وجود الإمام المهدي
وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه
البحث الأوّل
وجود الإمام المهدي عليه السلام والدليل عليه
نبحث هنا الدليل على الإمام المهدي، أي الاستدلال على وجوده وولادته وبقائه إلى أن يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً:
أوّلاً: الكتاب والسنة القطعية المتواترة، ومن بشارات الكتب المقدّسة السابقة على القرآن.
ثانياً: من جهة الإخبارات المتواترة على ولادة الإمام عليه السلام، وهي شهادات مقبولة بحيث لا تقبل الإنكار.
ثالثاً: من جهة شهود العيان في المراحل الثلاث من مراحل حياة الإمام عليه السلام، وأعني بها في زمان العسكري أبيه أرواحنا فداه، وفي عهد الغيبة الصغرى، وفي زمان الغيبة الكبرى.
في جميع هذه الأدوار والمراحل شاهدوه عياناً، وأخبرنا به الثقات وجداناً.
وهل يحتاج العيان إلى بيان، إذ شهد بمشاهدته وتشرف بخدمته الثقات والأعيان وممن لا يشك في صدقهم وعدالتهم، فكيف يمكن إنكاره؟
وغرضنا من هذه الجهة هو نفس الاعتقاد بالإمام المهدي عجل الله فرجه ثم دفع بعض الشبهات التي ألقاها بعض المنحرفين، هذه الأدلة نبينها بخدمتكم.
والظاهر أنها متفق عليها بين الفريقين _ العامة والخاصّة _ بلا شك، وسنقرأ نصوص كلماتهم.
لكن بعض المنحرفين للأسف شككوا في ذلك، وألقوا بعض الشبهات حتى أنكروا الوجود بشكل فظيع لا يمكن أن يقبل، وينافي الصدق والحقيقة.
نلاحظ بعض العبارات التي بينوها في كتبهم _ الكتب مسجلة مع عناوينها كاملة حتى صفحاتها _ قال بعضهم: «المهدي أسطورة لا دليل عليها في الكتاب الكريم ولا في كتب السنة». وقال آخر منهم: «نحن لا نعتقد بولادة غائبهم الموهوم ونجزم أن الحسن العسكري لم يتزوج ولم يولد له ولد».(1) وقال ثالث منهم في تعبيره: «إنما نهدف إلى القول أن شخصاً باسم محمد بن الحسن العسكري لم يولد ولم يوجد».(2)
وهذا ظلم في الحقيقة وجفاء واقع مع وجود الأدلة المتوافرة من الكتاب والسنة والبشائر في الكتب المقدسة المقبولة بين الفريقين. كيف يدّعي أحد هذه التعبيرات والادعاءات ولم يلاحظ الكتاب ولا السنة، أم تغافل عنها أم جهلها، أم عاندها؟ الظاهر أنه عناد والعياذ بالله، وإلاّ فقد اعترف به كبار علمائهم في مستندات كتبهم وصحاح أحاديثهم كما سنبينه إن شاء الله.
إثبات وجود الإمام عليه السلام
ونعني الإمام المهدي بن الحسن العسكري، والحسن العسكري من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن أولاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
هذه الشخصية معروفة، إلاّ أنه في بعض الروايات يوجد تحريف من جهة أنه نقل عن صحيح سنن أبي داود السجستاني بالنسبة إلى الحديث الشريف المتفق عليه بين الطرفين عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله انه قال: «المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي به يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» هذه الرواية متفق عليها بين الفريقين ومن المسلّمات في الكتب الحديثية، لكن حرفت في جملة منها بزيادة: «واسم أبيه اسم أبي» تحريفاً للحقيقة وتشويهاً للواقع بعد قول الرسول: «اسمه اسمي وكنيته كنيتي» فزادوا في ذلك واسم أبيه اسم أبي.
هذه الزيادة من التحريفات ولا يمكن الوفاق عليها سنداً ولامتناً، لا في كتب الخاصّة ولا في كتب العامّة.
وبيان ذلك أن هذه الزيادة في الحديث منقولة فقط في سنن أبي داود بسنده عن زائدة عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله، وأظن أن هذا السند فيه إشكال حتى من جهات العامّة، لأن (زائدة) كان يزيد في الحديث، على ما اعترف به نفس الجمهور وصرح به في كتاب كشف الغمة(3)، ثم إن المتن كذلك لا يمكن قبوله لأنه من المتفق عليه أن الإمام المهدي بن الحسن العسكري اسم أبيه الحسن لا عبد الله كاسم النبي، لذلك لا تقبل هذه الرواية لا سنداً ولا متناً.
ويؤيدنا في إثبات تحريف هذه الزيادة وعدم صحتها ما ذكره الكنجي الشافعي في كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان(4) جاء فيما نصه: الأحاديث الواردة عن النبي جميعها خالية من هذه الجملة (واسم أبيه اسم أبي) وقد ذكر الترمذي الحديث(5) ولم يذكر قوله: واسم أبيه اسم أبي، وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار: (اسمه اسمي) فقط والقول الفصل في ذلك أن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه روى الحديث في مسنده في عدّة مواضع: (اسمه اسمي)(6) فقط بدون هذه الزيادة.
إذاً هذه الزيادة غير صحيحة، والمتفق عليه في الأحاديث المهدي اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيته كنية الرسول (أبو القاسم) يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً.
وبالإضافة إلى ذلك أنه من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام، ومن أولاد الصديقة الطاهرة، كونه من أبناء الحسن العسكري في هذه السلسلة الشريفة.
ومن الأمور التي وردت في الأحاديث المتفق عليها بين الفريقين التي تشهد لنا في هذا النسب الشريف من كتب الخاصة: روايات إكمال الدين للصدوق(7)، وكفاية الأثر(8) ومن كتب العامة: الصواعق المحرقة(9)، وتذكرة الخواص(10)، والمستدرك على الصحيحين للحافظ النيشابوري(11)، والبيان للكنجي الشافعي(12)، وينابيع المودة للقندوزي(13).
كما أحصاه بمتون هذه الروايات والعناوين الكاملة في منتخب الأثر(14)، لذلك هذا النسب لهذه الشخصية بهذه الكيفية من النسب، متفق عليه في أحاديث الفريقين بلا إشكال.
الأدلَّة:
الغرض أن الاعتقاد بهذه الشخصية حقيقة ثابتة راسخة لا تقبل التشكيك أبداً، وهي من العقائد الإسلامية الصحيحة الصريحة المأخوذة من كلام أهل بيت الوحي، وهو لا شك فيه ولا إشكال.
ودليلنا على ذلك من الكتاب الكريم والسنة المتواترة والكتب المقدسة.
القرآن الكريم:
أما من الكتاب _ أي القرآن الكريم _ فقد أحصيت الآيات التي فسّرت بالإمام المهدي أرواحنا فداه فبلغت 130 آية، وذلك في كتاب المحجة للسيد البحراني أعلا الله مقامه. وأكثر تلك الآيات تفسيرها بأهل البيت والإمام المهدي متفق عليه بين الفريقين، نختار منها استدلالاً وتبركاً ثلاث آيات فقط:
الآية الأولى: قوله تعالى في سورة القصص الآية 5 (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).(15)
فظهور الآية بنفسها يكفي في التفسير بأهل البيت والإمام المهدي. وتفسير الفريقين يكفي.
أما قوله تعالى: (نُرِيدُ) فإرادة الله لا تتخلف عن المراد، إذ لو قال لشيء: كن كان ذلك الشيء ولا يمكن فيه التخلف.
(نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ) منّة على المستضعفين. والمنّة تكون في النعم العظمى، فالنعمة إن كانت عظيمة يعبّر الله عنها بالمن (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (16) الله لا يمن، لكن هذه المنة بمعنى النعمة العظيمة (نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ) من هم المستضعفون؟ الفرد الأكمل والمصداق الأتم للمستضعفين هم أهل البيت أرواحنا فداهم، لأنهم كانوا مظلومين منذ قبض رسول الله «لم أزل مظلوماً منذ قبض رسول الله»(17) هذا كلام أمير المؤمنين أرواحنا فداه.
المظلومية لأهل البيت أرواحنا فداهم بعد الرسول جعلتهم من المستضعفين، استضعفهم الناس استضعفهم الأعداء، قتلوهم، شرّدوهم، سجنوهم، حتى منعوهم عن شرب الماء، حتى أهدوا رؤوسهم إلى الأشقياء.
فأتم أفراد المستضعفين هم أهل البيت أرواحنا فداهم. وربما اطلعتم على رواية المنهال عن الإمام السجاد عليه السلام أنه سأله: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ قال: «ويحك يا منهال أصبحنا كما أصبح بنو إسرائيل في آل فرعون يذبّحون رجالنا ويستحيون نساءنا».(18)
لذلك فالمظلومية والاستضعاف بالنسبة لأهل البيت مسلّم، لأنهم الفرد الأكمل للمستضعفين في العالم.
(نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (19) نجعلهم أئمة الأرض، قادة الأرض، سادة الأرض، ونجعلهم الوارثين للأرض، ومن المعلوم أن الوارث من يصل إليه عن المورّث شيء ينتقل إليه بعد ذهابه وبقاء الوارث.
ففي أي زمان تطبقت هذه الإرادة الإلهية منذ نزول الآية إلى يومنا هذا؟ إن تطبيق هذه الإرادة التي لا تتخلّف قطعاً بيّنها الصادق المصدّق الله تبارك وتعالى.
لذلك لابدّ أن يكون هناك وراثة مستضعفين لجميع الكرة الأرضية، وهذا لم يتفق أن حصل.
فمعناه: أن المستضعفين هم أهل البيت، ويلزم أن يكونوا الوارثين للأرض بلا شك ولا إشكال.
هذا بحسب ظاهر الآية، بل التفاسير المتفق عليها بين الخاصة والعامة تبين هذا التفسير، أي التفسير بأهل البيت والإمام المهدي أرواحنا فداه.
أمّا من الخاصة فعلى سبيل المثال _ والاّ فالروايات كثيرة _ في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي بسنده المعتبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) قال عليه السلام: هم آل محمد صلى الله عليه وآله يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم، ثم يقول شيخ الطائفة رحمة الله عليه: والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.(20)
وكذلك في الحديث الخاص المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أنه قال روحي فداه: «لتعطفنّ الدنيا» والعطف: الحنان، «لتعطفنّ الدنيا علينا أهل البيت بعد شماسها»(21) يعني بعد استعصائها «عطف الفروس على ولدها»، أي كما تحسن الفروس يعني الناقة السيئة الخلق التي تعظّ صاحبها في سبيل حفظ لبنها لولدها إشفاقاً عليه، هكذا محبة إشفاق، هكذا حنان وجداني سيكون للدنيا علينا أهل البيت، وتلا عليه السلام عقيب ذلك: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُو) يعني هذه الآية تفيد إشفاق الدنيا علينا أهل البيت وإرادة امتلاك هذه الأرض.
وأما من أحاديث العامة، فمثل حديث الشيباني في كشف البيان الذي رواه عنه في تفسير البرهان المجلد الثاني من الطبعة القديمة صفحة 787 قال الشيباني في كشف البيان: «روي في أخبارنا _ العامّة _ عن أبي جعفر وأبي عبد الله أن هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر ويبيد الجبابرة والفراعنة ويملك الأرض شرقاً وغرباً فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً» تصريح هذا الشخص وهو من علمائهم، بل هناك كلام لطيف لابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة المجلد 19 من الطبعة المصرية صفحة 29 هذا ما نصّه ابن أبي الحديد: أصحابنا يقولون: «إنه وعد بإمام يملك الأرض ويتولى على الممالك»، ينسبه إلى الأصحاب، كأنه متفق عليه بين العامة والخاصة أن هذه الآية في أهل البيت في الإمام المهدي أرواحنا فداه، لذلك هذه الآية التي تبين إرادة الله في أن يملك الأرض أهل البييت بشارة بالإمام المهدي، وهذه البشارة لابدّ أن تتحقق بعد شهادة الإمام الحسن العسكري، ولم يحقق هذا الوعد غير الإمام المهدي عليه السلام.
ولا يمكن أن نلتزم بأنه في آخر العهد يولد الإمام المهدي بدون أم، فلا يلتزم بهذا أحد، ولابد أن يكون من نسل الحسن العسكري للروايات المتقدمة.
فإذاً يلزم أن يكون المخصوص بهذه الآية الإمام المهدي عليه السلام من جهة بشارة الله ووعد الله وإرادة الله التي لا تتخلف.
الآية الثانية: قوله تعالى في سورة النور الآية 55: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
وعد إلهي. ووعده بمنزلة القسم، باتفاق المفسرين، لذلك جاء في الآية _ ليستخلف _ لام جوابية ثم تلاها تأكيد بالنون وبلام القسم، (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، من الأنبياء (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ)، تمكين الدين أي يعبدون الله بكل إمكانية، (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ)، الإسلام (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي)، يعبدون الله بلا خوف وبلا تقية وبكل تجاهر بالحق، (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ).
كذلك هذه الآية الشريفة بحسب المعنى الظاهري تعني أهل البيت أرواحنا فداهم، لأنه لم يتحقق من حين نزول الآية إلى هذا اليوم _ 1400 سنة _ معنى كامل لهذه الفقرات الثلاث:
أولاً: يستخلفنهم في الأرض، أي تصل إليهم جميع الكرة الأرضية.
ثانياً: يمكننّ لهم دينهم، أي يعبدون بلا خوف ولا تقية.
ثالثاً: تبديل الخوف بالأمن.
فإن هذا لم يتحقق إلى ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه، وهذا التفسير كذلك متفق عليه بين الخاصة والعامّة في الروايات المتواترة.
أما من الخاصة على سبيل المثال، فحديث الآيات الباهرة ينقلها في تفسير كنز الدقائق: رواية صحيحة عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال: في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) _ إلى آخر الآية _ عنى به ظهور المهدي عليه السلام بذلك الاسم الخاص الذي ينبغي له القيام.(22)
وكذلك في حديث جوامع الجامع عن المقداد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا حجر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل، إما أن يعزّهم فيجعلهم من أهلها، وإما أن يذلهم فيدينون لهم».(23)
وكذلك نفس هذه الروايات _ تفسيراً لهذه الآية بأهل البيت _ موجودة في ثلاث روايات من الحاكم الحسكاني من العامة في شواهد التنـزيل.(24)
إذاً تفسير الآية بأهل البيت والإمام المهدي متفق عليه بين الفريقين.
الآية الثالثة: وهي التي تكررت في ثلاثة مواضع وبلفظ واحد تقريباً تأكيداً على هذا المعنى.
أولاً: في سورة التوبة الآية: 33: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
ثانياً: بنفس اللفظ في سورة الصف الآية: 9.
ثالثاً: وبتغيير طفيف في سورة الفتح الآية: 28: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيد).
تبين الآيات الشريفة الهدف من بعث الرسول صلى الله عليه وآله، ومعنى يظهره: يغلبه على الدين كله. أي:وعلى جميع الأديان ولو كان برغم أنف المشركين.
بمعنى أنه لايبقى على وجه الأرض دين إلا دين الإسلام، فيكون الإسلام غالباً على جميع الأديان.
وهذا لم يتحقق إلا في زمان حكومة أهل البيت عليهم السلام بعد ظهور المهدي أرواحنا فداه.
وهذا المعنى كذلك متفق عليه بين الخاصة والعامة.
أما من الخاصة ففي حديث الكنز المجلد 5 ص 445 عن أبي بصير: قال أبو عبد الله عليه السلام في هذه الآية: والله _ الصادق يقسم _: «والله مانزل تأويلها بعده ولا ينزل تأويلها حتى يخرج المهدي، فإذا خرج لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا وكره خروجه».(25) ولا يتحقق إلا بظهور المهدي أرواحنا فداه كما تصرح به الأحاديث.
وكذلك في تفاسير العامة عن مجاهد عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار إلى الإسلام، ويكون عند قيام المهدي عليه السلام.(26)
وصرحت بذلك رواياتهم في ينابيع المودة للقندوزي في تفسير هذه الآية بطريق مجاهد وابن عباس عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.(27)
فمن حيث القرآن الكريم وتصريح الآيات الشريفة _ ظهوراً وتفسيراً _ من المسلمات في أنها تفسر بالإمام المهدي وأهل البيت أرواحنا فداهم، فكيف يمكن إنكار وجوده؟ وكيف تكون هذه الشخصية أسطورة والعياذ بالله؟ أتكون الأساطير من القرآن الكريم؟! هل هذا ممكن!!
الكتب السماوية:
ثم قبل القرآن الكريم بشرت الكتب المقدسة بذلك من خلال (36) نصاً فسر بأهل البيت والإمام المهدي، وفي إلزام الناصب(28) نصان من هذه النصوص أذكرهما لكم.
أولاً: في التوراة سفر التكوين الفصل السابع عشر الآية 20 ما ترجمته بالعربية:
خطاب الله تعالى لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام: «يا إبراهيم إنا قد سمعنا دعاءك وتضرعك في إسماعيل».. كأنه كان يدعو أن يرزقه الله ولداً (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ) (29) دعوته بأن يرزقه الله ولداً.
وتبين هذه النصوص تلك الدعوة، قد سمعنا دعاءك وتضرعك في إسماعيل فباركت لك فيه _ يعني في إسماعيل _ وسأرفع له مكاناً رفيعاً ومقاماً علياً .. كأن رفعة المقام بأولاده الطاهرين وهم أهل البيت، فأظهر منه اثني عشر نقيباً، ويقيناً النقباء الأثنا عشر مفسرون بأهل البيت، لماذا؟ لأن النقباء من بني إسرائيل من أولاد إسحاق وليس من أولاد إسماعيل، فيلزم أن يكون النقباء في هذا التصريح هم أهل البيت عليهم السلام الإثنا عشر نقيباً أولهم علي عليه السلام وآخرهم المهدي عجل الله فرجه وستكون له أمة عظيمة، وهذه بشارة صريحة بالإمام المهدي عليه السلام فكيف ينكر؟!
ثانياً: وكذلك في الزبور الذي تشير إليه الآية الكريمة: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ...). (30)
الزبور هو السفر الواحد والسبعون، بعد دعاء داوود للإمام المنتظر عليه السلام جاء ما ترجمته بالعربية بهذا البيان: وسيظهر في دولته _ يعني دولة المنتظر _ حجة بينة واضحة على جميع أهل العالم ويزيد العدل والقسط إلى أن يزول القمر _ يعني يوم القيامة _ ويحكم من البحر إلى البحر جميع البحار، ومن الوادي إلى جميع ما على وجه البسيطة جميع الكرة الأرضية، وتنعطف له العالم _ أي الناس تنعطف للإمام المهدي عليه السلام _ ويبين أهلها المحنّة والمحبّة إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه وتنعطف له الأرض..
إذن الكتب المقدسة قبل القرآن بشرت بالإمام المهدي، فكيف يمكن إنكاره؟
ثم إن الأحاديث التي وردت في كتبهم وفي كتبنا بنحو التواتر والتصريح بالتواتر، هذه الروايات كيف يمكن إنكارها؟!
السنة الشريفة:
الأحاديث التي تربو على المئات، لا مائة ومائتين، بمضامين عديدة أحصيت في فهرست إحقاق الحق وفي غاية المرام للسيد البحراني (رحمه الله) تلك الروايات تصرح بالإمام المهدي وتنص على الإمام المهدي أنه ابن الحسن والعسكري.
هذه الروايات موجودة في كتبنا وكتب العامة.
أما في كتبنا من طريق الخاصة، فهي موجودة حتى في الكتب التي تقدمت على ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه مثل كتاب سليم بن قيس الهلالي(31)، من أصحاب أمير المؤمنين أرواحنا فداه.
قصدي من هذا التقسيم هو أن هذه المسألة (العقيدة المهدوية) من الأمور الثابتة في الكتب المعتبرة والصحاح من العامة والخاصة ولا يمكن إنكارها.
والروايات توجد في: كتاب سليم بن قيس الهلالي من الخاصة ، كتاب الحسن بن محبوب، كتاب المهدي لعيسى بن مهران، الغيبة لعبد الله بن جعفر الحميري، الغيبة لمحمد بن القاسم البغدادي، أخبار المهدي للعلامة الرازي، خروج المهدي لعلي بن الحسن الصفار، أخبار المهدي لأحمد بن محمد الجرجاني، ذكر القائم لأحمد بن رميح المروزي، كمال الدين للصدوق، الغيبة لابن الجندي، الغيبة للشيخ المفيد، الغيبة للسيد المرتضى، الغيبة للشيخ الطوسي، التاج الشرفي للسعد آبادي تلميذ السيد المرتضى، وكذلك أخبار صاحب الزمان لعبد الله بن عياش في كتبنا الخاصّة.
وفي كتب العامة: صحاحهم وغير صحاحهم حتى أنهم صرّحوا بتواترها، والمصرح بتواتر أخبار المهدي موجود في كتاب نور الأبصار للشبلنجي، والصواعق لابن حجر، والبيان للكنجي الشافعي، وإسعاف الراغبين للصبان، وفتح الباري للحافظ، والفتوحات الإسلامية لزيني دحلان، والتوضيح للشوكاني، والإذاعة لأبي الطيب، وغاية المأمول للناصر، صرحوا بتواتر أخبار المهدي.
وأما الذين ضبطوا أخبار الإمام المهدي في كتبهم فالبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي في سننه، وفرائد السمطين وكنز العمال وينابيع المودة وسنن البيهقي، وتفسير الفخر الرازي وتفسير الثعلبي، والدر المنثور للسيوطي، ومصابيح السنن للبغوي، ومستدرك الحاكم وحلية الأولياء وأسد الغابة والاستيعاب وتهذيب الآثار والأخبار والفصول المهمّة، والمناقب لابن المغازلي، ضبطوها وتواتروا فيها وحفظها حفاظهم.
وهذه الكتب ذكرت تلك الروايات فهي موجودة بنصوصها، وضبطها كتاب الإمامة والمهدوية المجلّد الثالث القسم الأول صفحة 34 إلى صفحة 140.
لذلك من جهة الأخبار الشريفة ومن جهة السنة المباركة لا شك ولا ريب فيها أنها متفقة على الإمام المهدي.
وبعنوان التبرك نذكر حديثين أو ثلاثة أحاديث من أخبارنا الشريفة تنويراً للمجلس وتبركاً بالإمام أرواحنا فداه.
من ذلك حديث إكمال الدين للشيخ الصدوق أعلى الله مقامه، يرويه بسند معتبر عن عاصم عن الإمام الجواد عليه السلام في إكمال الدين عن الإمام الجواد عليه السلام عن آبائه حديث سلسلة الذهب عن الإمام الحسين عليه السلام قال رسول الله: «إن الله عزوجل ركب في صلب الحسن العسكري نطفة مباركة زكية طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن أخذ الله عزوجل ميثاقه في الولاية ويكفر بها كل جاحد، فهو إمام تقي نقي بار مرضي هادي مهدي، أول العدل وآخره يصدّق الله عزوجل ويصدّقه الله في قوله، يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل والعلامات له...فقال له أبي: ما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله تبارك وتعالى فناداه العلم: أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله _ بنحو الإعجاز بنحو الإخبار الإلهي _...
ثم قال: يا اُبي طوبى لمن لقيه وطوبى لمن أحبه وطوبى لمن قال به _ بشارة لكم أيها المؤمنون، يبشركم الرسول الأكرم روحي فداه _ ينجيهم الله من الهلكة بالإقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمة يفتح الله لهم الجنة مثلهم _ شيعة المهدي _ في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبداً».(32)
تصريح بالإمام، بإمامته، بظهوره، بغلبته، بدولته.
وكذلك نص عن أمير المؤمنين أرواحنا فداه بشر بالإمام المهدي في حديث إكمال الدين بإسناد الشيخ الصدوق إلى الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عن آبائه الكرام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لولده الحسين روحي فداه: «التاسع من ذريتك يا حسين هو المهدي المظهر للدين الباسط للعدل» قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟ _ ما فيه بداء ما فيه تغير _ إن ذلك لكائن، فقال: «أي والذي بعث محمداً بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، لكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون»(33)، تبشير صريح بالإمام المهدي ودولته الشريفة.
وكذلك جميع الأئمة أرواحنا فداهم والزهراء وأولادها الكرام يوجد لجميعهم تصريحات بالإمام عجل الله فرجه.
وهذا من العجيب إذ لا أتصور أن لدينا في الفقه حكماً ينص عليه جميع المعصومين الأربعة عشر، ليس عندنا حكم شرعي هكذا إذ يكفي لو نص عليه أحدهم، أمّا حكم ينص عليه جميع المعصومين الأربعة عشر فهذا لم يوجد في الفقه. لكن مسألة الإمام المهدي جميع المعصومين نصوا عليه.
وللتبرك نذكر قول الإمام العسكري أرواحنا فداه في ولده الإمام المهدي، وهو موجود في إكمال الدين للشيخ الصدوق أعلى الله مقامه(34) بسند الصدوق عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، لا شك في جلالته ووثاقته ووكالته للإمام العسكري أرواحنا فداه، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه لابد أن يكون لي خلف به يدفع البلاء عن وجه الأرض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض»، قلت له: يا بـن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك فنهض عليه السلام _ تصريح بياني عياني ليري الإمام المهدي له، هذه واحدة _ فنهض عليه السلام مسرعاً ودخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عزوجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سميّ رسول الله وكنيّه، به يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر _ من جهة طول العمر _ ومثله مثل ذي القرنين _ من جهة الاستيلاء على الأرض _ والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبتهم الله عزوجل على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه»، فقال أحمد بن إسحاق: قلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ _ يطلب علامة صريحة، علامة وجدانية _ فنطق الغلام بإذن الله بلسان عربي فصيح قال: «أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين... أحمد بن إسحاق نفسه صرّح على نفسه نصّ على نفسه قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً فلمّا كان من الغد قمت إليه فقلت: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ _ شبهتموه بالخضر وذي القرنين من أي جهة سيدي _ قال: «طول الغيبة يا أحمد» قلت: يابن رسول الله إن غيبته لتطول؟ قال: «أي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به _ والعياذ بالله _ ولا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا أهل البيت وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح القدس، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين تكن مع الأبرار في عليين».
إذن التصريح بالإمام أرواحنا فداه من جميع المعصومين الأربعة عشر أرواحنا فداهم موجود، كذلك من جهة التفسير القرآني ومن جهة الحديث المتواتر وإجماع الفريقين، وهذا الإجماع موجود في كتب الخاصة والعامة، فعجبٌ إنكاره.
أما من كتب الخاصّة فالشيعة الإمامية قطعي إجماعهم ومن مسلمات دينهم وضروريات مذهبهم، كما صرّح به في الإمامة والمهدوية.(35)
بل حتى في كتب العامة إجماعهم واتفاقهم موجود، ومسلميتهم لهذا الأمر موجودة، ففي شرح نهج البلاغة للمعتزلي جاء ما نصه: «قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه _ على المهدي _».(36)
وتصريح أكثر من هذا في سبائك الذهب قال ما نصّه: «الذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو من يظهر في آخر الزمان وبه يملأ الله الأرض عدلاً والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة».(37)
وقال ابن خلدون في مقدمته ما نصّه: «اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور الرجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويتولى على الممالك الإسلامية ويسمّى بالمهدي».(38)
وفي غاية المأمول للناصب قال: «اتضح مما سبق _ بعد أن بيّن الآيات والروايات _ أن المهدي المنتظر من هذه الأمة وعلى هذا أهل السنة سلفاً وخلفاً».(39)
البرهان إجماعي بلا شك ولا ترديد لذلك من جهة القرآن الكريم.
الدليل الأول في استدلالنا: بالقرآن الكريم والحديث المتواتر وكذلك بشارات الكتب المقدسة.. دليل قطعي على الإمام المهدي، وجوده ودولته، بلا شك ولا ريب.
الدليل الثاني:
الإخبارات المتظافرة بولادته عليه السلام وأنه ولد وشوهد أثناء ولادته وشوهد بعد ولادته، فكيف يمكن إنكاره؟
وإخبارات الشهادة بولادته كذلك موجودة بين العامة والخاصة متفق عليه بين الفريقين.
شهدوا بولادة الإمام المهدي في رواياتهم التي نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي(40) وشيخ المحدثين الصدوق في كتابه كمال الدين(41) وشيخ الطائفة الطوسي في كتابه الغيبة.(42)
ومن العامة ممن رووا روايات ولادته: البيهقي وابن الصبان وابن خلكان والقندوزي والسفدي وياقوت الحموي بأسانيد عديدة كما أحصيت في المهدي الموعود المنتظر، المجلد الأول صفحة 108 متفق عليه بين الفريقين.
مشاهدته، ولادته، الشهادة بولادته مما لا يمكن إنكاره.
الرواية الشريفة عن السيدة حكيمة سلام الله عليها، وهي بنت إمام وأخت وعمّة إمام، والصادقة المصدقة، ومن أودع عندها بعضاً من مواريث الإمامة، صادقة في حديثها قطعاً. في حديث كمال الدين المعروف في هذا العصر نقل أخباراً كثيرة، لذا لا نكرر حديث حكيمة، وهو من الأحاديث الصحاح التي تصرح بولادة الإمام المهدي، إذ شاهدته من قبل ولادته إلى بعد ولادته، شاهدته إلى حين وفاتها سلام الله عليها.
وفي الأحاديث المتكررة ثمانية أحاديث في كمال الدين للشيخ الصدوق صفحة 424 فما بعد الباب 42 الحديث الأول وما بعده تصرح بكيفية ولادة الإمام الحجة أرواحنا فداه.
والتصريح بما حدث عند الولادة وبعد الولادة شهادة السيدة حكيمة أولاً، وهي قابلة السيدة نرجس أم الإمام المهدي أرواحنا فداه، وشهادة القابلة في النساء مقبولة قطعاً في فقه العامة والخاصة، لا يمكن إنكاره.
ورأيت في بعض الكتب لبعض المحرفين تساؤلاً مؤداه: كيف تثبت إمامة شخص بشهادة إمراة أو بقول امرأة بولادة ذلك الشخص؟ كأنه لا يعتني بقول السيدة حكيمة في هذه الرواية.
الظاهر أن هذا كلام غير صحيح أساساً:
أولاً: الآيات والروايات شهدت بما لا يمكن مخالفته بوجود الإمام المهدي .
ثانياً: شهادة إخبار والده عليه السلام، وهي شهادة رجل، إخبار الأب، إخبار الولي بولادته لا يمكن إنكاره.
ثالثاً: شهادة السيدة حكيمة، ونسيم خادم الإمام العسكري، وجارية أم المهدي واسمها مارية.
وشهادة السيدة حكيمة ومقبوليتها من حيث أنها إمرأة وقابلة للسيدة نرجس متفق عليه في فقه الخاصة والعامة.
ودليلنا على ذلك في الجواهر للشيخ محمد حسن النجفي أعلى الله مقامه(43) يبين: تعتبر شهادة النساء منفردات في الولادة كما ثبت بقيام النص الصحيح الصريح. لم يكن فيه خلاف بين علماء الشيعة، رحم الله الماضين وحفظ الباقين. شيء غير مختلف فيه بتصريح صاحب الجواهر. شهادة النساء في مسألة الولادة مقبولة عندهم.
بل حتى في فقه العامة في جميع مذاهبهم شهادة النساء فيما تنحصر به أو لا يطلع عليه إلاّ النساء غالباً، خصوصاً وتخصيصاً في مسألة الولادة مقبول عندهم في جميع المذاهب. كيف يستنكر شهادة السيدة حكيمة؟
في بداية المجتهد للقرطبي قال ما نصّه: «أما شهادة النساء منفردات _ أعني النساء دون الرجال _ فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالباً مثل الولادة». ينص ويصرح مثل الولادة «والاستهلال مجيء الطفل حيّاً وبكائه وعيوب النساء لا خلاف في شيء من هذا _ مسألة وفاقية _ بين الجمهور».(44)
إذن شهادة السيدة حكيمة بنفسها تكفي حتى لو انحصرت الأدلة بها، فكيف يمكن إنكارها؟
ثم إخبار الإمام العسكري أرواحنا فداه، شهادة الأب، إخبار الإمام المعصوم وهو أب وولي يقبل قوله في الولادة بلا شك ولا إشكال.
وقد أخبر بولادة الإمام المهدي أرواحنا فداه في روايات عديدة:
مثلاً في كمال الدين حديث أحمد بن إسحاق القمي رضوان الله عليه قال: لما ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كانت ترد فيه التوقيعات، «ولد لنا _ كلام الإمام العسكري وإخباره _ مولود، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله مثل ما سرنا به والسلام».(45)
إخبار وتصريح الإمام بولادة الإمام المهدي وهو مقبول، بل نفس إرسال الإمام العقيقة إلى بني هاشم في سامراء، بنفسه يكفي في إخباره وإعلامه بولادة الإمام المهدي عليه السلام بيان ولادة الإمام المهدي بعنوان إرسال العقيق، والتصريح بأن هذه عقيقة ولدي محمد، عقيقة ولدي المهدي.
في روايات متعددة إخبار منه أرواحنا فداه كما توجد هذه التصريحات في إكمال الدين صفحة (432) الباب الرابع الأحاديث عشرة فما بعدها تصريح في بعثه العقيقة لولده الإمام المهدي.
إذن إخبار الإمام بعد تلك الآيات والروايات ثم شهادة السيدة حكيمة، إخبار وجداني عياني بولادته، فكيف يمكن إنكاره؟
لذلك قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في كتابه الفصول العشرة صفحة (59) وهو يستدل بشهادة السيدة حكيمة وإخبار الإمام العسكري في إثبات ولادة الإمام المهدي: «الخبر بصحة ولد الحسن العسكري قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس»، الناس كيف تثبت أنسابهم بأحسنها وأوكدها ثبتت نسبة الإمام المهدي إلى العسكري، إذا كان النسب يثبت بقول القابلة مثلها من النساء التي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهنّ عليه فقد ثبت ذلك بشهادة السيدة حكيمة ومارية ونسيم وباعتراف صاحب الفراش وحده الإمام العسكري بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الاب بنسب الابن.
وقد ثبتت هذه بإخبار الجماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن العسكري أنه اعترف بولادته وأعلمهم بوجوده ونص على إمامته.
إذاً من جهة الشهادة بالولادة يتضح لنا دليل ثانٍ على وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه.
الدليل الثالث:
على وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه العيان الذي يغني عن البيان، أي من رأوا الإمام المهدي في جميع مراحله الحياتية. يعني في زمان أبيه الإمام العسكري أرواحنا فداه أوّلاً: فقد أخبر الثقاة العدول بذلك بالمشاهدة، ثم في زمان الغيبة الصغرى السبعين سنة تقريباً أخبار العدول، ثم في الغيبة الكبرى، كما أحصيت.
وسنقرأ إن شاء الله مقداراً من أسماء الذين شهدوا برؤية الإمام المهدي أرواحنا فداه في هذه المراحل الثلاث، فيثبت شهادة العيان بعد ذلك البرهان: الروايات، الآيات، الاخبار المتواترة القطعية في أن الإمام المهدي أرواحنا فداه وجد، وهو موجود إلى أن يظهره الله على الأرض فيظهره على جميع الأديان. واستمرار بقائه إلى زمان قيامه ثبت كذلك بالأدلة الروائية الشريفة المعتبرة، وفوق كل تلك الروايات، الرواية المعتبرة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله المذكورة في غاية المرام للسيد البحراني من صفحة 312 إلى صفحة 400، يضاف إليها (163) حديثاً عن طريق العامة و27 حديثاً عن طريق الخاصّة:
ونص هذه الرواية: «الأئمة بعدي هم اثنا عشر أولهم علي وآخرهم المهدي، ولا يزالون ما زال هذا الدين قائماً»(46) يعني مادام دين الإسلام باقياً إلى يوم القيامة يلزم أن يكون أهل البيت موجودين... ولا يزالون ما زال هذا الدين باقياً، والدين باقٍ إلى يوم القيامة، فيلزم أن يكون المعصومون باقين إلى يوم القيامة.
ومن المعلوم وجداناً أن الإمام العسكري استشهد _ روحي فداه _ وشيع في آلاف ودفن في ضريح مقدس وهذا معلوم. فمن بعد الإمام العسكري يكون إماماً؟ ليس هناك غير الإمام المهدي، لذا وجوده أرواحنا فداه ثبت وبقاؤه ثابت كذلك. ولا يعقل التخلف في قول الرسول صلى الله عليه وآله وهو المعصوم الذي لا يكذب أبداً، صدق من صادق مصدّق.
لذلك يثبت وجود الإمام أرواحنا فداه وبقاؤه إلى أن يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً.
بهذه الادلة التي نكملها ليلة غدٍ إن شاء الله نختم الحديث.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم وعجل فرجه الشريف، واجعلنا من أنصاره وأصحابه وأعوانه ومخلصيه وتابعيه والممتثلين لأوامره، وهب لنا رحمته ورأفته ودعاءه وخيره وإحسانه ببركة الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله.
الأسئلة والأجوبة:
س1/ أود أن تبينوا ما هي الآثار السلبية على أرض الواقع في إنكار ولادة المهدي؟ يعني عملاً، ماذا يخسر وماذا يفقد من ينكر ولادة الإمام المهدي؟
ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على أحب خلقه محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم قاطبة إلى يوم الدين. آمين رب العالمين.
بالنسبة إلى خسارة إنكار الإمام المهدي أرواحنا فداه، إضافة إلى أنه أمر يخالف الوجدان سحق للوجدان لأن شخصاً بيمينه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، فإذا أنكره معناه أنه جحد حقه. هذا خلاف الوجدان ثم إن الأثر السلبي أنه يكون إنكاراً لما ثبت من الدين بالضرورة. فمسألة الإمامة من الضروريات ومن الأمور التي ثبتت في الدين الإسلامي المقدس.
فإنكاره يكون إنكاراً لما ثبت من أمور الدين، وإذا كان إنكاراً لما ثبت من أمور الدين، يكون موجباً للفسق والعياذ بالله، لذا الحد الأقل من إنكار الإمام أرواحنا فداه، وإنكار إمامته أنه يوجب الفسق لأنه أنكر ما ثبت من الدين.
ويخالف الوجدان، لانه أنكر النعمة المستبينة الظاهرة. وخصوصاً مع وجود الدلائل التي سنذكرها إن شاء الله في الفصول المقبلة التي تثبت بأن وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه وآثاره الحياتية وآثاره الإيجابية والكونية موجودة في هذا العالم، لذا يكون إنكاره كأنكار الشمس فيخالف الوجدان.
لذلك من السلبيات التي يؤدّي إليها إنكار المهدي أنه يوجب مخالفة الوجدان ومخالفة الأدلة، ثم الحرمان من دعاء الإمام المهدي عليه السلام، لأن الإمام المهدي يدعو _ كما سيأتي في الحديث إن شاء الله _ لمن كان مؤمناً به، يدعو لمن كان داعياً له، يدعو لمن كان معتقداً به. في النصوص الصريحة التي من جملتها توقيع الشيخ المفيد(47) وسيأتي ذكره إن شاء الله.
فعلى هذا، الإنكار يؤثّر هذه السلبيات في عالم الوجود ونعوذ بالله من ذلك.
اللهم اجعلنا من الذين يقرون بولايته ويعترفون بإمامته.
س2/ أنا من السنة وسؤالي من سماحة السيد هو: هل تعتقدون أن هناك اتصالاً بين المهدي ومراجع الشيعة، أو اتصالاً بأي أحد آخر؟
ج/ من المحسوس بالمشاهدة من ألطاف الإمام عجل الله فرجه على علماء الشيعة وبخاصة القدامى منهم سواء أكان ذلك على مستوى السفارة أو الوكالة. فإنه من الأمور الثابتة، وسيأتي ذكره عند ذكر سفراء الإمام عجل الله فرجه. أما بالنسبة إلى سائر العلماء بعد الغيبة الصغرى فسنذكر الاتصالات الشريفة القطعية التي حدثت وتحققت واتفقت عليها الخاصة والعامة، وسجلت في كتب الفريقين واعترف بها أمثال ابن الجوزي في كتاب المنتظم، كذلك اتصاله عجل الله فرجه وألطافه على علماء الشيعة من المتأخرين وعلى المؤمنين وجميع الشيعة وشمولهم بدعائه لهم، وهو ما سنبينه في الفصل الرابع من بحثنا بإذن الله تعالى.
س3/ الشيخ يوسف القرضاوي وهو من أهل السنة في إحدى المرات قال: المهدي عندنا غير المهدي عند الشيعة، فهل هناك رد عليه؟
ج/ إن ما بدأنا به البحث من قول الرسول الأكرم أرواحنا فداه: «المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي»، ثم تصريح الروايات الأخرى بأنه ابن الحسن العسكري ومن أبناء أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة ابنة رسول الله ممّا اتفق عليه الفريقان _ كما ذكرنا _ مثلاً في كتاب الحاكم الحسكاني، ينابيع المودّة للقندوزي، تذكرة الخواص لابن الجوزي. والظاهر أن المهدي عند الشيعة والسنة شخص واحد، وليست عندنا مهدوية نوعية ولا مهدي غير الإمام الحجة بن الحسن أرواحنا فداه، الظاهر أن هذه مغالطة وليست في شيء من الصحة.
س4/ هل يمكن أن نعتبر استمرار مذهب أهل البيت عليهم السلام رغم ما واجهه من ظلم وجور من قبل النواصب، دليلاً على وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه حيث يكون هو الحافظ للمذهب؟
ج/ نعم كما في توقيع الشيخ المفيد: «ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء..»(48) أي المصائب العظيمة، أي لكان الأعداء يبيدونكم لولا ذلك الدعاء الخاص من الإمام عجل الله فرجه، فلا بأس بالاستدلال على وجود الإمام ببقاء المذهب سليماً معافى.
س5/ هناك حديث يقول: «هلك المستعجلون وخسر المبطلون وفاز المسلمون» هل معناه أن علينا أن لا نستعجل بتأويل العلامات وتطبيق الأحاديث على بعض المشاهدات؟
ج/ الحديث على ما في ذهني: «هلك المستعجلون وخسر المثقلون»(49) هذا المقدار موجود في دعاء الغيبة وهو من الأدعية المعروفة. وقد ورد ذم الاستعجال المخالف للصبر وانتظار الفرج اللذين أمرنا بهما. فلا يصح القول: لماذا لم يظهر ويخرج الإمام عجل الله فرجه؟، فهذا اعتراض على أمر الله تبارك وتعالى. والاستعجال المذموم هو الاستعجال الذي يكون منافياً لإرادة الله وموجباً للسقوط في بعض الهلكات، أو في بعض الأخطاء، أو في بعض الاشتباهات عند اختلاق العلامات غير الصحيحة وهذا مذموم، لكن العلامات التي تفسر بمعنى انتظار الفرج والأمل بظهوره القريب فهذا لا بأس به.
هلك المستعجلون، لا الذين ينتظرون ويكون عندهم انتظار الفرج كلما كان أقرب فهو أفضل، لا هذا المعنى، وإنما المعنى يستعجلون فيخالفون إرادة الله، يعترضون على الله والعياذ بالله. أو تحدث لهم بعض العلامات غير الثابتة في الكتاب والسنة.
ليس معنى الاستعجال انتظار الفرج مثلاً أو انتظار بعض العلائم التي يأمل المؤمن أن تحدث عاجلاً ليفوز بالظهور مثلاً، وإنما الاستعجال الذي ذكرناه أولاً مذموم قطعاً والثاني بعكسه.
س6/ هل كان تحريف الروايات لخدمة الحكومات الغاصبة والظالمة في زمان المحرفين؟، أم أن هذا التحريف هو من تدبير أعداء الإمام عجل الله فرجه؟
ج/ قد تكون هناك تحريفات متعمدة وضعت لدواع اقتضاها زمن التحريف. كالزيادة التي وردت في رواية أبي داود ( واسم أبيه اسم أبي)(50) فقد احتمل بعض العلماء أن تكون هذه الزيادة من أجل أن يثبتوا الإمامة لمحمد بن عبد الله بن الحسن ذي النفس الزكية، فقالوا بأن اسم أبيه اسم أبي، حتى يكون المهدي هو محمد بن عبد الله بن الحسن في ذلك الزمان.
وقد تكون بعض التحريفات مثل هذه الرواية لأجل حكومات ذلك الوقت، لكن بعض التحريفات التي حدثت ليس لها مدلول غير العداء والعناد. وإلا فالحق موجود ومشهور كالشمس في رابعة النهار لا يمكن إنكاره، لذلك كان أغلبه من باب العناد. وقد يكون هناك تجاهل أو جهل إلا أن الذي نشاهده أغلبه عناد والعياذ بالله. أعرض بخدمتكم لو كان المهدي من أبناء بني أمية لما كانوا يعترضون عليه، أما كونه من أبناء علي وفاطمة فيعترض عليه، وقد اتضح أن الاعتراضات بعد هذا البيان والوضوح أغلبها من جهة العناد وقد يكون بعضها من جهة خدمة بعض الحكومات الغاصبة.
س7/ إن ما نواجهه في الأنترنت من إشكال عند إيصال مفاهيم التشيع للآخرين هو: ولادة المهدي المنتظر، وطول العمر، وسبب الغيبة حيث نحتاج إلى تحليل مبني على أسس علمية لهذه التساؤلات. فهل من بيان لذلك؟
ج/ سنبين فيما يأتي مسألة طول العمر للإمام المهدي أرواحنا فداه وسبب الغيبة، حكم الغيبة على ما يوافق الوجدان وتوافقه العقول. بالإضافة إلى الروايات الشريفة، وكذلك طول العمر نبينه إن شاء الله على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة، ثم على صعيد الوجدان، ثم الأسس العلمية كذلك. حتى سننقل _ بعون الله _ بعض النصوص الطبية التي تبرهن على إمكان طول العمر، بل وجوده إن شاء الله.
س8/ بعد السلام: هل بإمكانكم تسليط الضوء على الأدلة الوجدانية التي يتحرك بسببها وجدان الإنسان ليعتقد في الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه؟
ج/ لا شك أن الوجدان مما يتبع العقل. والعقل سيدرك بعد ملاحظة الأدلة الشريفة حقيقة هذه العقيدة ووجدانية هذه العقيدة. والعقل حينما أدرك ثبت الوجدان، لأنه يصدق دائماً الأمور الوجدانية والبديهيات العقلية لذلك بعد ثبوت الإمام المهدي عقلاً يكون هذا الأمر ثابتاً في الوجدان أيضاً، كما سنبين بعون الله وقوته ما يكون من الأدلة العقلية على الإمام المهدي وما يثبت حوله من البحوث.
س9/ هل علامات الظهور حتمية الحدوث أم أن منها مشروطاً شرطاً ولا يحدث، وهل يجب أن تسوء الأوضاع أكثر لكي تتحقق العلامات؟
ج/ هذا ما نبينه إن شاء الله في البحث الأخير قبل ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه عند ذكر علامات الظهور. وقد قسمنا العلامات إلى أقسام ثلاثة، بعض العلامات هي علامات الغيبة لا الظهور، بعض العلامات القريبة من الظهور، والبعض الثالث العلامات التي تقارن الظهور في سنته أو ما يقارب سنته، في تلك العلامات من القسم الثالث، التي هي الحرية بأن تسمّى علامات الظهور، وهي فيها قسمان: قسم: علامات حتمية وهي خمسة، وقسم علامات غير حتمية وهي سبعة وسنبينها إن شاء الله تعالى إذا وصل البحث إليها.
س10/ هل كانت غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه من الناحية المادية الجسمية؟ عليه السلام
ج/ سنذكر بعون الله تلميحاً نبين فيه غيبة الإمام المهدي ومعنى الغيبة من جهة الروايات الشريفة، بل من جهة نصوصها العربية.
الغيبة بمعنى الخفاء: عدم الرؤية لا عدم الحضور وعدم الجسمية، لا أن جسمه _ روحي فداه _ غير حاضر بيننا، وإنما غائب بمعنى أنه خفي عن عيوننا. وسنذكر روايات معتبرة تدل على أنه في كل سنة يحضر الموسم يرى الناس ولا يرونه ويحضر يوم عرفات(51)، وإنه ليطأ فرشكم ولكن لا ترونه، يأتي في المجلس، يُرى جسمه، يكون حاضراً لكن غيبته غيبة خفاء عنا لا غيبة لجسمه، وسنبين ذلك إن شاء الله في كلامنا في الغيبة بعون الله تعالى.
نسأل الله التوفيق للجميع وأن يجعلنا من أعوان وأنصار الإمام الحجة، وأنتم من أعوانه. أسأل الله لكم البقاء على ذلك ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
س11/ هل يمكننا تقسيم جنود الإمام الحجة إلى ثلاثة أقسام: الأول: مباشر من نوع الملائكة وخواص الأنس والجن. الثاني: نوع يتلقى الأمر منه بشكل غير مباشر. الثالث: يتصل به عجل الله فرجه بشكل معنوي؟
ج/ بعون الله تعالى سنبين في الفصل الخامس ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه وقيامه، وقدرة جنده وقوته السماوية والأرضية.
لقد قسمنا القوى إلى عشرة أقسام: منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي وجميعها في يد الإمام قدرة غالبة، وجامعها أنها تكون قوة ربانية وتبقى قوة أعظم الدول قوة إنسانية مهما بلغت من الفتك والدمار (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) (52) وللإمام المهدي انتصارات أخرى سنبينها في البحث الخامس تفصيلاً إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
الهوامش
(1)- راجع هذا المعنى في عون المعبود للعظيم آبادي ج 11 ص 247 ـ 257، وسير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 119 ـ 122، والبداية والنهاية لابن كثير ج 1 ص 177، وكذلك رد الشيخ المفيد في كتابه ج 1 ص 4 رسائل الغيبة.
(2)- نفس المصدر.
(3)- كشف الغمة للأربلي ج3 ص 277.
(4)- البيان في أخبار صاحب الزمان: ص 483.
(5)- سنن الترمذي ج 3 ص 343.
(6)- مسند أحمد ج 1 ص 376 و377 و430و448.
(7)- كمال الدين للصدوق، ج1: 287، ح7 و ج2: 334، باب 33، ح4.
(8)- كفاية الأثر للخزاز القمي ص 67 ، 83 ، 154.
(9)- الصواعق المحرقة لابن حجر: 236.
(10)- تذكرة الخواص لابن الجوزي: 143.
(11)- المستدرك للحاكم، ج 4: ص 441، 464، 557.
(12)- البيان للكنجي الشافعي: 99، 483.
(13)- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 424، باب 94 و134، باب 145.
(14)- منتخب الأثر للشيخ الصافي الگلپايگاني، ج2: 142، 46، 202.
(15)- القصص (28): 5.
(16)- آل عمران ، الآية 164.
(17)- الاقتصاد للشيخ الطوسي: 210، وكتاب سليم بن قيس ص 215، وص 404، والاعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص 80.
(18)- البحار ج 45: 143، تفسير القمي ج 2: 135، تفسير فرات الكوفي: 149.
(19)- القصص (28): 5.
(20)- الغيبة للشيخ الطوسي: 184، الحديث 143.
(21)- نهج البلاغة ج 4: 47، تفسير الصافي للفيض الكاشاني ج 4: 80.
(22)- تفسير كنز الدقائق: 9/ 337.
(23)- جوامع الجامع: 312.
(24)- شواهد التنزيل: 1/ 537.
(25)- البحار للمجلسي ج 52 : 324.
(26)- راجع نحو هذا شرح الأخبار للقاضي المغربي ج 3: 394، وتفسير القرطبي ج 8: 121، وج 18: 68.
(27)- ينابيع المودّة: 3/ 240.
(28)- إلزام الناصب: 1/ 115.
(29)- سورة الصافات ، الآية 100 ـ 101. وتفسير ابن كثير ج 4: 218 ، وفتح القدير للشوكاني ج 5: 221.
(30)- سورة الانبياء ، الآية 105.
(31)- من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام والإمامين الحسنين والإمام السجاد والإمام الباقر عليهم السلام ( 2ق هـ ـ 76 هـ ) وكتابه أول مصنف عقائدي حديثي وصل إلينا من القرن الأول.
(32)- إكمال الدين وإتمام النعمة: 299 الحديث 11 من الباب 24.
(33)- إكمال الدين وإتمام النعمة: 337 الحديث 16 من الباب 26.
(34)- إكمال الدين وإتمام النعمة: 415 الحديث 1 من الباب 6.
(35)- الإمامة والمهدوية: 3 / 35.
(36)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10: 96، ط 1، دار إحياء الكتب العربية.
(37)- سبائك الذهب للسويدي: 78.
(38)- المقدمة لابن خلدون: 317.
(39)- غاية المأمول: 5 / 365 نقلاً عن كتاب منتخب الأثر.
(40)- الكافي للكليني ج 1: 328.
(41)- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ص 224.
(42)- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 137.
(43)- جواهر الكلام: 41 / 170.
(44)- بداية المجتهد: 2 / 381.
(45)- إكمال الدين وإتمام النعمة: 433 الحديث 16.
(46)- راجع: الاعتقادات للصدوق ص 79، والصراط المستقيم للنباطي ج 2 ص 124، وغاية المرام للبحراني في عدة مواضع من اجزائه..... وعدة مصادر من طريق العامة والخاصة.
(47)- راجع الاحتجاج، ج2: 318، وقصص العلماء ص 398.
(48)- الاحتجاج ج2: 322.
(49)- الامامة والتبصرة لابن بابويه ص 39، وفيه: «هلك المستعجلون ونجا المسلمون...» وراجع الكافي ج 3: 130 ح 4 هامش 2 في بيان قوله عليه السلام «هلكت المحاضير».
(50)- سنن أبي داوود ج2 : 309.
(51)- راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 152.
(52)- آل عمران، الآية 160.