تخلو الأرض من الحجة، والحجة بعد الإمام المهدي هو الإمام الحسين روحي فداه بلا خلو أربعين. والحديث عامي غير مقبول، والله العالم.

س3/ ما هي الحكمة لانقطاع الإمام الحجة انقطاعاً شبه تام، بحيث أدى إلى عدم الرواية عنه في مجال الأحكام الشرعية؟! في حين كان الإمام بوسعه أن يتصل ببعض العلماء الأبرار، فيبين لهم حكماً شرعياً ينقلونه عنه كرواة، كما كان يروى عن باقي الأئمة ممن سبقه. ولعل ذلك أكثر تثبيتاً لقلوب الشيعة، وأكثر إصابة للحكم الشرعي، وأكثر حسماً للاختبار في وسط الساحة الشيعية؟

ج/ أحسنتم أخي العزيز، ما تفضلتم به الانقطاع التام لم يحدث يا أخي. ولا تنسى:«ولو لا دعاؤنا لكم لاصطلمكم الأعداء».

الانقطاع التام لم يحصل، وإنما الحاصل انقطاع غيبة مع وجود توقيعات منه في الأحكام الشرعية كما بيناه. مر 42 توقيع مشتملة على كثير من الأحكام الشرعية.

ومع إرجاعه إلى الرواة في حديث إسحاق «إلى رواة أحاديثنا»(25) فهو إرجاع إلى الأحاديث المعتبرة التي هي مدونة في الأصول الأربعمائة من الشيعة، وهي محفوظة.

إذاً لم يحدث انقطاع تام، وكذلك لم تحدث هناك حاجة من جهة الأحكام الشرعية التي طالما بينت وحفظت في الأصول الأربعمائة، وأرشد إليها الإمام عليه السلام.

نعم حرماننا من وجوده يقيناً حرمان كبير، لكنه بفعلنا لا بفعله، مع أن وجوده لطف، وتصرفه لطف، مع بعده منا.

ندعو الله أن يرزقنا ذلك، وأن يرفع هذا الانقطاع والحرمان الذي يتخيله الإنسان من جهة انقطاع الإمام المهدي، وإنه ليس انقطاعاً، بل هو في بعض الموارد التي احتاج البعض إلى إغاثتهم ونصرهم، أعانهم، وقد مرّ على مسامعكم حديث البحراني في مسألة رمانة البحرين.

فهو غير منقطع ونحن غير منقطعين عنه وإنما مشمولون بدعائه إن شاء الله.

س4/ ولكن لو كانت هناك روايات خاصة في الأحكام الشرعية المستجدة لكان ذلك أفضل من الحالة التي نحن عليها الآن ولما احتجنا للرجوع إلى الاجتهاد، أليس هذا النقص الذي نعيشه الآن انقطاعاً؟!

ج/ صحيح ما تتفضلون به، إلا أنه إذا كانت هناك قواعد فقهية قد بيّنت بشكل ضرب القاعدة، والفقيه الذي أرجع إليه الجامع للشرائط يتمكن من الاستفادة بحكمها، فما الفرق بينه وبين الرواية الخاصة بمورد، خاصة وأن فقهاء أصحابنا كزرارة ومحمد بن مسلم بيّن لهم: «علينا إلقاء الأصول وعليكم تفريع الفروع»(26)، أي أن نفس الاجتهاد كان موجوداً حتى في زمان الإمام روحي فداه، فمحمد بن مسلم الثقفي كان يجتهد ويستنبط في الكوفة والإمام في المدينة نفس الاجتهاد كان موجوداً وليس بشيء حادث.

الاجتهاد في زمن الإمام الصادق كان موجوداً في الكوفة بالرغم من كونه في المدينة، بشكل الاستنباط الحي الصحيح.

إذا أمكن الاستنباط واستفادة الحكم من القاعدة والضابطة الكلية من الفرق بينه في النتيجة العملية _ من جهة العمل _ ما الفرق بينه وبين وجود رواية خاصة في مورد؟! خصوصاً وأن دور الإمام المهدي بعد أدوار الأئمة، والتي حفظت فيها جميع الروايات، لأن ليس هناك نقص _ ببركة الأئمة عليهم السلام _ في الفقه الإسلامي الشيعي من جهة رواتنا، حتى بيّن الشهيد الأول رحمه الله في كتاب الذكرى أن كتابنا الكافي _ الأجزاء الثمانية _ تزيد رواياته على جميع الصحاح الستة.

إذن نحن أغنياء ببركة أهل البيت وببركة روايات أهل البيت في المجاميع الموجودة بأيدينا غير محرومين، صحيح ليس هناك مباشرة سؤال عن الإمام المهدي، وذلك حرمان من جهتنا لا من جهته.

فليس هناك غائلة أو مشكلة من هذه الجهة مادام يمكن استفادة الأحكام الشرعية ببركة أجداد الإمام المهدي وببركة توقيعات الإمام المهدي وبرعاية ودعاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.

أليس هذا كافياً في الجواب؟!

السائل: إذا كانت رواية عن الإمام، أليس أفضل من التضارب والاختلاف في الاجتهادات؟!

السيد: صحيح، إلا أنها إذا لم تكن هكذا، هل هي نقيصة؟ ما فيها نقص أو مشكلة.

السائل: الرجوع إلى رواية مباشرة من الإمام عليه السلام أليس بأفضل من الروايات التي مرّ عليها أربعة عشر قرناً تعرضت خلالها للتحريف والتزوير؟!

السيد: نعم، إذا لم تكن هناك دواع، لكن الحكم الخمسة التي بيناها هي دواع لذلك.

إذا لم تكن هناك دواعٍ لغيبة الإمام لزوماً، لكان هذا هو الأفضل، لكن مع وجود هذه المحاذير في ظهور الإمام روحي فداه، كيف نوفق بين حضور الإمام بيننا واستفسارنا منه وبين هذه الفضيلة، إذن هناك باب التزاحم بين سؤالنا من الإمام عليه السلام وبين سلامة الإمام، وفي باب التزاحم يقدم الأهم على المهم.

س5/ عامة الناس إذا أرادوا المشاهدة فماذا يفعلون؟

ج/ فليهذبوا أنفسهم وليشاهدوه، وليس هناك مانع، لكن مسألة ظهور الإمام بحيث أسأله أنا وأمثالي، إذا كان هذا فيه محذور من المحاذير الخمسة ومنها خطر قتل الإمام، فمع وجود التزاحم يقدم الأرجح ملاكاً والأتم ملاكاً!.

الأتم ملاكاً حفظ نفس الإمام لا جوابه لمسألة شرعية لي، فإذا ظهر ووقع في خطر فهل هذا هو الملاك الأرجح أم حفظ الإمام؟

لذلك لا يمكن الظهور، وإنما هناك مسألة الاستنباط نستكفي بها بعون الله.

س6/ أخ عزيز يسأل هل ثبت أن الإمام المهدي عجل الله فرجه أفضل المعصومين بعد أصحاب الكساء؟

ج/ تعرض بعض الأخوان إلى هذا السؤال كذلك، قلنا: إن الإمام المهدي أرواحنا فداه بالنسبة إلى جميع الأئمة بل المعصومين الاربعة عشر من جهة العلم سواسية.

يعني ما كان يعلمه النبي بلغ إلى المهدي، وما يعلمه المهدي كان يعرض على النبي، فجميع المعصومين من جهة العلمية والفضيلة العلمية سواسية لا فرق بينهم، لكن من الجهات الأخرى، من الأمور الأخرى مثل: تعميرهم، وعبادتهم، فضيلة قيامهم، هذه الأمور تخص الإمام المهدي من هذه الجهة.

نعم يستفاد من بعض الروايات الشريفة، أنه له فضيلة على من بعد أصحاب الكساء، يعني بعد الخمسة الطيبة، من الإمام السجاد للإمام المهدي، وهي فضيلة من تلك الجهة، لكن سواسية من الجهة العلمية، والله العالم.

س7/ التوقيع الذي ذكرتموه عن الإمام عجل الله فرجه جاء فيه سيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، هل يمكن أن يكون حدث بعينه، أي وقع خارجاً؟

ج/ ليس في التوقيع الشريف _ كما قرأناه _ من شيعتي: «ألا فمن ادعى المشاهدة» هذا إخبار غيبـي عمن يدعي المشاهدة بعد الغيبة التامة.

والذي أفاده الشيخ أنه يكون إشارة إلى من ادعى السفارة كذباً، لا بأس أن يكون بياناً لمن يدعي المشاهدة بعينه ويقول بأنه سوف تحدث المشاهدة، لا حدثت في زمان السفارة إنباءً عن مشاهدة بعينها تكون بعد وفاة علي بن محمد السمري من جهة بعض من يدعي السفارة. يحتمل أن يكون هكذا.

لكن ادعاء المشاهدة بعد وفاة علي بن محمد، أي لا في زمانه ولا في زمان الحجة روحي فداه، «ألا فمن ادعى المشاهدة»، يستفاد منه أنه من حين وفاة علي بن محمد السمري وما يلي ذلك الوقت، أي من حين وفاة السمري إلى المستقبل «ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر».(27)

لا أنه حدثت مشاهدة قبلاً والإمام المهدي يكذّب ذاك، والله العالم.

س8/ هل يمكن رؤية الإمام بواسطة دعاء مخصوص أو عمل مخصوص؟

ج/ في ذهني أن هناك رواية معتبرة الأسناد ينقلها المحدث القمي أعلى الله مقامه، والظاهر أنها موجودة في المصباح(28)، وهي دعاء لرؤية الإمام إما في المنام أو في الحضور.

وهو دعاء العهد المعروف، يذكر في خاصيته في الحديث أنه يتشرف صاحبه بخدمة الإمام إما في اليقظة أو في المنام.

هذا مالدينا من إمكان المشاهدة بالدعاء، والله العالم.

س9هل هناك 13 من الأنصار من النساء؟

ج/ الذي هو موجود في كتبنا، خصوصاً كتب الملاحم والفتن للسيد أعلا الله مقامه يوجد هناك أسماء رجال بينة بالنسبة إلى أصحاب الإمام المهدي أرواحنا فداه.

والذي تبين هناك، وإن كان بعضه اسماً خاصاً بدون اسم الأب، لكن الملحوظ أسماء الرجال.

والمأمول أن تكون النساء من الأنصار إن شاء الله، لا من الأصحاب، الأصحاب 313 الظاهر أنهم رجال سموا برجال، عبر عنهم برجال لكن يؤمل أن تكون النساء إن شاء الله من الأنصار، فإن هناك أنصاراً للإمام الحجة يؤمل للنساء أن تكون منهم، وإن لم يكنِّ من أصحابه روحي فداه.

س10سؤال من النساء: هل لسماحتكم أن تبينوا معنى الأوتاد والأبدال وعددهم، وهل في زماننا مثلهم، وهل يمكن أن يكون بينهم نساء؟

ج/ هناك ذكر للأبدال والأوتاد، يعني: الطيبون، يفسر الأوتاد والأبدال الذين هم طيبون مؤمنون، يكونون من الوسائط في إنجازات الإمام الحجة أرواحنا فداه، كما نقل في بعض الموارد.

نقلهم كاملاً _ على ما في ذهني _ السيد الكاظمي في دوائر المعارف، وذكر بعضهم وبعض رواياتهم، فإذا أردتم التفصيل لاحظوا ذلك الكتاب، والله العالم.

س11هل السفارة تكون من الممكن على درجات مختلفة؟

جسفارة الإمام المهدي تعني نيابته الخاصة التنصيصية بالمعنى الذي بيناه، يعني السفارة معناها واحد، هي النيابة والوساطة الرابطة ما بين الإمام روحي فداه وبين الناس.

لكن السفراء وإن كانوا مختلفين في الدرجات إلا أن معنى السفارة لا يختلف.

س12/ في أحيان كثيرة يذكر بعض مقلدي المراجع الكرام، التعبير التالي: باسم المرجع ونائبه بالحق، ما وجه الصحة؟

ج/ وجه الصحة التوقيع الشريف الذي يرجع الإمام المهدي روحي فداه الناس إلى الرواة المجتهدين: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(29) من باب إرجاع الإمام المهدي أرواحنا فداه إلى الرواة، وإلى المجتهدين من الرواة بالسفارة العامة التي بينها الإمام العسكري في التوقيع الشريف.

من جهة نيابتهم وإرجاع الإمام إليهم سموا بنائبي الحق والله العالم.

س13/ هل يمكن للمؤمن رؤية الحجة شخصياً، أو الإمام علي عليه السلام شخصياً؟ وكيف يكون، وهل بذلك دليل؟

ج/ رؤية الإمام روحي فداه شخصياً، إن كان المراد رؤية الإمام علي بعد شهادته روحي فداه، فإنهم لا فرق بين حيهم وميتهم: «أشهد أنك حي تسمع الكلام وترد الجواب»(30) ورؤيته ورؤية روحه المطهرة، رؤيته في المنام، ولا شك في ذلك، بل يوجد بعض ما يوجب رؤيته في المنام روحي فداه.

وأما رؤية الإمام المهدي روحي فداه، فما ذكرناه من التوقيع الشريف إلى الشيخ المفيد التي تسمح برؤيته لمن اتصف بتلك الصفات التي بينها الإمام عليه السلام.

س14/ بارك الله بكم، يهمني رؤية الإمام علي شخصياً لأن هناك شخصاً يدعي أنه رآه في اليقظة وأن الإمام يكلمه وينصحه؟

جنأمل أن نكون جميعنا متشرفين بخدمة الإمام روحي فداه، رؤية روحه المطهرة في حياتنا ورؤيت شخصه الطاهر بعد وفاتنا.

لكن مسألة رؤيته في اليقطة أو نقل شيء عنه هذا يحتاج إلى دليل ونلتمس الدليل حتى يكون موجباً لإقناعنا، والله العالم.

س15/ هل يمكن أن يعلل كلامكم بالنسبة إلى عدم تكلم الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه مشافهة مع العلماء كما ذكر الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه في كتاب الرسائل حينما ينقلون شيئاً لم نجد له دليلاً ونحتمل أن يكون من قبيل ما هو قد شاهد الحجة عجل الله فرجه، ولكن لم يجدوا على ذلك دليلاً، فلا يمكن لنا أن نتعبد ذلك في مقام الاجتهاد، فربما يعني لو أمكن ذلك أيضاً فالمجتهدون يطالبون بالحجة ومن وراء الحجة وهذه الاحتمالات لا تغنيهم في مقام الاستدلال، هل هذا من المؤيدات؟

جالظاهر أن ما تفضلتم به هو المنقول عن بعض الثقات من أبرارنا ومشايخنا بالنسبة إلى السيد مهدي بحر العلوم أعلى الله مقامه الشريف ما يبينه في كتابه الفقهي ويذكره بعنوان الإجماع ولا نرى في المسألة إجماعاً ولم نر تعرضاً من بعض فقهائنا السابقين على السيد بحر العلوم.

ذلك الكلام يفسره بعض ثقاتنا، وسمعناه من بعض المشايخ أنه من تشرفات السيد أعلى الله مقامه، وتسمى بالإجماعات التشرفية أصولاً، وذلك سمعناه من بعض الثقاة.

وبما أنه يعني بهذه المقدمة التي يبينها السيد بحر العلوم جزمياً، ولم نر عليها دليلاً سابقاً من الفقهاء، ولجزم السيد ومقامه وصدقه وفقاهته ووثاقته فالاحتمال بل الظن قوي أن يكون هو من تشرفاته بخدمة الإمام عليه السلام، هذا شيء مسموع ولاحظناه من فقهائنا الأبرار.

لكن بالنسبة إلى غير ذلك كالأدعية الشريفة للسيد ابن طاووس أعلى الله مقامه منقول فيها هذا.

وإذا كان هناك قول ثابت يوجب اطمئناننا، فلابد أن يكون من الحجة، وأما إذا لم يكن ذلك مورداً للاطمئنان فيشكل الاستناد إليه، وإن كان صادقاً في مقامه، يعني لو أن مسألة شرعية بينها عالم جليل يكون لنا دليل، هذا مشكل.

نعم، هذا صار دليلاً بالنسبة إلى ما أفتى به الصدوق أعلى الله مقامه في المقنع، لأن ما أفتى به هو مضمون الروايات الشريفة، إذا كان الفقهاء يرجعون إلى كتاب المقنع عند إعواز النصوص من جهة أنها روايات أفتي بها وروايات بينت على شكل نص، أما أن نستدل بها استناداً إلى ذلك، أي على أنها حكم شرعي فذلك مشكل، لامن من جهة عدم صحته، بل لاحتياجنا إلى دليل جزمي عند الافتاء بحكم شرعي، والله العالم.

س16/ ما هي جدوى الانتظار؟

ج/ بالنسبة إلى الانتظار لا شك ولا ريب، لعل الروايات تفوق التواتر، وهي منقولة في إكمال الدين وغيره حتى أن انتظار الحجة لو انتظر الشخص أثيب كمن كان مع رسول الله، أو استشهد مع رسول الله، ومن كان في فسطاط الحجة لا شك في ثوابه.

إلا أن الظاهر هذا لا ينافي التفحص عن حتمية العلامات الأولى، كي يسترّ الإنسان، أو يعرف الإنسان ويحصل كمال معرفته من هذه الجهة، الظاهر لا ينافي الانتظار، منتظراً للفرج، لكن مع ذلك لمزيد المعرفة، لمزيد العلم، يعرف العلامات الحتمية أو غير الحتمية، ويتهيأ للعلامات حتمية وغير حتمية.

إن كان من جانب المعرفة والعلم فهي لا تنافي مسألة الانتظار، وإن كان الانتظار في نفسه وهو «تسليم» محض جيد لا شك في صحته.

س17سؤالي هو أن: هل يمكن ملاحظة أن أدلّة كون الإنسان متوقعاً لأمر الحجة، وأن الله يصلح أمره في ليلة واحدة، هذه الأدلة تكون حاكمة على العلامات الحتمية وغير الحتمية؟! أي ان الله تعالى يمكن أن يحدث فيها البداء، كما أن الإمام عليه السلام من قبل ذلك قد قال: «لو لا البداء لأخبرتكم بما كان ويكون»؟

ج/ الحاكمية سيدنا العزيز تحتاج إلى ناظرية، يعني الدليل الحاكم يكون ناظراً إلى الدليل المحكوم، والمفسر له توطئة أو طريق، ليست هناك ناظرية ما بين دليل انتظار الفرج خصوصاً مع روايات التسليم، أي يكون الشخص مسلماً تسليماً، ولا يقول: لم لم يظهر ولي الأمر في دعاء الغيبة الشريفة. إذا كان انتظار مع التسليم ليس هناك منافاة.

ليس هناك حاكمية ما بين الدليل وبين معرفة الأدلة الحتمية، وحتى قد يستفاد نفس بيان الأدلة الحتمية، خصوصاً: انتظروا نداء السماء، كيف هذا في الحديث: أن نداء السماء يصيح جبرئيل بصوت يسمعه جميع الناس: هذا مهدي آل محمد خرج من الكعبة فاتبعوه، أعينوه التحقوا به.

يجب أن يعرف الإنسان هذه الأمور حتى يكون ملتحقاً بالإمام المهدي.

كذلك المعرفة، لأننا في الانتظار خصوصاً مع التسليم الذي بينته.

س18إذا كان ظهور الإمام حتمياً، فلماذا لم يصلح الله أمر الحجة ويظهر عاجلاً من دون أن نرى العلامات؟

جصحيح، لكن هذا لا يمكن أن يكون، بما أن العلامات الخمس: الصيحة التي بينت في محلها وخروج السفياني وغيرها.

هب أن هذه العلامات حتمية لا يكون فيها بداء، ولعدم البداء فيها يلزم أن تكون في سنة الظهور أو قبلها بقليل، لا يمكن أن يكون هناك معنىً حتمي بالنظر إلى هذا المعنى، فمع حتمية وعدم البداء في هذه العلامات الخمس لا يمكن أن يكون ظهور بدون هذه العلامات، وإلا لم تكن حتمية، فإن هذا الكلام مصادرة للمطلوب.

لذلك الجمع بين حتمية هذه العلامات في سنة الظهور أو قريباً منها ويرافقها الظهور.

ومع ذلك يمكن الظهور أن يصلح أمره في ليلة، ولا ينافي أن تكون في تلك الليلة العلامات الخمسة ثابتة، وهل يستحيل على الله أن يبادر لجميع العلامات الخمس فيخرج السفياني، وتكون الصيحة السماوية، ويخرج اليماني، ويكون ظهور الحجة؟

ليس فيها إشكال، مسألة العلامات الخمسة قد تكون في لحظة واحدة، في يوم واحد، في سنة واحدة، وتلائم الظهور مع الحتمية.

ولا يمكن أن نلتزم بالظهور بدون هذه العلامة.

نعم لو لم تكن حتمية لصح القول، لكن بما أنها حتمية فلابدّ من الجمع ما بين الروايات التي ليس فيها بداء وظهور الإمام الحجة، وفقنا الله لرؤيته إن شاء الله.

س19/ هذا إذا فسرتم الحتمية بأنه لا يقتضي فيها البداء، ولا يمكن أن يكون فيها تفسير آخر.

ج/ أنا أجيب حسبما وصلنا من كلام أهل البيت، فإن أهل البيت فسروه بأنها لا يكون فيها بداء، محتم لا يكون غيره، هم فسروه بأنه لا يمكن أن يكون غير هذا.

لذلك أنا على ضوء كلام أهل البيت أعرض في خدمتكم معنى الحتمية: لا يكون فيها بداء، هذا مضمون كلام الإمام الصادق عليه السلام، حتمية لا يكون فيها بداء، كذلك تفسّر الحتمية على ضوء الروايات، وتقبلونه جنابكم قطعاً ويقيناً إن شاء الله.

س20/ وأخيراً ما هي نصيحتكم بالنسبة إلى الشيعة في زمان غيبة الإمام الحجة عجل الله فرجه، بالنسبة إلى الدروس التي يدرسها الطلبة؟

ج/ وظائف الأمة في زمان غيبة الإمام روحي فداه كثيرة، وهي مما استفدناه من الأحاديث الشريفة والأدلة التي يعتمد عليها، وعددها عشرون.

وبما أنه يطول الوقت ولا يمكن لنا أن نشرح هذا المعنى، لذلك نحيله إلى وقته المناسب تفصيلاً بعون الله تعالى مع العذر منكم، وهو مقبول لأنكم من الكرام، والعذر عند كرام الناس مقبول.

س21/ سيدنا قد رزقنا الله رؤية الإمام في الرؤية مرتين، في الأولى كان شاباً في منتصف العشرينيات، والثانية كان رجلاً نحو الثلاثين فأيهما أقرب إلى الدقة؟

ج/ إن شاء الله رؤية صادقة، ونأمل له ذلك وكذلك للجميع. لكن الذي في أيدينا من الروايات أنه يظهر في ما يقارب سن الأربعين، والمشاهدات التي حدثها بعض الثقات في هذا السن تقريباً، والذين رأوه قالوا بذلك.

إلا أنه يمكن في مسألة الرؤيا أن يشاهد الإمام في جميع أزمان حياته، في جميع أطوار حياته، والظاهر أن كلامه من جهة الإمكان ممكن ومن جهة الرؤية، أأمل أن تكون صادقة إن شاء الله، والله العالم.

س22/ كيف يمكننا التوفيق بين الروايات التي تعلل غيبة إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه بأعمال الناس غير اللائقة، وبين الاستطراد وانتشار الفساد والظلم وظهوره الشريف؟

ج/ الذي بيناه كما عرفتموه الآن في توقيع الشيخ المفيد أعلى الله مقامه مسألة المشاهدة كانت من جهة عدم اللياقة وليس مسألة الظهور.

الظهور كان للقضاء على الفساد وامتلاء الأرض عدلاً، الظهور مبتن على هذا، أما الرؤية فهي ممتنعة للياقة، المشاهدة ممتنعة على ما بينه الإمام في توقيعه الشريف أنه الوفاء بالعهد، وعدم وصول ما يكره الإمام المهدي.

هذا كان مبتنى الرؤية والمشاهدة، والأخير مسألة انتشار الفساد والظلم مبتنى لظهور الإمام وقيامه بعد ذلك.

فهناك فرق بين الأمرين، والفارق واضح.

س23/ هل الثلاث مئة والثلاثة عشر شخصاً من أنصاره يستشهدون في الحرب عند ظهوره؟

ج/ يلزم أن نبين مسألة أصحاب الإمام المهدي بأن لهم أوصافاً من جهة إيمانهم، من جهة قوتهم، أنهم لو أرادوا أن يزيلوا الجبال لأزالوها، كيف تكون من قوة؟! كيف تكون من قدرة إلهية محضة؟! ليست من القوى البشرية العادية.

ونفس الإمام مزود بالقوى الربانية التي هي قوى عشرة مبينة في مقامها.

مسألة أنصار الإمام المهدي لهم صفات ولهم خصوصيات، والمعروف بل المذكور في بعض الأحاديث أن بعضهم يستشهد بخدمة الإمام روحي فداه، وينالون هذه الدرجة الرفيعة، رزقنا الله ذلك.

وهناك دعاء موجود أن يجعله من شهداء الإمام المهدي والدعاء فرع الإمكان، بل فرع وقوع هذا الأمر، وهو المأمول إن شاء الله، والله العالم.

 

والحمد لله رب العالمين

  

الهوامش


(1) بحار الأنوار: 97/ 342 الحديث 32.

(2) للوقوف على هذه الرواية راجع كتاب الغيبة للطوسي ص 240.

(3) الاحتجاج للطبرسي: 2/295.

(4) الاحتجاج للطبرسي ج2: 297.

(5) راجع كتاب الغيبة للطوسي ص 170.

(6) تهذيب الأحكام: 6/118.

(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/125.

(8) تنقيح المقال في معرفة الرجال: 1/ 200.

(9) الكافي: 1/329 الحديث 1.

(10) رجال الكشي: 485.

(11) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 220.

(12) كتاب الغيبة للطوسي، ص: 361.

(13) فلاح السائل لابن طاووس ص 74.

(14) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 226.

(15) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 226.

(16) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 242.

(17) لاحظ: مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني: 8 / 9.

(18) راجع الأنوار البهية للشيخ عباس القمي، ص: 360 نقلاً عن كشف الغمة.

(19) الاحتجاج للطبرسي: 2/325.

(20) التوحيد للصدوق: 337، باب 55، ح4، ولفظ الحديث: «يا داود تريد وأريد...».

(21) كمال الدين للشيخ الصدوق، ص: 485.

(22) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، ص: 409.

(23) إلزام الناصب للشيخ الحائري اليزدي ج1: 246.

(24) راجع تفسير العياشي، ج2: 325.

(25) الاحتجاج للطبرسي ج2: 470، كمال الدين للصدوق ص 484.

(26) السرائر لابن ادريس الحلي ج3: 575.

(27) الاحتجاج للطبرسي ج2: 297.

(28) راجع مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 713، مصباح الكفعمي ص 482.

(29) الاحتجاج للطبرسي ج2: 283.

(30) البحار للمجلسي ج 98: 330.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة