أدعياء السفارة المهدوية في عصر الغيبة التامة
الجذور والدوافع
السيد نبأ الحمامي
من الأمور التي ارتبطت ارتباطا مباشرا بالفكر العقائدي للشيعة الإمامية, هي العقيدة المهدوية, وغيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) محمد ابن الإمام الحسن بن علي العسكري , وادخاره ليملأ الله تعالى - بعد ظهوره – الأرض قسطا وعدلا , بعدما ملئت ظلما وجورا.
وقد ظهرت على ساحة حياة المسلمين: قديما وحديثا, ادعاءات لأشخاص وحركات وفرق, تدّعي انتماءها وتمثيلها للإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف), أو أنها مقدمة لظهوره, حتى أصبحت (ظاهرة) ترتّب عليها الكثير من المفاسد والسلبيات, وتسببت بالعديد من الانحرافات في العقيدة, وسفك للدماء, وانتهاك للحرمات, كونها من القضايا الوثيقة الارتباط بعالم الغيب, وهو عالم يتطلع الإنسان إلى كشفه ومعرفته بحسب فطرته وطبيعته, ويخفي تحت ردائه الكثير من أصحاب المطامع والمصالح وأصحاب الادعاءات البراقة والمغريات الجذابة, ممن يعملون على التلبيس على الناس وخداعهم وتضليلهم, مما يستوجب إيلاء هذه الظاهر(دعوى السفارة المهدوية) عناية وأهمية بالدراسة والنظر, والتعرف على أسبابها وتاريخها وأدواتها وغاياتها والدوافع التي تنطلق منها, لإظهار جوانب الحق فيها وتمييزها عن أباطيل مدعيها, وكشف ما يتوارى عن الأنظار من تدجيل, وإيضاح ما يلتبس على الناس من شُبَه يرتدي فيه الباطل أردية الحق, فتتبع الأهواء, وتقع الفتن. كما أوضح ذلك مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله (أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع, يخالف فيها كتاب الله، يتولّى فيها رجال رجالاً، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص, لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان, فيجيئان معاً, فهناك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى)[1]
ولعل أدق تعبير ورد للتدليل على ادعاء السفارة والنيابة عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) ما صدر عنه نفسه(عجل الله فرجه الشريف) في توقيعه للنائب الرابع علي بن محمد السمري قبل وفاته, قال فيه( (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك, فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك, فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) [2].
فقد وردت في التوقيع المبارك كلمة (المشاهدة) تعبيرا عن الاتصال بالإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). للتأكيد على نفيها, سواء كان ذلك الاتصال على نحو:
1- التمثيل الرسمي له(عجل الله فرجه الشريف), كالنواب الأربعة في الغيبة الصغرى, إذ يُنَصَّب ليكون كحلقة وصل بين الشيعة والإمام، ويكون على اتصال دائم به(عجل الله فرجه الشريف) بحيث يوصل من وإلى الحجة عليه السلام. بمعنى أن النيابة أو السفارة الخاصة عن الإمام تمثل وظيفة وتكليف رسمي من قبل الإمام(عجل الله فرجه الشريف) يأتمر – بموجبها- النائب بكل صغيرة وكبيرة من أوامره, وينجز أعماله في المهام التي يكلفه بها الحجة عليه السلام، وتظهر على يديه دلائل وبراهين على النيابة الخاصة من قبل الحجة عليه السلام. كما في قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (العمري (عثمان بن سعيد) وابنه (محمّد) ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) [3].
2- أو ما يكون مقدمة لخروج الإمام(عجل الله فرجه الشريف), وعلامة على ظهوره, وداعية له. كاليماني والحسني أو الخراساني. إذ لا تمثيل رسمي لهم عن الحجة(عجل الله فرجه الشريف), ولا نيابة لهم عنه, ولا يمثلون أيّ صفة رسمية عنه.
أن أدعياء المهدوية والسفارة موضوع قديم في جذوره وامتداداته السابقة, وجديد في تمظهراته الحالية، وهذه الدعاوى وان تلفعت بالدين، ورفعت الشعارات البراقة, إلا أنها - وكما أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة - تعتبر من أشد الأعداء للدين. وعلى الرغم من تميز إحداها على الأخرى في بعض الخصوصيات، ألا أنها تلتقي على الكثير من القواسم المشتركة عقائديا وسياسيا و إعلاميا و منهجيا.
وفي سير بحثنا, سنوجه عنايتنا واهتمامنا ضمن نقاط رئيسة تلم بجوانب الموضوع ما استطعنا الى ذلك سبيلا, من خلال:
النقطة الأولى: العقيدة المهدوية ضرورة وأمل وترقب.
احتلت العقيدة المهدوية في الفكر الإسلامي, والشيعي بصورة أخص, مكانة الثوابت والضروريات, بسبب تأكيد نصوص, لا حصر لها, عليها, حتى أصبحت من البديهيات العقدية. فقد اتفقت كلمة المسلمين: إمامية وغيرهم, على أنه سيظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يده المباركة, بغض النظر عن اختلافهم في بعض الخصوصيات.
إذ توافر في أصل ثبوت العقيدة المهدوية من الروايات ما بلغت رقما إحصائيا لم يتوافر لأية قضية مشابهة من قضايا الإسلام, بلغت به أعلى درجات التواتر, ونقلتها الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً, المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها, واجتمعت على أخراج تلك الروايات. وتعددت الطرق إليها تعدداً تحيل العادةُ تواطؤهم على الكذب, فأفادت علما يقينيا بصحتها وثبوتها,وصار الاعتقاد بها من ضروريات الإسلام.
كما ثبت ذلك لكثير من مسائل الغيبيات, كالإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وبسؤال الملكين(منكر ونكير) وبالبرزخ وبغير ذلك من المغيبات التي جاء بها القرآن الكريم, أو نطق بها الرسول الأمين(صلى الله عليه واله). وأن هذا الغيب سواء تعقله الإنسان وأدرك جوانبه, أو لم يستطع إدراك شيء منه وخفيت عليه أسراره، فإنه مأمور بالإيمان به، غير معذور بإنكاره، بلحاظ أن مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالى، وبصدق سفرائه وأنبيائه الذين ينبئون ويخبرون بما يوحى إليهم, وهو جزء لا يتجزأ من العقيدة, فكل تشكيك بشأنها - أي قضية المهدي(عجل الله فرجه الشريف) - إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب. وقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل " هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق[4].
كما أن قضية المهدي(عجل الله فرجه الشريف) هي قضية أمل وترقب, مرت بها الطائفة الإمامية تجربةً وقضيةً وحقيقةً تاريخية, وتمثل في أدبياتها شعورا وأملا وترقبا, وانتظارا إيجابيا فاعلا ومؤثرا في حياتها وجهادها المستمر في مواجهة الظلم والظالمين والطغاة والجبارين.
انها تدفع الإنسان لمراقبة الحالة الإنسانية السائدة, والتفاعل معها, ومسايرتها, والتكيف مع ظروفها, مع الحفاظ على هوية المسلم الموالي, الملتزم بأحكام الشريعة, إذ لا ريب أن انقطاع النيابة والسفارة في غيبة الإمام(عجل الله فرجه الشريف) لا تعني الانقطاع القلبي والمعنوي عنه عليه السلام، بل اللازم على المؤمن القيام بالوظائف الشرعية في فضاء وجو الاعتقاد بإمامة المهدي عليه السلام، والتولي له، والتبرؤ من خصومه ومناوئيه ومنكريه، ومعايشة هذا الاعتقاد.
أن العقيدة المهدوية ليست عقيدة فردية يعيشها الفرد في نفسه أو في ظرفه وميدانه الخاص, بل هي عقائد تقتضي الارتباط بالمجتمع وتحمل المسؤولية بالموقف السياسي والاجتماعي, فهي عقائد لها تداعيات وتوجّهات وتأثيرات خارجية فعلية. يقودها الأمل بظهوره الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذه هي حالة (الانتظار) التي ذكرتها جملة من الروايات وأكّدت عليها [5]
النقطة الثانية: مقام السفارة بين خطر المنصب وتسويلات المدّعين
واذ حظي مقام السفارة بالارتكاز الضروري لدى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام), ووجود الروايات المتواترة بظهور مهدي آخر الزمان, حين تعصف بالناس المحن وتهزهم الشدائد والإحن, وتعد الموالين - في الوقت ذاته - بقيام دولة العدل الإلهي التي يكونون فيها قادة, وتحمل من عناصر التطور, والمدنية, وتسخير الأشياء, وظهور كنوز الأرض, شيئا كثير, فهم الموعودون بالاستخلاف والتمكين في الأرض. وإمامهم المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) من يملك مشارق الأرض ومغاربها ويملؤها قسطاً وعدلاً ، وهو أمر لا سابقة له في تاريخ الأنبياء وأوصيائهم.
وهذه الخصائص بمقدار ما تمثل عاملا مؤكدا للإيمان بالعقيدة المهدوية, ومشجعا على العمل الصالح, فهي – في الوقت نفسه - وسيلة سهلة, لجذب عوام المؤمنين وخداعهم وتضليلهم وانجرارهم وراء كل مدع من دون تحقق, وبالتالي اختراق المجتمع المؤمن من قبل الأعداء لتهديم العقيدة المهدوية والفكر الأصيل لمذهب أهل البيت(عليهم السلام). إذ يتخذ مدعو السفارة والنيابة من هذا الارتكاز والضرورة وما يستتبع من خصائص وامتيازات, مادة لتكثير السواد حولهم, وانشداد الناس إليهم, ومناسبة لحشد التأييد الشعبي لأي ثائر يرفع هذا الشعار، لإضفاء نوع من القداسة على ثورته.
ولا يصح الاعتقاد بأن ظاهرة النيابة عن الإمام المعصوم كانت في فترة الغيبة الصغرى فقط. بل إن الصحيح - حسب الروايات العديدة - أن هناك نواباً وسفراء خاصين للمعصومين قبل الإمام المهدي عليه السلام, حين نص الإمامان علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام على سفارة ونيابة عثمان بن سعيد العمري, وابنه محمد بن عثمان, وصرّحا بكون العمري وابنه سفيرين، فقد ورد عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قوله (العمري وابنه ثقتان ، فما أديّا إليك عنّي فعنّي يؤديان, وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان)[6]
والنائب الأوّل كان وكيلاً خاصاً للإمام الهادي عليه السلام ثمّ للإمام الحسن العسكري عليه السلام ثمّ سفيراً للصاحب عليه السلام.
ان ادعاء نيابة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) قد أحاطه أعداء الدين بالعناية والاهتمام, بعد أن وجدوا في مثل هؤلاء المدعين أداة فعالة لتهديم فكرة المهدي والإساءة الى قدسيته, وتفريق كلمة المسلمين والشيعة خصوصا, وجعلهم في حالة دائمة من الصراع الداخلي وتفتيتهم, لشغلهم عن مجابهة العدو الحقيقي لهم. فاتحدت الإرادتان الشريرتان لتبرز مسألة السفارة المزعومة.
بل الدعوى ترقت الى المهدية نفسها. فقد ذكرت المصادر الروائية أسماء كثيرة لأدعياء المهدوية. وفي الغالب، فإنّ دعوى الوكالة تجرّ إلى ادعاء المهدوية، وربما ترقى إلى ادعاء النبوّة، فإن (كل هؤلاء المدعين إنّما يكون كذبهم أولاً على الإمام(عجل الله فرجه الشريف) وأنهم وكلاؤه، فيدعون الضَّعَفَة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه)[7]
ويتبين من كلام الشيخ الطوسي أن مدعي النيابة كان دأبهم منذ البداية السيطرة على عقول البسطاء من العامة وترويج بضاعتهم عند جهلة الناس.
وقد ذكر الشيخ الطوسي بعض الذين ادعوا السفارة في زمن الغيبة الصغرى وما قاربها، وهو زمان امتحان شديد، مرّ به أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، لأنّهم لم يكونوا معتادين لظاهرة الغيبة. وقد عقد(رحمه الله) باباً خاصاً لذكر المذمومين من مدعي السفارة، والنيابة عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
ونذكر بعضا من مدعي النيابة بعد شهادة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام), وبداية الغيبة الصغرى للإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف). ولا نتوسع الى مدعي النيابة عن باقي الأئمة(عليهم السلام), فضلا عن مدعي الإمامة والنبوة, فيخرج البحث الى الإطالة والإطناب, بل يكفي ذكر بعض الأسماء البارزة ممن ادعوا السفارة والنيابة زمن الغيبة الصغرى وما بعدها. منهم:
1- الشريعي. "وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمّد (الهادي)، ثمّ الحسن بن علي بعده عليهما السلام. وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء، فلعنته الشيعة، وتبرّأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه"[8]
2- محمد بن نصير النميري. "كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام فلمّا توفي أبو محمّد ادعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي... وكان يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمّد (الهادي) عليه السلام أرسله، وكان يقول بالتناسخ, ويغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية "[9]
3- أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي. عاصر الإمام الرضا عليه السلام حتى زمان الغيبة الصغرى، وادعى السفارة عن الإمام(عجل الله فرجه الشريف) بعد وفاة السفير الأول مدعياً أنه لم يقف على نص يثبت سفارة السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري. وقد ورد اللعن بحقه من قبل الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) [10]
4- محمد بن علي الشلمغاني. "يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن أبي العزاقر: له كتب، وروايات، وكان مستقيم الطريقة، ثم تغير وظهرت منه مقالات منكرة... كان متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب، والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه"[11]
5- أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال. " وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وامتناعه من تسليمها، وادعائه أنه الوكيل, حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف"[12]
6- الحسين بن منصور الحلاج."عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه. قال: ان ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن (أخي الصدوق) يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله. (قال): فلمّا وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه (أي أبي الحسن بن علي بن بابويه القمي والذي كان وكيلاً للعسكري (عليه السلام) خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟... واشتهر أمره بالحلول والإلحاد عند الصغير والكبير، وانكشف حاله ونفر جماعة الشيعة منه"[13]
ولم تتوقف ظاهرة ادعاء مقام النيابة زمن الغيبة الكبرى, بل توالت حتى غدت قصص المدّعين للسفارة والوكالة الكاذبين على الله وعلى حججه عليهم السلام، تتكرّر بين فترة وأخرى, والى يومنا هذا. وفي زماننا شاهدنا وسمعنا عن عشرات الأشخاص من مدعي التواصل مع الإمام (عجل الله فرجه الشريف)أو أنّهم سفراؤه ونوابه. متخذين أساليب وأشكال في الدعوى لم تكن مألوفة زمن الغيبة الصغرى. منها:
1- دعوى السفارة والوكالة، بحيث يزعم الشخص أنّه سفير أو وكيل عن الإمام(عجل الله فرجه الشريف) أو باب إليه، ومأمور بنقل توجيهات الإمام إلى الأمة.
2- دعوى النسب والمصاهرة، حيث ادعى بعضهم أنّه ابن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، أو أنّ الإمام (عجل الله فرجه الشريف) متزوج بأخته.
3- دعوى أنّ الشخص هو أحد الشخصيات التي لها دور في حركة المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، أو في التمهيد له، كدعوى البعض أنّه اليماني.
فإن بعض الأشخاص تقصر همته عن نيل المراكز العالية، والدرجات العالية في هذه الدنيا بالطرق المألوفة والمعهودة؛ لأنها تحتاج إلى استقامة وبذل الجهد، مضافاً إلى احتياجها الى توفر كفاءات خاصة، فيلجأ إلى الوسائل التي لا تخلو من خداع وتلبيس، ويستعيض عن عجزه في نيل المعارف والمراتب العلمية باللجوء إلى ادعاءات غيبية, ومنها ادعاء السفارة والنيابة للإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف).
النقطة الثالثة: ادعاء السفارة المهدوي: دوافع وغايات
يمكن التفريق بين(الدوافع) و(الغايات) بصورة جوهرية, أن الدوافع هي مبادئ الحركة التي تجعل الدواعي في نفس الإنسان للقيام بالفعل. وهي ما يعبر عنها في علم النفس التربوي بـ(الدوافع الداخلية). وهي القوة التي توجد في داخل النشاط فتجعل الرغبة في نفس الشخص للقيام بالعمل. وتعد الدوافع مصدرا مهما للطاقات البشرية, والأساس الذي يعتمد عليه في تكوين العادات والميول والممارسات لدى الأفراد[14].
بينما (الغايات) هي الدوافع الخارجية المحركة بصورة فعلية للإنسان للقيام بالأعمال. بمعنى أن الدوافع هي علة للغايات.
الدوافع:
ويتيح لنا الاستقراء ملاحظة الدوافع والخلفيات التي تزين لأصحابها ادعاء السفارة المهدوية في العصور السابقة والحالية, ومنها:
1) الجهل المركب والفراغ الفكري و العقائدي. فإنّ بعض الأشخاص قد يكونون من أصحاب النوايا الطيبة في بادئ الأمر، ويخيّل إلى أحدهم أنه يتواصل مع الإمام(عجل الله فرجه الشريف)، أو أنه اليماني أو ربما المهدي نفسه. فينخرط في هذا الأمر ويدّعي ذلك، وربما انقاد له بعض السذج أو زيّن له بعض الخبثاء، وأصحاب الأغراض الخاصة هذا الادعاء، وأغروه وشجعوه، ما يجعله يتمادى في وهمه ولا يصغي للنصائح والمواعظ، ولا يعير بالاً للحجج التي تفنّد مزاعمه وتبطل أوهامه.
2) حبّ الظهور والسلطة. وهذا العامل هو من العوامل الأساسية, والتي نجدها حاضرة في معظم ادعاءات المهدوية أو السفارة أو التواصل بشكل أو بآخر مع المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
3) السعي إلى جني المال. وهو استغلال هذا الادعاء في محاولة لجني الأموال وجمعها من خلال استغفال الناس وخداعهم. فإنّ الشخص المدعي عندما يزعم أنه وكيل الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، فمن الطبيعي - وفقاً لما هو المعروف لدى الشيعة الإمامية - أنّ الأموال لا بدّ أن تجبى إليه. وقد تقدم عن الشيخ الطوسي أنّ من مدعي البابية والنيابة أبا طاهر محمّد بن علي بن بلال. " وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وامتناعه من تسليمها ، وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف"[15]
4) الحسد. وهو عامل نفسي خطير يدفع بعض الناس إلى ادعاءات كاذبة وتلفيق مزاعم واهية، حنقاً وحسداً منهم لبعض من يقدرون أنّهم أولى منه في تسنم منصب معين من المناصب الدينية أو السياسية أو الإدراية. وهذا السبب نجده حاضراً في المقام، فبعض مدعي الأشخاص دفعه الحسد لادعاء النيابة. كما تقدم شيء من ذلك عن الشيخ النجاشي في ذكره لادعاء محمد بن علي الشلمغاني" وكان مستقيم الطريقة، ثم تغير وظهرت منه مقالات منكرة... وكان متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب، والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه"[16]
الغايات:
ان غايات مدعي السفارة تعد معلولة ومسبَّبَة عن الدوافع التي تقدم بعض منها. وعادة ما تكون الغايات التي يسعى اليها أدعياء السفارة والنيابة تحمل صفة العداء للإسلام, والمؤامرة على المؤمنين, فلم تتوقف محاولات مناوئي أهل البيت(عليهم السلام) لتفتيت الكيان الشيعي وزرع الفتنة بين أبناء الطائفة الإمامية التي تؤمن بالعقيدة المهدوية, حتى وصلت في عصرنا الحاضر الى مستوى الذروة لخلق حالة من العداء النفسي والفكري والاجتماعي والسياسي للإمام عليه السلام في أوساط القاعدة الشعبية الموالية له سواء الخاصة منها أو العامة، والى تغييب وتهميش فكرة وجود الإمام عليه الاسلام وما تحمله هذه العقيدة من روحية تفاؤل وإيجابية وحيوية ونشاط ودافعية نحو المستقبل. وذلك من خلال حشد العدد الأكبر من الناس للانضواء تحت راية المدعين, لتكثير سوادهم، وتقوية حركاتهم لهدم الإسلام من داخله، وإغداق الأموال والمساعدات على هؤلاء الأفاكين وأتباعهم، وإغراء ضعاف الإيمان للانضمام الى تلك الحركات.
من أجل ذلك نلحظ أن معدل, ونسبة عدد المدعين للسفارة المهدوية في العصر الحديث يظل مرتفعاً جداً ومتضخماً مقارنة بالحالات المتشابهة في التاريخ. فقد أخذ أعداء الإسلام, خصوصا أجهزة الاستخبارات المعادية وبإرادة دولية, على عاتقهم في السنوات الأخيرة خلق ظروف مناسبة، تفرز مناخاً يساعد على تقويض العقيدة المهدوية، لجعل مبادئ العقيدة المهدوية خاوية وفارغة من محتواها الأصلي.
ومن غايات مدعي السفارة:
(1) إيجاد حالة من الرفض للفكرة المهدوية بسبب الفشل المتكرر وتخبط المدعين. فأن انتشار ظاهرة ادعاء المهدوية الكاذبة وبكثرة في العصر الحديث وتكرار فشلها، سيؤدي الى اقتران هذا الفشل المتكرر بتكوين كره نفسي وعقلي للعقيدة المهدوية عند الشعوب الاسلامية، مما تدفعها لاتخاذ مواقف مضادة ومنفردة منها وتدفع كذلك المسلمين لتكوين مواقف مضادة لها وتنفير الناس من حولها.
(2) إضعاف حالة الاستعداد لدى المنتظرين, وهو تعبير آخر عن بث عوامل التحلل الديني والأخلاقي لدى المجتمع الموالي, وفك ارتباطه بالمبادئ السامية لمذهب أهل البيت(عليهم السلام). فتتضاءل حالة الاستعداد ويفتر حماس المؤمنين وكأن الأمر لم يكن، وهكذا تموت العقيدة المهدوية في النفوس والعقول وتموت معها فاعلية ثقافتها.
(3)تسقيط المرجعيات الدينية، والتي تمثل المركز الحقيقي والقلعة الحصينة للشيعة, والمناداة ببطلان تقليدهم، فهم يسعون الى هدم ثقة الناس بعلماء الدين الممثلين للامتداد الشرعي والتشريعي للمعصوم. ثم عزلهم ثم تصفيتهم ان تطلب الأمر.
(4) إشاعة ثقافة التكفير والغاء الرأي الآخر وتهميشه, مما يمهد لانتهاك الحرمات واستباحة الدماء. وهو ما يكشف حقيقة الدور الذي تقوم به (الصهيونية العالمية وتوابعها) في تسيير وتوجيه هذه الحركات. وما يترتب على التكفير من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وتفتيت المجتمع الشيعي.
(5) أنّها تمثّل مادة خصبة لمنكري العقيدة المهدوية لاستغلال هذه الادعاءات، في سعيهم ومحاولاتهم لتشويه صورة العقيدة المهدوية، وصورة المعتقدين بها. فهذا الاستغلال لاسم المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، وتوظيفه بهذه الطريقة الرخيصة، يدفع أولئك إلى تسخيف العقيدة المهدوية نفسها. وقد لاحظنا كيف تعمل بعض وسائل الإعلام المغرضة أو التي تهدف إلى الإثارة واجتذاب المشاهدين إلى الترويج لهؤلاء ونشر مزاعمهم وبث آرائهم، ناهيك عن أن الفرصة قد أصبحت متاحة لهؤلاء لنشر أفكارهم والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
------------------
الأدوات والأساليب والحجج
السيد نبأ الحمامي
في البحث الذي بين أيدينا نستكمل – ان شاء الله تعالى – ما بدأناه من بحث (أدعياء السفارة المهدوية في عصر الغيبة التامة), إذ كان القسم الأول منه معقودا للحديث عن جذور فكرة ادعاء المهدوية, والدوافع التي ينطلقون منها والغايات التي يرمون إليها, ووضع مخططاتهم التي يريدون بها تفريق المسلمين, وبالأخص شيعة أهل البيت(عليهم السلام), أمام أنظار الجميع, وتسليط الأضواء على جوانب مهمة في هذا المضمار.
ونستكمل في هذه السطور البحث, تتميما لبعض الجوانب التي لم يحط بها القسم الأول منه, وتعميما للفائدة, ليتشح القارئ برود الحصانة ضد التيار الفكرية المنحرفة التي غزت مجتمعنا الشيعي من كل وجه, حتى فاقت في زخمها وخطورتها وتعدد أساليبها وتنوع أدواتها وسائلها أخطر الحروب العسكرية. وذلك أن فكرة (ادعاء السفارة المهدوية) تناغم الاوتار الحساسة في النفس البشرية, وما يستهوي البسطاء من الناس وذوي الثقافة المحدودة. فما لم يكن الانسان محصناً بالثقافة الشرعية والعقائدية المناسبة، وما لم يكن ممن يعتمد الدليل العقلي في فهمه للدين، فإنه سيكون لقمة سائغة لهذه الدعوات. ومن ثَمَّ وقوع الكثيرين من البسطاء في هذا الفخ وتصديقهم لهذه الادعاءات.
وقد يصيب القارئ شيء من التلكؤ والإحباط حين يقع على الأساليب المتعددة التي يتخذ منها أولئك المدعون, وتظافر أذرع الشر بمحركاتها العالمية, قديما وحديثا, لحرف الفكر الأصيل لأهل البيت(عليهم السلام) الذي استقى منه المسلمون وانتفع به المؤمنون وأشرق على العقلاء في شتى ميادين المعمورة وأرجائها. وربما يكون أسير الحيرة في كيفية مجابهتها, وتمييز واقعها وكشف زيفها, وقد تلبدت سماء الأفكار بسحب الفتن واختلطت وشائج الباطل ببعض نسائج الحق. غير ان هذا الأمر يهون حين يعلم المؤمن أن الفتن إنما تصيب بلأوائها من لم يتسلح بالمعرفة, وترك عقله عرضة لرياح الفتن, تجري بأمر الباطل في أفكاره حيث تشاء, فإذا أخذ لتلك الأخطار أهبتها, وتدرع بالأدلة العقلية والنقلية التي نقلها علماء السلف عن معدن العصمة والطهارة(عليهم السلام), وأفاضت ببيان كل ما يتعلق بهذه الفتن, وما يجري فيها, وكيف للمؤمن من سلوك سبيل النجاة منها, فلا يبقى للشك مجال, ولا للحيرة موضع, ولا للضعف وجه.
فقد روي عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال أَمَا واللَّه لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ.. قُتِلَ.. هَلَكَ.. بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ.. ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ, ولَتُكْفَأنَّ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَه, وكَتَبَ فِي قَلْبِه الإِيمَانَ وأَيَّدَه بِرُوحٍ مِنْه, ولَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ.
قَالَ: فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه تَرَى هَذِه الشَّمْسَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ واللَّه لأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِه الشَّمْسِ[1]
وظاهر من هذه الرواية نشوء حركات ترفع شعار الإصلاح ، وتتقمّص مشروع المهدويّة، حتى يشتبه الحال والأمر فيها على كثير من الناس، إلاّ أنّه عليه السلام حدّد ضابطة في استعلام ظهور المهدي(عجل الله فرجه الشريف) والشخصيات المتصلة به, وعلائم ظهوره, على وجه كالشمس في وضوحها وظهورها, بما يمنع من حصول الالتباس فيها.
ولكي يلم البحث بجوانب الموضوع, ويكون أكثر قدرة على استيعاب ما يتفرع من جوانبه من أفكار ورؤى وإشكالات وردود. فقد ارتأينا أن يسلك سبيل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الأدوات والأذرع التي يستعين بها أدعياء السفارة المهدوية والظروف المساعدة لنشر دعاواهم.
افتتح معاوية بن أبي سفيان مشروع التآمر على الفكر المهدوي وأصالته بمحاولته صرف الأنظار عن (مهدي أهل البيت(عجل الله فرجه الشريف)) والترويج لملك بني أمية وسلطانهم, وأن دولة بني أمية هي دولة الحق المنتظرة, وهي التي يستمر وجودها وينبسط نفوذها حتى يسلّمون الأمر الى (المسيح). حيث نقل عن معاوية قوله لبني هاشم (زعمتم أن لكم ملكاً هاشمياً ومهدياً قائماً، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه له) [2]
ولم تفتر عزيمة القوى المناوئة للحق, والمعادية للرسالة المحمدية, بزوال دولة بني أمية, بل تصاعد نشاطها وتشعبت طرقها كلما امتد الزمان, وكلما ازدادت قناعة الناس وإيمانهم بمهدي آل محمد (صلى الله عليه واله), وتحديد كل التفاصيل المتعلقة بظهوره المبارك, وفضح روايات المعصومين(عليهم السلام) لمحاولات الأعداء وطرقهم لتشويه هذه العقيدة, وإحداث حالة من خلخلة الصف لدى المجتمع الشيعي, بزج أدعياء للسفارة المهدوية, مسلحين إياهم بكل الوسائل والحيل الشيطانية التي تخترق العقول وتروق للنفس الأمارة بالسوء وتنطلي على البسطاء من عوام الناس.
ولا يساورنا أدنى شك في أن أعداء الإسلام يقفون خلف مدعي المهدوية حديثاً، وليس بمستبعد أن يكون الخائفون من العقيدة المهدوية الحقة هم الذين يدفعون ويغرون بعض السذج لفصل الجماهير المؤمنة عن هذه العقيدة الأصيلة, وذلك من خلال:
أولاً: خلقهم ودعمهم ومساندتهم لمدعي السفارة قديما وحديثاً. حتى اتخذت في هذه العصور شكل المؤامرات الدولية, واستخدمت فيها أوسع أبواب العلم والوسائل المخابراتية الحديثة, إذ " ان أصل أو بعض أبعاد المؤامرات الدولية ينصبّ على الأديان والمذاهب, بمعنى التآمر لخلق وصناعة دين أو مذهب جديد يولد في رحم الدهاليز السرية لأجهزة المخابرات الدولية.. ان المؤامرات كانت في السابق أقل تعقيدا ثم تطورت بعد ذلك وازدادت تعقيدا ودهاء. والغرب الذي لا يغفل عن الشيء البسيط في سبيل السيطرة على الأمم كيف يغفل عن موقعية الأديان وسلطتها وسيطرتها على الإنسان.. ولقد ابتكروا لإشاعة الفوضى الهدامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وغيرها مصطلح(الفوضى الخلاقة). وجوهرها يعني تخريب الوضع القائم لأجل تغيير قواعد اللعبة السياسية, ومن ثم صناعة واقع جديد.. وهناك فوضى خلاقة أخرى تستهدف الأديان , وتهدف الى إيجاد فوضى متعددة الأبعاد عبر صناعة الأديان والفرق المنحرفة الضالة أو عبر تحريف أسسها واتجاهها, وتفكيك الأديان وإيجاد انشقاقات ومذاهب متناحرة داخل جسم الدين الواحد.. لتشتيت الكلمة وتفكيك القوة, ما يعبّد الطريق للسيطرة عليهم ونهب ثرواتهم ومقدراتهم.. إذ ان فكرة انقسام الأديان تساعد كثيرا في السيطرة والتحكم بمقدرات الشعوب والدول "[3]
ثانياً: إشاعة وترويج صلة هؤلاء بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته الكبرى، على نحو يدعي أنه يتلقى منه الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية والذي - بزعمهم - توافق الحق والصدق وتطابق الواقع الذي يريده الله سبحانه وتعالى. وعند تصديق ذلك يجب حينها الاستغناء عن الفقهاء (المرجعية الدينية)، لأن المراجع يعيشون مرحلة الحكم الظاهري (حسب قواعد الاجتهاد الفقهي)، الذي قد تصيب الحق والصدق وتطابق الواقع، أو قد تخطئ. ومرحلة الحكم الظاهري قد انتهت بظهور السفير (المدعي للسفارة والنيابة الخاصة) والذي يرجع للإمام المعصوم عليه السلام مباشرة، وبالتالي ينقل الأحكام والمسائل الحقة والمطابقة للواقع.
وبناءً على هذه الفكرة، يدعم الأعداء مدعي السفارة وينشؤون جماعات وحركات موالية لهم كجماعة اليماني في العراق، وذلك كامتداد متطور وحديث لحركة البابية [4] والبهائية [5] في إيران، والقاديانية [6] في الهند. فيتم بذلك إضعاف المرجعية الدينية بالاستغناء عنها شيئاً فشيئاً، وضرب الجانب المالي والاجتماعي والسياسي لها، ولذا أخذوا لاحقاً بنشر وترويج بعض الأفكار الهدامة مثل كمحاولة تسقيط مرجعيات الدين, ومحاربة التقليد في الفروع وغيرها.
ويتدرجون مع إتباعهم في تلقين الأفكار المنحرفة, فيبدؤون بالدعوة لترك طلب العلم, لأنه غير نافع في زمن ظهور المعصوم بزعمهم، وهو إغلاق لعقل المتلقي. ثم يدعون الى تسقيط المرجعيات الدينية، والمناداة ببطلان تقليدهم، لهدم ثقة الناس بعلماء الدين. والذي يعزز الريب والشبهة في هذه الحركات تأكيدهم على قضية (الطاعة المطلقة), اذ يدربون عناصرهم, والمنتمون إليهم, عليها بصورة تدريجية وبطريقة مدروسة, حتى يضحي المنتمي لهم فاقدا لأي وعي أو إرادة أو رأي، وهو ما يفسر لنا الولاء الأعمى لأعضاء هذه الحركات.
ومن الجدير بالملاحظة أن هذه التيارات والحركات المروجة لمدعي السفارة عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) قد ازداد نشاطها بعد سقوط النظام السابق, واندكاك عناصره الفتاكة بين صفوف الناس, بعد عقود من التجهيل و المسخ و التدمير للمنهج الفكري العقلي, حيث بدأوا بالانضمام الى هذه الحركات المشبوهة المزعزعة لإيمان الناس من جهة, والمخلّة بالحالة الأمنية من جهة أخرى. مستغلة الظروف القلقة واختلال الأمن ونقص الخدمات, والإحباط العام الذي أصاب الامة بسبب كثرة الجهات السياسية والدينية و صراعاتها على مناطق النفوذ ومصادر المال ومواقع القرار.
كل هذه الأمور ولّدت لدى الناس حاجة لاشعورية لوجود الإمام المنتظر الذي ينتشلهم من الوضع المأساوي الذي يعيشونه, وإذا أضفنا الى ذلك ضعف الوعي الديني عند العامة من الناس, وعدم تحصّنهم بالثقافة الصحيحة (للعقيدة المهدوية), فتكون النتيجة صيرورة العقل الشعبي العام في متناول أيدي المخططات الخارجية الخبيثة, لترويج فكرة السفارة عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف), وفسح المجال واسعا لأدعياء المهدوية لخداع الامة وتمرير مخططاتهم من خلال هذه العقيدة السامية.
ولأجل ذلك كان الكثير من المنضوين تحت دعوة أدعياء السفارة, مثل حركة أحمد إسماعيل گاطع الملقب نفسه باليماني, ممن لم تتوفر لديهم المعلومات الكافية التي يمكنهم بها كشف هذه الألاعيب والأساليب الشيطانية, فيغدون بسبب ايمانهم بهذه الحركات الهدامة شرسين خطرين لا يتورعون عن قتل معارضيهم, والتعامل بالقسوة والعنف مع كل من يختلف معهم في إيمانهم هذا.
ومن هنا تظهر الحاجة الملحّة للتعرف على الأساليب التي يتبعها أدعياء السفارة المهدوية, والطرق التي ينتهجونها للتأثير والسيطرة على جماهير لا يستهان بعددها, وهذا ما سيحاول المبحث الآتي تسليط الضوء عليه.
المبحث الثاني: الأساليب الإقناعية المتبعة لأدعياء السفارة لكسب الأتباع
لا يمكن وصف الأساليب المنحرفة التي يعمد إليها مدعو السفارة المهدوية للسيطرة على عقول الناس, وتوجيه أفكارهم, بـ(الأدلة), فإن المعهود من هذه اللفظة استخدام الأسلوب العلمي, والطريقة البرهانية التي يرتضيها العقلاء من البشر, والبعيدة عن أساليب التمويه وخلط الحق بالباطل. أما الطرق التي يرجع اليها هؤلاء لاصطياد فرائسهم من بسطاء الناس, فلا يصح أن تسمى إلا (بالأساليب الإقناعية) المعتمدة على كل طريق من شأنه إقناع الطرف الآخر بفكرته وعقيدته حتى لو كانت خطأ ومخالفة للواقع. وهذا بالضبط ما يتخذه أصحاب حركة (اليماني) وما شاكلهم من مدعي الاتصال بالإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) بعناوينهم المختلفة وتسمياتهم المتعدّدة سواء كانت تحت غطاء التشرف بلقاء الحجة، أو التظاهر بالتقى والورع والوصول إلى مقام الأبدال، أو الرؤيا في المنام، أو غير ذلك من الأساليب التي يأتي – ان شاء الله – ذكرها.
ان من الواضح أن الوصول الى حالة الفوضى الاجتماعية والدينية التي يستهدفها أعداء الإسلام لا يمكن الوصول اليها الا بعد إزالة العقبات التي تحول دون ذلك, وأكبر العقبات التي تقف حائلا دون تنفيذ أولئك الدجالون مقاصدهم وأغراضهم هو وجود المرجعيات الدينية التي شهدت أحداث التاريخ منذ زمن المعصومين(عجل الله فرجه الشريف) الى الآن مواقفهم المشهودة للدفاع عن العقيدة الحقة وبذل الغالي والنفيس للحفاظ على النهج العلوي الذي سار عليه الأئمة الأطهار(عليهم السلام), والتصدي لكل إشكال يثار من قبل المغرضين, وبذل الوسع والجهد في استخراج المسائل التي يحتاجه المكلف في ميادين الحياة المختلفة من المعين الصافي لأدلة استنباط الأحكام.
ومن ثَمَّ تتبين السبب في الحملات التي تثار بين الفينة والأخرى, من قبل مدعي السفارة المهدوية المزيفين ممن ينتسبون الى الدين زورا, ضد المرجعيات الدينية الشيعية لإسقاطها من أعين الناس, وبالتالي عدم الانصياع لتوجيهاتها, لما تتخذه المرجعيات الدينية الشيعية الحقة من موقعية أساس في نفس وشعور المؤمنين, وهي موقعية النائب العام للإمام المعصوم في: بيان مسائل الحلال والحرام, والدفاع عن حياض الشريعة المقدسة, ورد كل الإشكالات والشبهات التي يثيرها مناوئو الدين على اختلافهم, بل كان لعلماء الشيعة ومراجعهم التدخل المباشر في القرارات المصيرية في ظروف كادت تأتي على المجتمع الشيعي بالإبادة والتلف, لولا تلك المواقف المشرفة لتلك المرجعيات الشريفة, حتى ساهموا بأنفسهم وبفلذات أكبادهم من أبنائهم وتلامذتهم في معارك الدفاع المصيرية ضد الحملات التي استهدفت استئصال شيعة أهل البيت(عليهم السلام).
ومراجعة بسيطة لتاريخ جهاد المرجعية ضد الغزو البريطاني للعراق سنة(1914م), والمرابطة في ساحات الجهاد, وتحشيد قوى العشائر العراقية في معارك الدفاع ضد الغزاة, مرورا بالقرارات الشجاعة لمراجع الدين في مختلف البلدان الإسلامية التي وقفت سدا منيعا أمام خطط ومؤامرات أرادت النيل من العقيدة الشيعية واستهداف شبابها, وانتهاء بالهجمة الشرية التي اجتمع فيها أعداء الإسلام وقواهم المتحالفة المتخذة من جماعات (داعش) الإرهابية وغيرها, وسائل وأدوات للقضاء على الجمهور الشيعي وعلمائهم, وتهديم مراقد المعصومين(عليهم السلام) وإزالة كل أثر لهم, على طريقة جيش يزيد مع الإمام الحسين(عليه السلام) (لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية).
ان معرفة الأعداء لهذه الشأنية والموقع الأساس لمراجع الدين الشيعة في المجتمع المؤمن, جعل قوى الشر العالمية تولي كيفية التعامل مع المراجع الدينية أولوية وأهمية خاصة, وذلك من خلال تلبس أدواتها ورجالها بزي رجالات الدين ومحاكات الأسلوب الشرعي, لجذب قلوب الناس وأسر البسطاء منهم للإيمان بكل ما يلقى إليهم من أكاذيب وترهات, وادعاءات للنيابة والسفارة عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف), وتلقين أتباعهم الحشو من القول, والزيف من الدعاوى, وبث الأمور المنفرة من الدين وإشاعة العنف والهياج الشعبي لأسباب غير منطقية, للوصول الى حالة الفوضى الشعبية العارمة, وستكون (المرجعية الدينية) و(رجال الدين) – في هذه الحال - هم المشار إليهم والمتهم الرئيس في حالة الفوضى هذه, وبالتالي تزول هيبة وقدسية رجال الدين والمراجع من النفسية الشيعية, فلا يُسمع لهم قول, ولا يُقبل منهم توجيه, ولا تُطبّق لهم فتوى, ويكون المجتمع الشيعي لقمة سائغة يتناوله الأعداء من دون نصير ولا نكير. وما يحدث في العراق هذه الأيام خير شاهد على ذلك.
بل ان حالة التنفير من الفقهاء هي العنصر السائد الذي يمثل الركن الركين عند أدعياء السفارة والنيابة, فهم يوهمون العامة من الناس بارتباطهم بالغيب ويدّعون مقامات غيبية كي تنطلي ترهاتهم وأكاذيبهم على أفراد المجتمع, إذ سيكون كلامهم – على ذلك - إيحاءً غيبيا مرتبطا بالإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) عن طريق لقائه المباشر وسؤاله والتعلم منه, وأما أحكام الفقهاء فهي أحكام ظاهرية, غير واقعية, وهذه المرحلة قد انتهت بظهور السفير (المدعي للسفارة والنيابة الخاصة), والذي يرجع للإمام المعصوم عليه السلام مباشرة، وبالتالي ينقل الأحكام والمسائل الحقة والمطابقة للواقع. حتى وصل ببعضهم الأمر الى انكار الضرورات الدينية التي ابتنى عليها الإسلام وإسقاط التكاليف والعبادات من صلاة وصوم وحج وغيرها من العبادات, واستبدالها بتطهير الباطن و تنقية القلب مما علق به من حب الدنيا...
وقد يكون استجابة الناس لأمثال هذه الدعاوى البيّنة البطلان أمرا غريبا, بعد منافاتها الصريحة لثوابت الدين, وما علم صدوره يقينا من الشارع الأقدس, بيد ان التأمل في الأساليب المعتمدة لدى جماعة أدعياء السفارة المهدوية من جماعة أحمد إسماعيل گاطع وغيرهم, يورث الجزم والاطمئنان بتأثير أساليبهم الإقناعية على الحالة اللاشعورية للإنسان, حتى يغدو دماغه مفرّغا من أية ارتكازات عقلائية, أو إدراكات فطرية تميز بين الحق والباطل, أو الخير والشر. ومن تلك الأساليب الإقناعية التي يعتمدونها:
1- منهج التنويم الإيحائي. وهو مشابه للتنويم المغناطيسي من حيث التأثير في إرادة الإنسان والتصرف في خياله, غاية الأمر أن " التنويم المغناطيسي يستخدم للسيطرة على شخص معين, بينما التنويم الإيحائي يستخدم للسيطرة على جمهور عريض يراد التأثير فيه وتوجيهه "[7]
ومنهج التنويم الإيحائي له سوق رائجة وبضاعة نافقة عند وسائل الإعلام المحترفة الغربية وأجهزة مخابراتهم " الذي يعتمد على تأثير المعلومة – صادقة كانت أم كاذبة – في حد ذاتها, وتتابع المعلومات وتكاتفها وتأثيراتها الذاتية, باعتبارها مما يقتحم الذهن ويشكل نوعا من أنواع وجود الذهني الذي يعايش الشخص في داخله.. ان الغرب يمطر الناس بالمعلومات المختلفة, بل يقذفهم بسيل هادر من المعلومات كي لا تبقى لهم فرصة التفكير أبدا فيتأثرون – لا شعوريا – بكل ما يقال لهم عن طريق الانترنت والأقراص المدمجة والفضائيات والكتب والصحف وغيرها .. وهكذا تلقين وإيحاء يجهد الفكر ويحاصره من كل الجهات كي لا يبقى له وقت للتأمل والتمحيص والتدبر"[8] , فيشلّ عقله عن التفكير, ويفقد قدرته على الوصول الى قرارات واستنتاجات منطقية, ويضحي فاقد الإرادة والتمييز, فيقنع بكل ما يلقى إليه حتى لو كان واضح البطلان.
2- الاستخارة. وهي ليست حجة شرعا في مقام العلم والعمل بإجماع الإمامية, بل المسلمين جميعا. فان اصل الاستخارة في اختيار الديانة او تعيين الحجة باطل وغير صحيح. بحكم العقل والشرع, إذ لو تمسَّكنا بالاستخارة في أبواب الفقه لزم إسقاط أبواب كاملة من الفقه مثل باب القضاء, فلا نحتاج للحكم بالبينات والأيمان, بل يكفي للقاضي أن يستخير وينهي القضية. وكذا باب الطهارة, وثبوت الهلال، وحليّة الأطعمة والأشربة، وشكوك الصلاة والصيام والحجّ.
بل ان الاستخارة لم يلتزم بها أحد من العقلاء أو المتشرعة في الشؤون العامّة، كإدارة المجتمع والعمل السياسي، كأن يستخير في اختيار مرشّحه في الانتخابات، أو يستخير لاتخاذ قرار سياسي في الحزب المعيّن، أو لشنّ حرب, أو لتوقيع معاهدة صلح, أو اتفاقية أمنية أو عسكرية أو اقتصادية, أو نحو ذلك. فإن هذا هو الهذيان بعينه. ولم تكن سيرة النبي(صلى الله عليه واله) والأئمة(عليهم السلام) قائمةً على الاستخارة في شؤون العقائد والشريعة وسوى ذلك من المسائل المهمة، فقد كانوا يعلّلون للناس أعمالهم الاجتماعيّة أو السياسية وغيرها بتعليلاتٍ شرعية أو عقلائية، على مستوى السلم والحرب والمعارضة والموالاة وسائر الأمور، ولم نجد منهم تبرير أيّ خطوة فعلوها بأنّهم استخاروا الله تعالى في ذلك الأمر.
" ان اعتبار الاستخارة دليلا على حقانية مذهب أو دين أو حتى فكرة أو معلومة أمر يرفضه كافة العلماء والمفكرين والعقلاء وعلى طول خط التاريخ .. فهل سمع أن نبيا قال للناس "إني رسول الله اليكم وان كذبتموني فاستخيروا الله في ذلك". فان كانت الاستخارة دليلا من الأدلة لكان الأولى بالأنبياء والأوصياء أن يحتجوا بها ولو لمرة واحدة, مع أننا لم نجد في سيرتهم – وهي فيما بين أيدينا – أن نبيا أو إماما قد استدل لدعواه بالاستخارة ..ثم هل يرضى المتشبثون بالاستخارة كحجة ودليل باللجوء إليها في مثل العلوم الدنيوية والتجريبية؟.. وغير خفي أن المسائل العقدية من أخطر المسائل. ولمن قال: إن الاستخارة لا تقبل الخطأ وهي طريق صحيح لمعرفة الحق من الباطل, نقول له "اذن فلتصعد الى قمة جبل أو الى أعلى السطح وتأخذ استخارة على أن ترمي نفسك منه فان وافقت الخيرة فارم بها منه"[9]
3- المنامات والإلهامات والمكاشفات. شاع في أوساط مدعي السفارة المهدوية اعتمادهم على المنامات في إثبات ارتباطهم بالإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). وجعلها ضمن وسائلها الإقناعيّة لجذب الناس إلى مسيرها. وهذا أمر لا ينطلي حتى على السذج من الناس, إذ ان أصل رؤية المنام هي دعوى تحتاج الى دليل للتصديق بها, ومن الراجح – ان لم نقل بأن مقطوع وجزمي – كذب أولئك المدعين للنيابة عن الإمام(عجل الله فرجه الشريف) في رؤيتهم لمنامات يظهر فيها الإمام(عجل الله فرجه الشريف) يأمرهم بشيء أو ينهاهم عنه.
ومع التسليم - جدلا – بصدق مشاهدتهم للمنام, فهي ليست حجة لا في أصول الدين ولا في فروعه. لاحتياج كل منها الى أدلة معتبرة شرعا, وهذا ما لا يتوفر في المنامات قطعا. بل ان القول بحجية المنامات في العقائد لا يقول به أحد من العقلاء. فضلا عن المتشرعة. اذ يمكن لأي شخص أن يدعي رؤية النبي أو الإمام, وهو يأمره أو ينهاه. وليس هناك من دليل يلتمسه على صدق دعواه.
أما الثابت في الشريعة المقدسة أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام هي الصادقة, لأنها بحكم الوحي, وأما غيرهم فليس كذلك. وقد ذكرت الروايات الشريفة تقسيمات للمنامات من حيث مصدرها, فعن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال" قال رسول الله(صلى الله عليه واله): الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منام"[10]
ان تقسيم الاحلام في الرواية الشريفة الى ما كان من الله, وما كان من الشيطان, وما كان من نفس الإنسان, يخرج بمصداقية مضامين المنامات عن حد القطع واليقين الى الظن والوهم, فلا يمكن – حينئذ - التعويل عليها في المسائل الشرعية, فضلا عن مسائل الاعتقاد, إذ غاية ما تفيده الظن وهو ليس بحجة. والسبب في ذلك أن الإنسان غير المعصوم يدخل على وهمه الشيطان فيصور له بعض الأمور التي قد تلبس عليه الحق بالباطل, فلا يمكن التمييز بينها, والمعروف في باب العقائد أنها تحتاج إلى البرهان القاطع، والقطع لا يتأتى من الرؤى، ولا تدخل الرؤى في صياغة مقدمات برهانية, لأن عمدة مقدمات البرهان هو الأمور البديهية والواقعية المفيدة للقطع والجزم.
والكلام نفسه يجري على ادعاء الإلهام والمكاشفات.
4- انتقاء الروايات المتشابهة التي تخص قضية الأمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) وتفسيرها بالهوى وتوظيفها للاستدلال على مدعياتهم.
" وطالما تمسك به المبطلون. فتراهم يأتون الى الروايات من غير بصيرة بمعناها ولا بفقه الحديث ويخلط بعضها مع بعض ليخرجوا بنتيجة توافق أهواءهم الباطلة(يحرفون الكلم عن مواضعه). والذين يدعون السفار هم من هذا القبيل. وقد يدعي أحدهم أنه ابن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) ويستند الى أدلة روائية تكشف عن جهلة بأبسط قواعد علم الحديث, بل بأبسط القواعد والأصول الأدبية والفكرية والاعتقادية [11]
وقد تمسكوا برواية الشيخ الطوسي في الغيبة. وهي (أخبرنا جماعة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل ، عن علي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن الخليل ، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين ، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد ، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي عليه السلام : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة . فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم اثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى ، وأمير المؤمنين ، والصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، والمأمون ، والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لاحد غيرك . يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم ، وعلى نسائي : فمن ثبتها لقيتني غدا ، ومن طلقتها فأنا بريء منها ، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي . فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم السلام . فذلك اثنا عشر إماما ، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا ، ( فإذا حضرته الوفاة ) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي : اسم كإسمي اسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي ، هو أول المؤمنين)[12]
وهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار والحجية لأمور. لأمور منها:
●ضعيفة السند. لوجود مجاهيل في سندها فضلا عن كونها مرسلة.
●الاضطراب في المتن الناشئ من التنافي والتهافت بين فقراتها, ففي فقرة منها ورد(سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى ، وأمير المؤمنين ، والصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، والمأمون ، والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لاحد غيرك). وفي فقرة في ذيل الحديث (فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي : اسم كإسمي اسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي). ففي الفقرة الأولى تنفي الرواية عن تسمي غير أمير المؤمنين(عليه السلام) بـ(المهدي). والفقرة الأخيرة تثبت هذا الاسم لابن الإمام الثاني عشر. وهذا الاضطراب يستوجب سقوط الرواية عن الاعتبار
●لو أغمضنا النظر عن ضعف السند واضطراب المتن فهي فلا يمكن اعتبارها أيضا لأسباب منها:
(أ) هذه الرواية من موارد خبر الواحد وهو ليس حجة – إجماعا – في الأمور الاعتقادية.
(ب) عدم انطباق مضمون الرواية على ما يدعي مدعو السفارة أو البنوة للإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف), فالرواية صرحت بالتعريف به واعتبار حجيته بعد وفاة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). أما قبل وفاته فلا عبرة ولا وزن لمن يدعي هذا المنصب أو النسب. واذا ادعى ذلك فلا يمكن القبول بكلامه وتصديقه لعدم تعيينه بالنص من قبل المعصوم.
(ج) كل شخص يستطيع ان يطبق على نفسه هذه الرواية ويدعي الانتساب او السفارة للإمام المهدي. وحتى ينقطع هذا الادعاء لا بد من تنصيص مباشر من قبل المعصومين لشخص النائب او السفير, وإلا لأمكن ادعاؤها من كل شخص وهو بيّن البطلان.
(د) هذه الرواية واحدة وهي معارضة بروايات كثيرة أصح سندا وأوضح دلالة على أن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) يسلم الإمامة الى الإمام الحسين(عليه السلام) من بعده وهو الذي يتولى تجهيزه بعد شهادته [13], بل هي من ضرورات المذهب.
المبحث الثالث: الرد العام على تخرصات أدعياء السفارة
تقدم في المبحث السابق ذكر أساليب الإقناع التي يستند إليها أدعياء السفارة المهدوية لكسب أتباعهم, وما يتوهمون أنها أدلة على دعواهم. وكانت هناك في مقابل كل دعوى ردود تدحضها, وتبين زيف ما اسندوا إليه بنيانهم, إذ كان على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.
وفي هذا المبحث نبين بعض الردود العامة لكل أدعياء المهدوية والسفارة, والتي منها:
أولا) التوقيع المبارك المروي عن الإمام صاحب الزمان(عجل الله فرجه الشريف) بتوسط النائب الرابع علي بن محمّد السمري قبل وفاته بستّة أيّام .وذكره الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: « يا عليّ بن محمّد السمّري ، اسمع, أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم »[14]
وهذا التوقيع الشريف قد تطابق على اعتباره جميع علماء الطائفة. والظاهر من ادّعاء (المشاهدة) الوارد في التوقيع المبارك هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع، حيث أمره بعدم الوصيّة لأحد أن يقوم مقامه في النيابة بعد وفاته، إذ قد وقعت الغيبة التامة، وأنه لا ظهور حتّى يأذن الله تعالى.
ثمّ إنّ صريح هذا التوقيع الشريف الذي تطابقت عليه الطائفة أنّ انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة يمتدّ إلى الصيحة من السماء بصوت جبرئيل التي هي من علامات الظهور الحتميّة الواقعة في نفس سنة الظهور ، وهي« ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار : ألا إنّ الحقّ في عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون »[15]
وعلى هذا, فأي مدّع للنيابة والاتّصال والارتباط مع الحجّة عجّل الله فرجه قبل الصيحة فهو كذّاب ومفتر أيّاً كان هذا المدّعي ، ولو تقمّص بأي اسم وعنوان، سواء ادّعى أنّه سيظهر من اليمن أو من خراسان أو من غيرهما. وإنّ توقيت ظهور المهدي(عجل الله فرجه الشريف) بغير ذلك من التحديد الزماني ما هو إلاّ خداع وتحايل على السذّج والبسطاء.
ثانيا) اجماع الطائفة الإمامية على كذب مدّعي السفارة بعد وفاة السمري وقبل صيحة جبرئيل(عليه السلام).
وهذا الدليل يعتمد على الإجماع, فإن الدليل الروائي قد تقدم في الوجه الأول.
فإن الضرورة قامت لدى الطائفة الإماميّة وتطابقوا على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة، أي انقطاع التأدية منه إلى الناس، والتأدية من الناس إليه، وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن.
ونورد كلاما لقطبين من أقطاب الطائفة وأعلامها يذكرون هذا الإجماع:
فقد ذكر الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي [16] في كتابه (المقالات والفِرق) بعد أن بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام(عجل الله فرجه الشريف)، وانقطاع النيابة عنه ووجوه الارتباط به : « فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه »[17]
وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه - صاحب كتاب كامل الزيارات [18].قال : « انّ عندنا أنّ كلّ من ادّعى الأمر بعد السمّري - وهو النائب الرابع فهو كافر منمس ، ضالّ مضلّ »[19]
ثالثا) عدم اذعان الطائفة الإمامية لمدعي السفارة إلا بالتنصيص عليهم مع ظهور المعاجز البينة على أيديهم واستمرار اختبارهم من قبل علماء الطائفة.
ان دعوى التشرف بلقاء الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف), وأخذ التوجيه المباشر منه, والنيابة عنه دعوى خطيرة, لا تصح من دون دليل قطعي نصّي، لأن النائب والسفير إنما يؤدي عن المعصوم فلا بدَّ من إثباته بالقطع واليقين. يقول الشيخ الطبرسي "ولم يقم أحد منهم (أي من الأربعة) إلاّ بنصّ من قبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدلُّ على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم"[20]
فالنائب الأوّل والثاني نصَّ عليهما الإمام الحسن العسكري عليه السلام بقوله(عليه السلام)" العمري وابنه ثقتان ، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان"[21] ثمّ تنصيص كل واحد من السفراء على الآخر كما هو المتعارف بين السفراء مع ما ظهر من البراهين والدلائل على أيديهم ومع مكانتهم العلمية والفقهية وجلالة محلّهم لدى علماء الطائفة.
فقد روي عن جعفر بن أحمد بن متيل، قال "لما حضرت أبا جعفر بن عثمان العمري رحمه الله الوفاة كنت جالساً عند رأسه, اسأله وأحدّثه, وأبو القاسم بن روح عند رجليه, فالتفت إلي ثم قال: أمرت أنْ اوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح"[22]
وتعزيزا لحجة استنابة السفراء عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) فقد كانوا مسددين بالمعجزة يقدمونها بين أيديهم تدليلا على صدق مدعاهم, إذ لم يكتف منهم بالنص عليهم.
وهذا ديدن الحجج على الخلق حتى تنغلق الأبواب والذرائع أمام المدعين للمناصب الإلهية, فقد سأل أبو بصير، الصادق عليه السلام: لأيّ علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال: (ليكون دليلاً على صدق من أتى به والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلاّ أنبياءه ورسله وحججه ليُعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب)[23]
فلم يقم أي من سفراء الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) الا بالمعجزة والنص, ذكر ذلك صاحب الاحتجاج بقوله (.... ولم يقم أحد منهم بذلك إلاّ بنصّ عليه من قِبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدّم عليه ولم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدلُّ على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم، فلمّا حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله، قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته...)[24]. ثمّ ذكر التوقيع الذي مرَّ ذكره.
وتطرق العلامة الحلي الى وصية نواب الإمام المهدي السلف الى الخَلَف بأمر من الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). بدءا من النائب الأول محمد بن عثمان بن سعيد العمري, فقال في ترجمته ".. وقال عند موته: أمرت ان أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، وأوصى إليه، وأوصى أبو القاسم ابن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل ان يوصي ، فقال : لله امر هو بالغه، والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد السمري"[25]
ولشدة تثبت الطائفة الإمامية في مسألة الإمامة والسفارة عنها, كانوا يُخضعون نواب الأئمة(عليهم السلام) الى اختبارات متواصلة, ليستيقن من لم يحصل له الجزم واليقين, إذ لا يمكن الإذعان لمن يدعي الاتصال بالمعصومين(عليهم السلام) والنيابة عنهم إلاّ بأدلّة قطعية يقينية وبراهين بيّنة محكمة. ناهيك عن أن الإنسان ما لم يكن معصوما فيمكن أن يتسلل إليه الخطأ والنسيان والذنب, فكم من وكلاء للأئمة الماضين(عليهم السلام) انحرفوا وزاغوا عن المنهج الحق, وابتدعوا في الدين, وظهر منهم ما أغضب الأئمة المعصومين(عليهم السلام), حتى أظهروا البراءة منهم واللعنة عليهم.
وقد تحدث القرآن الكريم عن بلعم بن باعورا الذي آتاه الله تعالى بعض حروف الاسم الأعظم, وإعطاءُ حرف منه يعني الارتباط الروحي بدرجة من التأييد منه، ومع كلّ ذلك لم تكن نفس بلعم بن باعورا وشهوتها قد خمدت، بل تغلّبت في النهاية عليه، وأرادت تسخير هذا الارتباط الروحي بالاسم الأعظم تحت إمرتها، فكانت العاقبة أن انسلخت نفس بلعم عن هذا الارتباط والتأييد، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [26]
وقد أصبح معروفا شائعا بين أوساط العامة من الناس, فضلا عن علمائهم, أن الكثير من أدعياء السفارة المهدوية في هذه الأيام لا يحسنون قراءة سورة الفاتحة بصورة صحيحة. نعوذ بالله من مضلات الفتن ونسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
---------------
المصدر:
موقع السيد مجتبى الشيرازي
https://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2802